انقلاب مفاهيم وقيم العمل واقتصاديات السوق في ظل كورونا
إلى جانب الانسداد والكساد الاقتصادي وانهيار سوق النفط وتعافي سوق السلاح بشكل لا سابق له، الذي خلقته وسوف تخلقه جائحة كورونا، فقد تسارع انتقال المستخدمين إلى العالم الرقمي بوتائر عالية جداً، وهكذا ظهرت منتجات تخدم مشروع العمل من المنزلHome Office، وتنامى استخدام المعروض منها بأرقام خرافية، وكل ذلك يعيد تقسيم وتصنيف قوة العمل بواقع طبقي لم يحلم به أحد.
قبل أزمة كورونا كان كثيرٌ من الناس يراهنون على بقاء الصحافة والكتب الورقية، لكنّ نظم التعليم عبر العالم انتقلت إلى التعليم الالكتروني بتسارع لم يستغرق سوى بضع أسابيع، بحكم الأمر الواقع، وهكذا فإن ملايين الطلبة والتلاميذ عبر العالم يدرسون ويؤدون فروضهم المدرسية أون لاين. وبنفس الطريقة تراجع الإقبال على الصحافة الورقية بحكم عدم الاختلاط، كما أن الوصول إلى الكتب الورقية بات صعباً، فلجاً ملايين الناس عبر العالم إلى القراءة أون لاين، وبات البحث عن الكتب والمجلات الالكترونية هاجس الجميع، فيما شهدت الصفحات والمواقع الإلكترونية مستويات قراءة غير مسبوقة.
بنفس الوتيرة مارست مئات ألوف المؤسسات أعمالها أون لاين، وهكذا تطورت منصات عقد الاجتماعات وتبادل المعلومات الإلكترونية في ظل إغلاق المؤسسات الحقيقية عبر العالم.
ووجدت كثير من المؤسسات والشركات نفسها محاصرة بين خياري الإغلاق التام والانهيار، أو الانتقال السريع إلى التعامل مع المنصات الرقمية، وهكذا انتقلت بسرعة إلى منصات واتساب ومسنجر فيسبوك والمنصات الشبيهة التي تؤمن التواصل والتراسل وتبادل المعلومات والوثائق وعقد الاجتماعات دون حضور حقيقي.
ثم ظهرت منصات Slido و Zoom و Skype و Webex و GoToMeeting، علاوة على مشروع مايكروسوفت الكبير من خلال Team الذي اعتمدته المؤسسات الكبرى.
المنصات المذكورة تؤمن لقاءات فيديو أو صوتية أو كليهما إلى جانب مساحة التراسل المكتوب العادية الموجودة في أنظمة مسنجر وشبيهاتها، والتي تؤمن أيضا إمكانية تبادل الوثائق والصور من خلال العالم الرقمي.
انقسام طبقي سريع غير متوقع
هذا التطور السريع، قد يعمّق الانقسام الطبقي بين الناس ويمنحه أبعاداً غير منظورة ولم تكن متوقعة. فمن يعملون أون لاين هم طبقة متعلمة ملمّة بتقنيات العالم الرقمي ومتابعة لتطوراته، لكن الأعمال التي تتطلب حضوراً شخصياً ستبقى موجودة، سائقو الشاحنات والسيارات والقطارات والحافلات، مكاتب الحراسة والاستعلامات، شركات التنظيف، شركات التأسيس والتصليح الكهربائي والميكانيكي، شركات وعمال السباكة، شركات البناء والحفر وما يرتبط بها، النجارون وعمال الحدادة والخراطة، الجنود والقوات المسلحة، وألوف الأعمال الأخرى المشابهة، وهكذا تستمر الأعمال التي تتطلب حضوراً حقيقياً في أماكن العمل يعرض الجميع إلى مخاطر كورونا.
اليوم في عصر كورونا وفي ظل مخاطر الاختلاط الجمة، تصبح قوة العمل الإلكترونية الرقمية هي الأعلى أجراً، مقارنة بقوة العمل الحضورية، التي سوف تتدنى أجورها بسبب حجم المخاطر التي يتعرض لها العاملون. الوضع مشابه لعمال المناجم والمخاطر التي تواجههم.
ازدهار التجارة الإلكترونية وتسارع التغيير الثقافي
موقع شبكة التلفزة الأمريكية المعروفة CNBC نشر منتصف نيسان / ابريل 2020 وفي أوج جائحة كورونا، مقالاً مفصّلاً تحدث فيه عن التجارة الالكترونية والتغير الثقافي وكشف عن جوانب لم تكن معروفة، وبضمنها مأ أشرت إليه مطلع هذا المقال، حول التفاوت الطبقي الجديد.
وفيما يتعلق بانسيابية العمل، فقد تزايد عدد الموظفين المنفردين العاملين من منازلهم، وكلّهم يتفقون اليوم على وجود فوائد جمة في النزوع المفاجئ الإجباري إلى العالم الرقمي. فأغلب الشركات تعقد اجتماعات مع زبائنها، والطرفان يعملان من منازلهما، وبهذا ألغي تماماً دور الشركات العملاقة باهظة الثمن بمراكزها المخيفة في المراكز الحضرية المدنية عبر العالم، وباتت بنايات المصارف والشركات الكبرى والمتوسطة خاوية على عروشها لا يشغلها سوى موظفي الأمن والحماية وبعض موظفي العالم الرقمي، وبعض المنظفين والمنظفات. المدراء التنفيذيون يستخدمون منصات رقمية لتبادل الأسئلة والحوار ومنها Slido، وهذا التواصل يمنح الموظفين الذين يخجلون من طرح آرائهم للمدراء الكبار فرصة التعبير عن رأيهم بوضوح وعرض أفكارهم وأسئلتهم بصراحة.
وتحدث كارستن ويرفيله المدير التنفيذي لشركة Ustwo هاتفياً مع موقع CNBCكاشفاً أن الاجتماعات التي تعقد حالياً في العالم الافتراضي ومنصاته باتت تحقق نوعاً من المساواة الإجبارية بين الموظفين بمختلف مستوياتهم “الناس يكثرون من طرح الأسئلة، مدركين أن من كانوا منطوين على أنفسهم في العمل، بات بوسعهم الإعلان عن آرائهم علناً على تلك المنصات، كما أن آليات العمل وتصنيفاته القيادية قد تغيرت جذرياً، ففي العادة يهيمن على الاجتماعات كبار السن، بحكم خبرتهم المتراكمة وعناوينهم الرئاسية الكبيرة، أما اليوم ومن خلال منصات العمل الافتراضية، فقد تساوت مراتب العاملين من خلال الحرية التي توفرها هذه المنصات“.
سفر المدراء والخبراء المكلّف أصبح ترفاً غير مطلوب
ويلفت ويرفيله الأنظار إلى أن من المتوقع تناقص مناسبات سفر المدراء والخبراء عبر العالم (وهي سفرات باهظة التكاليف على المؤسسات والشركات، وتتطلب جهداً كبيراً من الموظفين المسافرين أنفسهم، وتدمر حياتهم الاجتماعية بشكل كبير خاصة مع أسرهم). وسيكون عليهم في المقابل اتقان تقنيات التواصل الافتراضي على المنصات الجديدة مثل Zoom وعليهم اتقان وسائل من قبيل Mural و منصات العرض من قبيل Prezi العاملة بتقنية السحابة الإلكترونية.
وعرض بحث نشر على مدونة match2one وقائع مستفيضة عن هذا الانتقال السريع، كاشفاً أن الانتقال إلى مواقع العمل الافتراضية أون لاين يرافقه اقتصاد هائل في النفقات، إذا استمرت المنصات بعرض فعاليتها بهذا المستوى المتدني من الأرباح،وهنا ينبغي على المرء أن يفكر في زيادة أجور العاملين، لأن جهدهم الرقمي سيضيف تكاليف أخرى على مصروفاتهم المنزلية الشهرية، من خلال حزم انترنت أكثر كفاءة، وأجهزة كومبيوتر ولاب توب وتابلت أكفأ، علاوة على مصروفات استهلاك الطاقة الكهربائية المتزايدة التي ستظهر تباعاً خلال هذا العام على القوائم المنزلية. في المقابل طبعا سوف تتدنى مصروفات المؤسسات الكبرى في هذا المجال، ولكن حتى يقرر العالم الاستغناء عن البنايات الأنيقة المكلفة الكبيرة، ستبقى تكاليف المباني مرتفعة، ولا أحسب أن قرار الانتقال بهذا الاتجاه سوف يتأخر.
انهيار مناسبات ومساحات الإعلان الجماهيري الحقيقية
الهجرة المتسارعة إلى العالم الرقمي وجهت ضربة قاصمة سريعة لمساحات ومناسبات الإعلان غير الرقمية، فيما سيحقق الإعلان الرقمي مكاسب وأرباحاً سريعة بسبب هذا الانتقال. أما مناسبات الإعلان والعروض التجارية الدولية الكبرى، مثل المعارض التجارية الدولية، ومناسبات ومعارض التقنيات الأنيقة، والايفنتس events التي يعرض من خلالها أبطال العالم الرقمي تصوراتهم ومنجزاتهم، فلقد تلاشت وباتت جزءاً من الماضي، وهذا جزء من هزيمة عالم الإعلانات الحقيقي بكل أشكاله.
وبنفس الطريقة انهار عالم الرياضة، وتحول إلى ترفٍ لا يملك أن يقصده أحد، على كافة المستويات. فعلى المستوى الفردي تعطلت المراكز الرياضية ومراكز الشباب والجيمات Gyms وما يشابهها من الأندية. وعلى المستوى الجماعي الدولي، لم يعد ممكناً إقامة أحداث رياضية بمستوى أقل بكثير من مباريات كأس العالم، والتصفيات الأولمبية الدولية واشباهها، وباتت فرق كرة القدم الأخرى، تفكر في إجراء مبارياتها في ستادات خالية من الجماهير، وهذا ما تفعله الأندية الألمانية والأوروبية عموماً.
كل ذلك يعني أن صناعة الرياضة التي ترتبط بمصالح تدر وتحرك ترليونات الدولارات قد انهارت دون سابق إنذار، وهكذا فإنّ اليابان مثلاً وجدت نفسها مجبرة على التفكير بإلغاء أولمبياد صيف 2020، ورغم أنها لم تعلن عن هذا رسمياً، إلى أنّ تسارع الأحداث عبر العالم يؤشر بهذا الاتجاه، فلا وجود لعلاج مرضى كورونا حتى ساعة كتابة هذا التقرير، وصناعة الطيران والفندقة متوقفة وتنهار عبر العالم، فكيف ستقيم اليابان مثل هذه المناسبة وعلى أي جمهور ستعول، وكيف يمكن أن يصلها هذا الجمهور الثري؟
ويدور مثل هذا الحديث حول (مونديال) دورة كأس العالم في قطر عام 2022 وكتبت ندى الشافعي على موقع غول لكرة القدم” أدى وباء كورونا إلى توقف أكبر المسابقات في كرة القدم العالمية، مع استمرار الشكوك حول موعد استئنافها.
وتم تأجيل الدوري الإيطالي، الدوري الإسباني، الدوري الفرنسي، الدوري الألماني والدوري الإنجليزي، وكذلك بطولات أوروبا لكرة القدم ودوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي.
كما تأثر يورو 2020، الذي كان مقرراً عقده هذا الصيف، بشكل مباشر حيث لم يبق أمام الاتحاد الأوروبي لكرة القدم سوى خيار واحد هو تأجيل البطولة حتى عام 2021.
يتم تكرار هذه الصورة القاتمة في أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية وآسيا وأفريقيا، تاركةً لمسؤولي المنافسة في كل مكان كابوسًا لوجستياً ومادياً”. انتهى ما نشر في موقع غول.
الكارثة، التي نجحت إمارة قطر في اسكاتها حتى الآن بقوة البترودولار هي مصير مونديال 2022، ويتحداها أن فكرة الحشد الكبير في مكان واحد باتت مستحيلة في ظل تهديدات كورونا، هذا غير حقيقة أن قطاعات الطيران والنقل الجوي والفندقة قد انهارت، فعن أي مونديال يجري الحديث اليوم؟
ولكي لا نبتعد بالقارئ عن وجهة المقال، فنحن هنا نتحدث عن انهيار مساحات ومناسبات إعلانية حقيقية دولية كبرى من خلال مناسبات رياضية.
كل شيء إلكتروني تسلق إلى القمة
التسوق الإلكتروني حقق أرباحاً فلكية خلال شهرين من عمر أزمة كورونا، ونقل موقع سي أن أن عربية :
شركة أمازون قالت إن تفشي فيروس كورونا تسبب في زيادة كبيرة في عمليات التسوق عبر الإنترنت، ما أثر على إمكانية الشركة العملاقة لمواكبة الطلب، ودفعها لإضافة 100 ألف وظيفة جديدة بدوام كامل وجزئي في الولايات المتحدة الأمريكية.
وستتركز الوظائف الجديدة في مراكز تلبية طلبات أمازون وشبكة التوصيل الخاصة بها. وقالت أمازون في مدونتها على الإنترنت يوم (الاثنين 16 آذار/ مارس 2020) إنّها تشهد “زيادة كبيرة في الطلب، ما يعني أنّ احتياجاتنا من العمالة غير مسبوقة لهذا الوقت من العام”.
وحقق الرئيس التنفيذي لشركة “أمازون” والرجل الأغنى في العالم جيف بيزوسمكاسب تجاوزت الـ5.5 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الحالي (2020)
كشفت عن ذلك جريدة “غارديان” البريطانية مبينّة أنّ بيزوس تمكن من أن يحقق 3.9 مليار دولار خلال يوم واحد، وهو يوم (الخميس 26 آذار/ مارس 2020) فحسب. رقممخيف حقاً لرجل واحد في يوم واحد وبطريقة شرعية وقانونية لا غبار عليها!
انهيار الطيران وصناعة السياحة
مقابل هذا، فإن قطاع السياحة والنقل الجوي قد انهار فعلاً ونشر موقع سي أن أنعربية يوم (الثلاثاء 17 آذار/ مارس 202):
وفقاً لمركز CAPA للطيران الاستشاري، فإنّ معظم شركات الطيران في العالم ستفلس بحلول نهاية مايو/ أيار ما لم تتدخل الحكومات. وقال المركز في تقرير نشر يوم الاثنين إنّ “هناك حاجة لعمل منسق من الحكومات والصناعة إذا أردنا تجنب كارثة”، مضيفاً: “الاحتياطيات النقدية تتناقص بسرعة مع توقف الأساطيل“.
وأكد حجم الأزمة المتفاقمة يوم الاثنين، بعدما أعلنت أكبر شركة طيران اقتصادي في أوروبا، “راين إير” أنها ستقوم بتعليق معظم أسطولها على مدى الأيام الـ7 إلى الـ10 المقبلة.
كما قالت لوفتهانزا، التي تمتلك شركات طيران وطنية في ألمانيا وسويسرا والنمسا وبلجيكا، إن شركات طيران المجموعة تجري مناقشات مع حكوماتها حول “تلقي دعم حكومي نشط إذا أصبح ذلك ضرورياً”. كما قامت إحدى شركاتها التابعة، الخطوط الجوية النمساوية، بتعليق جميع الرحلات مؤقتاً بدءاً من 19 مارس/ آذار. وقد وافقت حكومة ألمانيا يوم (27 نيسان/ ابريل 2020) على مساعدة شركة لوفتهانزا بحزمة إنقاذ قيمتها 9 مليارات يورو (9.74 مليار دولار) مقابل حصة أقلية معطلة ومقعد أو اثنين في المجلس الإشرافي للشركة.
ونقل موقع بيزنس إنسايدر إنّ ممثلين عن الحكومة الألمانية والناقلة الرئيسية الألمانيةاتفقوا على تلك النقاط الرئيسية، ويصف البعض هذا الاتفاق بـأنه “تأميم جزئي“، خاصة بعدما اضطرت الشركة العملاقة إلى تحويل ثلثي العاملين بها إلى الدوام الجزئي، والعمل بـ5% فقط من أسطولها.
مبيعات السلاح تصل لمستويات فلكية
يبقى سوق السلاح وتجارته في الجانب المعتم من التبادل التجاري عبر العالم، فكلّ ما يصدر عن الصفقات الدولية بهذا الشأن يدور في إطار تخمينات وتسريبات غير نهائية وغير واضحة. إلا أنّ جائحة كورونا انعكست بطريقة عجيبة على مستوى الفرد الأمريكي. وفي عددها الصادر يوم (الخميس الثاني من نيسان/ ابريل 2020) نشرت صحيفة غارديان البريطانية تقريراً عن مبيعات الأسلحة الفردية في الولايات المتحدة خلال أزمة كورونا جاء فيه:
استجاب الأمريكيون لجائحة كورونا بمشتريات للسلاح حققت رقماً قياسياً، وطبقاًلمعلومات مصدرها الحكومة قائمة على طلبات تقدم بها الناس للحصول على تراخيص أسلحة اشتروها في شهر آذار/ مارس 2020، فقد بلغ عدد الطلبات 3.7 مليون طلب ترخيص لسلاح ناري كما كشف مكتب التحقيقات الفدرالي اف بي آي.، وهو أعلى رقم يسجل خلال السنوات العشرين الأخيرة، بواقع ارتفاع بلغ 80 % عن مبيعات نفس الشهر في العام الماضي.
كل ما ذكرناه قد ينتج عنه توقعات غير نهائية، فلو عدّت أزمة كورونا بمعجزة من نوع ما، وعاد كل شيء إلى طبيعته، ربما تتحول أغلب هذه التوقعات إلى أضغاث أحلام، لكن المؤكد أن قواعد وتقسيمات العمل عبر العالم سوف تشهد تغيراً كبيراً في مدى منظور.
سوق النفط انهيار حقيقي ورد فعل غير محسوب
لم يحدث في التاريخ أن يدفع البائع أموالا للمشتري كي يغريه بالشراء! إنه نوع من التعامل فرضته الفوضى التي خلفتها جائحة كورونا والتنافس غير المدروس بين روسيا والسعودية، لكن الخام الأمريكي هو الذي انهار، فماذا يجري حقاً؟
البترول هو وقود الحداثة، ومحرك ماكنة القرن العشرين، ويبدو أن ماكنة القرن الواحد والعشرين تتجه إلى نوع آخر من الوقود، لا نعلم حتى الآن ما هو، لكن سياسة العزل والقرنتينه سترسم حدوده الواضحة لو استمرت أزمة كورونا. يوم 20 نيسان/ ابريل 2020، سجلت عقود البيع الآجل للنفط الأمريكي رقماً مخيفاً وهو ” 40.3 ” دولاراً في السالب سعراً لبرميل نفط غرب تكساس، إنها كارثة لم يتصورها البعض قط، هل كورونا المسؤول أم أن هناك عوامل أخطر؟
سبب هذا الانهيار التاريخي هو إغراق السوق بنفط غير مباع، فمستودعات الخزن الاستراتيجي الامريكية في Cushing واوكلاهوما كانت ممتلئة ولا مجال لتلقي شحنات جديدة، فيما ترسو 20 ناقلة نفط حوضية عملاقة بحمولة تتجاوز 25 مليون برميل من النفط السعودي في المياه الدولية بانتظار التفريغ في السوق الأمريكيحسب دراسة نشرها موقع فورن بولسي الأمريكي الرصين في (23 نيسان/ ابريل 2020). إنه أثر غير مرئي للأزمة، حيث ضرب خلاف عملاقي الانتاج، المنتج الامريكي وهو الأكبر دولياً بشكل غير منظور.
الانطباع السائد في الغرب، هو أن تذبذب أسعار النفط، يضرُّ المستهلك دائماً، لكن ما حصل هذه المرة كان ضربة للمنتجين، السعودية وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، فالأزمة ضربت المنتجين لأول مرة وهذه كارثة من نوع غير مسبوق. فالعالم اليوم يواجه انهياراً في أسواق النفط المنتجة، إنّها تخمة نفطية غير قابلة للحل، بسبب فيروس كورونا والجائحة الدولية التي تسبب بها، ولعل السبب الأهم هو التنافس بين روسيا والسعودية الذي أعقب انهيار المفاوضات في شهر مارس 2020، حيث رفضت روسيا تحديد انتاجها المعروض للبيع، فأغرقت السعودية السوق الدولي بفائض كبير.
هذا التدني في الأسعار يشبه ما جرى في خمسينيات القرن العشرين، حيث لم تكن دول الخليج البترولية تعرف ما بيدها من ثروة، فصارت تستدين من الشركات الدولية لتسوّق نفطها! فكانت دائماً تعوم في قعر سلم المديونية، وينطبق هذا على إيران الشاه التي بلغت مديونيتها آنذاك أرقاماً خيالية.
في عصر التقنية الرقمية، والعمل من المنزل، انخفض سعر الوقود بطريقة أسطورية، ولا أحد يعلم في ظل الاحتباس الحراري المرافق لكل هذا كيف سيجري العمل، ولا حجم استهلاك الطاقة المتوقع في ظل المعادلات الجديدة. فيما نحن فيه، يقول خبراء النفط عبر العالم إن هذه هي بداية كارثة سوق النفط والقادم أسوء.
بون- ربيع 2020 – عام كورونا