23 ديسمبر، 2024 2:49 م

كورونا.. المجتمعات الخفية وهندسة الموت القادم من بعيد

كورونا.. المجتمعات الخفية وهندسة الموت القادم من بعيد

(الجزء الأول)
مقدمة لا بد منها…
جميعنا أصبحنا نعلم بأن المنطق الذي بدأ يسود اليوم في كافة أنحاء العالم هو المنطق الغربي، المتحضر بنظرنا، والذي لا يمكن مقاومة سطوته ومغرياته المفروضة علينا. يمكننا التعرف على الجهة التي صممت هذا المنطق الغربي من خلال كتابات أحد الوحوش الاقتصاديون في الولايات المتحدة، أندرو كارنيغي، الذي كتب في العام 1890م سلسلة مؤلفة من 11 مقالة بعنوان “إنجيل الثراء”. وهي عبارة عن رسالة يذكر فيها بأن سوق المنافسة والنظام الرأسمالي لم يعد لهما مكان في الولايات المتحدة، لأن هو وروكفيلر أصبحا يملكان كل شيء، بما في ذلك الحكومة!. وأن المنافسة مستحيلة إلا إذا سمحا بذلك. يضيف كارنيغي: “لكن في النهاية، سوف يكبر الأطفال ويعرفون بهذا الوضع وسيشكلون منظمات سرية لمقاومته”. يقترح كارنيغي على الأثرياء (أتباعه) أن يؤسسوا نظاما اصطناعيا فيه سوق للمنافسة، ويتم تكريس هذا النظام المزور من خلال السيطرة على التعليم والمدارس التي تدرب الأجيال الصاعدة على التعامل مع هكذا نظام. والعمل على ترسيخ الإعتقاد بأن كل من يتقدم في التعليم ونيل الشهادات سوف يكون ناجحا في حياته المهنية وكذلك محترما في وسطه الإجتماعي. وجعل الحكومات لا تمنح تراخيص العمل سوى بالإعتماد على هذه الشهادات العلمية. بهذه الطريقة، يمكن السيطرة بالكامل على النظام الإقتصادي في البلاد، وسيضطر الناس لتعلم ما يراد تعليمهم، بالإضافة إلى أن هذه الوسيلة تضع عقول الأطفال في أيدي مجموعة صغيرة من المهندسين الإجتماعيين الذين يمكنهم قولبة المجتمع كما نشاء وجعله يتوجه حسب ما نرغب”.
لقد ساهمت مؤسسات روكفيلر وكارنيغي ومورغان في تكريس منطق علمي جديد من خلال وسائل وسياسات خبيثة لا يمكن شمل تفاصيلها المعقدة جدا. إنه دين جديد… آمنت به كافة شعوب الأرض، إنها العلمانية الإستهلاكية كما يسميها المفكرين المستقلين… إنه “المذهب العلمي المادي” المنهج الفكري المجرد من الروح… “التطور من اصل قرد”… “الكون الميكانيكي الذي خلو من الإبداع الرباني”… هذه النهضة الفكرية المزورة تعتبر أكبر لعنة ضربت وجه الأرض!. لقد نادى بها كل الأحرار ذوي العقول المنفتحة. وناضلوا من أجل إرسائها إيمانا منهم بأنها الطريق الوحيد للخلاص من التخلف والرجعية والطائفية والإنغلاق.. و، و، و… لكن يا لهم من مساكين، فماذا كانت النتيجة؟ لقد وقعوا في الفخ! وأوقعونا معهم… أصبحنا اليوم نخضع لأبشع أنواع الإستعباد والذل والتبعية التي يمكن أن يشهدها الإنسان عبر التاريخ!. شدوا الأحزمة فلقد دخلنا توا إلى نموذج جديد من عصر الموت القادم ببطء!.
يعد تجسد “العلمانية المادية” في بدايات القرن الماضي، وراحت تتجلى وترسخ شيئا فشيئا بين المجتمعات، بفضل القوى الإستعمارية التي زرعت طبقة من المتعلمين والأكاديميين المحترمين في كل مكان في الأرض قبل أن ينجلوا ويعودوا إلى حيث أتوا – ولا زلنا نشكرهم على هذا العمل الإنساني النبيل المتمثل في “التعليم المجاني/ الإجباري” الذي كرسوه – دخلت الشعوب مرحلة سياسية أخرى تختلف تماما عن ما كان سائدا في الماضي. لقد حصل تحول اجتماعي كبير… إنقلاب ثوري بكل المقاييس. ظهرت طبقة من القيادات الوطنية في جميع دول العالم النامي (الثالث سابقا)، فانتشر التعليم المجاني، والطباعة والرعاية الصحية.. لقد أوشكنا أن نصدق بأن الجنة يمكن بناءها فعلا على الأرض!. ولكن، بعد عدة عقود من الزمن… بدأت الأمور تتضح … لقد اصبحنا فجأة بين عشية وضحاها مجتمعات استهلاكية! مغفلين! عبيد للمال! قابلين لأن نباع ونشترى بسهولة! بعد أن اعتدنا على العيش على تلك الطريقة الجديدة التي علمونا على عيشها في المدارس المجانية، حتى أصبحنا عاجزين عن العيش دونها. أطبقت علينا المؤسسات المالية العملاقة والشركات العابرة للقارات سيطرتها المتوحشة فجأة ودون سابق إنذار!… أين الجنة الموعودة؟! أين العدالة الإجتماعية؟! أين التعليم المجاني والطبابة المجانية والبنى التحتية الرخيصة التي عودونا عليها؟!. لماذا هذا التخصيص الذي يجري للمؤسسات الوطنية على نطاق واسع؟! لماذا يتم رمينا في أحضان الرأسمالية المتوحشة بهذه السهولة؟!. أسئلة كثيرة ومحيرة ومتعبة. لكن هل كل ما حصل هو مجرد تسلسل عفوي للأحداث؟ أم أن هناك مخطط تم رسمه وتنفيذه عبر قرنين من الزمن لتحويل كافة مجتمعات الأرض إلى قطع صغيرة من آلة الإستهلاك العالمية التي تقودها المصارف والشركات العملاقة العابرة للقارات؟!. هذه المؤامرة الطويلة وبعيدة المدى تتمثل ببساطة بعدة مراحل متسلسلة: 1/ علمونا على طريقة عيش معينة من خلال التعليم المجاني والخدمات المجانية التي تتوافق مع ذلك التعليم (خاصة في مجال الصحة والطبابة، والزراعة… وغيرها). 2/ تخلينا عن طريقة العيش القديمة (البسيطة) بصفتها طريقة متخلفة وبدائية ورحنا ننشد الطريقة الجديدة بكل سعادة وهناء، دون أي تفكير في العواقب. 3/ بعد أن اعتدنا على طريقة الحياة الرغيدة والمتحضرة، بحيث لم نعد نستطيع العيش دونها، سحبوا البساط من تحت أرجلنا! وبدأت الخدمات المجانية التي تقدم لنا تختفي وتزول تدريجيا (حصول خصخصة للمؤسسات العامة على نطاق واسع وفي كافة أنحاء العالم)، وراحوا يطلبون المال مقابل هذه الخدمات التي أصبحت أساسية وضرورية. 4/ هذه المرحلة الأخيرة لم تكتمل بعد في بعض البلدان، لكن عند اكتمالها سوف تتحول الحياة على هذا الكوكب إلى جحيم لا يمكن احتماله، وسنتحول إلى عبيد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. هذه المرحلة تتمثل في وقوع ملكية كافة المؤسسات الخدماتية العامة تحت سيطرة الشركات الخاصة (خاصة المدارس والمستشفيات) ولم يعد هناك أي خدمات مجانية في أي بقعة على وجه الأرض. حينها يكونون قد أحكموا قبضتهم على الإنسان بقوة! وجعلوه مجرد كائن مغفل مفرغ العقل مهووسا بالمال الذي هو الوسيلة الوحيدة لتأمين مستلزماته الأساسية. “… سوف تتحول المجتمعات إلى لصوص وبائعات هوى..”!، هذا ما ينوي المتآمرون العالميون تحقيقه!… هل نحن محضرين لهذا المصير البائس الذي ينتظرنا؟ هل لا زلتم تناصرون فكرة “العولمة” التي يسوق لها بعض الحمقى والمغفلين؟.
لقد عمموا بين شعوب العالم منهجا علميا موحدا… كل العالم أصبح ينهل الدروس ذاتها… أصبح “سيغموند فرويد” وعقده الجنسية معروفا في كل مكان حتى في الجزر النائية! وكذلك “إسحاق نيوتن” و”ألبرت أينشتاين” … و”ديكارت” و”ولهلم وندت”… ولا تنسوا “داروين” وأسلافه القرود… أما بخصوص التاريخ العالمي، فالجميع تعرف على “يوليوس قيصر” و”الإسكندر” و”نابليون” والثورة الفرنسية والثورة البلشفية والثورة الأمريكية.. و، و، و..، لقد أصبح كل من ينهل من هذه الباقة المحددة من المعرفة والثقافة التي تتمحور حولها محترما وحكيما.. أما الذي ينال شهادات عليا من الكليات التي تنشر هذا النوع من المعارف، فأصبح جليل القدر وعالي الشأن ورفيع المرتبة. وبعد أن تربعت هذه الطبقة “المتعلمة” على عرش الحكمة المعرفية لدى كافة المجتمعات، واعترف الجميع بأهليتهم، حصلت الكارثة التي لم يتوقعها أحد!.
إن المجتمع الذي يولي اهتماما للمؤهلات العلمية على حساب المؤهلات الفطرية للشخصية هو مجتمع مقبل على الهلاك حتما!.
صناعة العجز في زمن الأزمات
إن الطريقة التي فرض بها ذلك المنهج العلمي الجديد ساهم في تقسيم وتصنيف وفرز أفراد المجتمعات بطريقة خاطئة غير سوية. وفي الحقيقة، هذا هو الهدف الذي سعى إليه المتآمرون العالميون. إنهم يعلمون جيدا أن الطبيب لا يمكن أن ينجح في هذا المجال إذا لم يكن طبيبا بالفطرة، مهما نال من شهادات عليا وتخصصية في مجال الطب. وفي هذه الأيام، نادرا ما تصادف وجود طبيب بالفطرة، وفي نفس الوقت يكون متخرجا رسميا من كلية الطب. إن معظم ممارسي مهنة الطب ليسوا أطباء بالفطرة، بل مجرد مسوقين تجاريين للأدوية الكيمياوية التي تصنعها الشركات. وكذلك الحال مع المهندس المعماري، وكذلك الخبير الزراعي، وهكذا إلى آخره. نادرا ما تجد أحدا من هؤلاء الأكاديميين تخصص في المجال العلمي الذي يناسب ميوله الفطرية. الأسباب الرئيسية التي جعلتهم يختارون هذه التخصصات العلمية ليست لها علاقة بميولاتهم الفطرية بل قد يكون سبب اجتماعي (دكتور قد الدنيا) أو مادية (مدخول مالي كبير). وعندما يكون الأمر على هذه الحال، لا بد من أن تتوقع الكارثة، إن كان على الصعيد الصحي أو الإجتماعي أو الزراعي أو الروحي… إلى آخره.
هل تساءل أحدنا لماذا تكثر الأمراض كلما كثر الأطباء المؤهلين علميا في هذا العالم؟، هل تساءلنا لماذا حصلت هذه الأزمة الصحية العالمية في الوقت الذي تعج فيه كافة بلدان العالم بجيوش بيضاء من الأطباء وخبراء الصحة؟. لماذا هذا الكوكب لا يجري بشكل صحيح طالما أنه يعج بهذا الكم الهائل من المتعلمين والأكاديميين؟!. إنه لخطأ كبير إهمال المؤهلات الفطرية وتشجيع المؤهلات العلمية. المستفيد الوحيد لهذا التصنيف الجائر للمجتمعات هم المسيطرون الإقتصاديون، إنهم يعلمون جيدا ماذا فعلوا طوال فترة القرنين السابقين ولماذا فعلوا ما فعلوه. لم يكن هدفهم إنشاء طبقة علمية متنورة، بل طبقة من الكهنة الأكاديميين المسوقين للعلوم الموجهة….
لكي أجعل الفكرة أكثر استيعابا، سأستعين بمثال واحد لكنه شامل: إن البروفيسور الأكاديمي المحترم الذي يعلم الأجيال اليافعة (بنية بريئة) بأن الطاقة الحرة مستحيلة، هو في الحقيقة يكرس الفكرة القائلة بأنه لا يمكن على الحصول على الطاقة سوى بالطريقة التقليدية لاستخلاص الطاقة والتي تسيطر عليها الشركات. وكذلك البروفيسور الأكاديمي المحترم الذي يقول بأن الطريقة الوحيدة للمحافظة على الصحة وكذلك الشفاء من الأمراض، هي التعامل دائما وأبدا مع الطب المنهجي الرسمي (أي تناول الأدوية الكيماوية)، هو يكرس أيضا فكرة أنه ما من علاجات بديلة ناجعة سوى من خلال هذا النوع من الطب الذي تسيطر عليه الشركات أيضا. عندما ننظر إلى هذا الوضع الأليم ونتحقق من خفايا الأمور، نجد أن الطاقة التقليدية (البترول، الغاز، الفحم) وكذلك الطب التقليدي (الأدوية الكيماوية والعمليات الجراحية والعلاجات الإشعاعية) جميعها فرضت علينا بطريقة تجعلنا مجبرين على دفع الفواتير دائما وأبدا. المسألة في هذه المرحلة هي مسألة تجارة واستهلاك، فهذه الشريحة الكهنوتية التي تم دعمها ومنحها المصداقية والسلطة الرسمية لكي تحدد ما هو ممكن وما هو مستحيل علميا، هي تتربع الآن على عرش الحكمة المعرفية بسبب قيامها بهذا العمل، إن كانوا يفعلون ذلك عن جهل أو عن دراية بما يجري.