27 ديسمبر، 2024 4:25 م

كوردستان و”قيصر” سوريا ؟

كوردستان و”قيصر” سوريا ؟

طالما شكل عدم امتلاك اقليم كوردستان منفذا له على البحر عقبة اثرت على تطلعات شعبه في الحرية والازدهار ، وعرضته لضغوطات اقتصادية وعسكرية وسياسية من دول الجوار ، وكذلك بالنسبة للادارة الذاتية في كوردستان سوريا فرغم محاولتها التغلب على هذه العقبة والوصول الى البحر شرقا ، الا ان التوغل التركي في عمق الاراضي الكوردستانية شمال سوريا قطعت الطريق امام تلك المحاولة وابقاها تحت نفس الضغوطات التي يتعرض لها اقليم كوردستان من الجوار . اذا كيف سيتمكن الكورد من تحقيق هدفهم في الوصول الى سواحل البحر المتوسط والتخلص من لعنة التاريخ والجغرافيا ، وهل ان التطورات الاخيرة وعزم امريكا فرض عقوبات على سوريا يمكن اعتباره بداية الوصول الى ذلك الهدف ؟
لا شك ان امريكا تشعر بالقلق ازاء وجود منافذ برية عديدة لايران مع العراق شرقا ، يقابلها منافذ حدودية اخرى بين العراق وسوريا ، ما يسهل التواصل بين ايران وسوريا ولبنان فيما يسمى ب ” محور المقاومة” ويحد الى حد كبير تاثير العقوبات الامريكية على ايران . لذلك فان غلق المنافذ الحدودية بين العراق وسورية واختزالها كلها بمنفذ واحد وهو المنفذ الحدودي بين اقليم كوردستان من الجهة العراقية ومناطق الادارة الذاتية في سوريا سيكون خيارا مناسبا للتوجهات الامريكية ، تضع حركة البضاعة والافراد في الدولتين تحت الفلتر الكوردستاني وبالتالي الفلتر الامريكي . وبذلك فان ربط الطريق التجاري بين ايران وسوريا من خلال اقليم كوردستان و كوردستان سوريا ( روزئافا) سيحقق الاهداف الامريكية من العقوبات بشكل اكثر كفاءة .
اهمية هذا المنفذ فيما يخص العقوبات على سوريا .
ان كان هذا الخيار صعبا في المراحل السابقة ، فان مرحلة ما بعد تطبيق العقوبات الامريكية على سوريا او ما يعرف بقانون قيصر سيجعل من الامر اكثر سهولة ، حيث ان العقوبات ستكون مؤثرة على الاقتصاد السوري المتهالك نتيجة سنوات الحرب التسعة . وتركز المحاولات الدولية الان على ايجاد طرق تخفف وطأءة تلك العقوبات على المواطن السوري من جهة ، وتستثني المناطق السورية خارج سيطرة النظام السوري منها من جهة اخرى . بناءا على ذلك فلا بد من ايجاد طريقة لتحقيق المهمتين ، وفي نفس الوقت عدم اعطاء النظام السوري المجال للانفلات من العقوبات . وهنا يبرز اهمية المنفذ( الكوردستاني – الكوردستاني) الذي تحدثنا عنه اعلاه ، فهو من جانب سيضمن فعالية العقوبات الاقتصادية على سوريا وفي نفس الوقت سيخفف من عبىء هذا الحصار على كاهل المواطن السوري ، ويستثني المناطق الغير خاضعة للنظام من تاثيرات هذا الحصار .
لكن بالمقابل ..ماذا سيجني اقليم كوردستان ومناطق الادارة الذاتية الكوردية سياسيا من ضمان امريكا تطبيق عقوباتها على الدولتين بشكل محكم من خلال هذا المنفذ ؟
عندما فرضت امريكا العقوبات الاقتصادية على ايران اقرت استثناءات عديدة لدول وشركات استمرت بالتعامل مع ايران ، ومن ضمنها استثناء تصدير ايران الطاقة الكهربائية الى العراق والذي لا يزال مستمرا لغاية اليوم ، لذلك يمكن استثناء بعض المنتوجات السورية من العقوبات عبر هذا المنفذ بالذات ، وجعله الرئة التي ستتنفس من خلالها سوريا ، مقابل اعطاء سوريا موافقتها على ان يمتد هذا الخط التجاري عبر اراضيه ليصل الى الموانيء السورية المطلة على البحر المتوسط .
رب سائل يسأل ماذا ستكون مواقف الفرقاء سواء سوريا او تركيا او حتى روسيا من هذه الخطوة ؟

اما بالنسبة لسوريا فهي لا تملك سوى الموافقة على هذه الخطوة استنادا لمبدا انقاذ ما يمكن انقاذه من الاقتصاد السوري ،اضافة الى ان شعرة معاوية لا زالت قائمة بينها وبين الطرفين الكورديين في العراق وسوريا . اضافة الى ان وجود هكذا خط تجاري لن يكون بمثابة تهديد للامن الوطني السوري طالما ان مناطق الادارة الذاتية قائمة بكل الاحوال نتيجة توازنات دولية واقليمية تفوق قوة القرار السوري الرافض لوجودها ، كذلك فان بدء تطبيق العقوبات الاقتصادية على سوريا يعني سلفا فشل محاولات الحليف الروسي لايقافها ، وعليه فان الرفض السوري لهذه الفكرة امر مستبعد .
اما الموقف التركي من هذا الخط فان وجود القوات الامريكية والروسية في مناطق الادارة الذاتية الكوردية كان باتفاقات مع الجانب التركي ، وقد شرعنت تلك الاتفاقيات بشكل او باخر وجود تلك الادارة ، وهو ما سيحول دون اي تهديد تركي اخر للتوغل اكثر ، اضف الى ذلك ان هذا الطريق سيمر في المناطق الكوردية التي اتفقت تركيا مع الجانبين الروسي والامريكي عليها ، ثم يعبر الى الاراضي السورية جنوب تلك المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية والمليشيات الموالية لها ، لذلك فمن الصعب على تركيا الاعتراض على هكذا قرار باعتباره قرارا سوريا داخليا .
اما الموقف الروسي وكما قلنا ، فان العقوبات اذا ما طبقت فانها تعني فشل روسيا في منعها ، لذلك فوجود منفذ لمساعدة الاقتصاد السوري سيكون امرا مقبولا للطرف الروسي خاصة وانها لا ترى في الكورد اعداءا لها بل وتحاول مد جسور العلاقات معهم .
ان تحسن العلاقات بين طرفي كوردستان ( في العراق وسوريا) في الفترة الاخيرة ، وتوصل الطرفان الى تفاهمات مشتركة بينهما يعتبر فرصة جيدة لبلورة هذه الفكرة وطرحها على الاطراف الدولية المعنية ، واذا ما تحقق هذا الهدف فهو كفيل بنقل الوضع الكوردي الى افق ارحب واكثر ازدهارا ، شرط وجود ارادة كوردية حقيقية في الجانبين لتغير الواقع الكوردي في المنطقة بشكل جذري .