اليوم وبعد أكثر من سنة ونصف من الحرب الضروس التي حققت فيها قوات البيشمركة انتصارات كبيرة على داعش التنظيم الديني الأكثر تطرفا وعنصرية ووحشية في تاريخ البشرية، تبدأ بعض الأطراف بخلط الأوراق لتنفيذ مخطط جديد ربما يأتي بعد فشل التنظيم الإرهابي من إسقاط تجربة الإقليم ليستكملوا تحقيق ذات الهدف تحت يافطة محاربة داعش، التي نجح فيها الرئيس بارزاني القائد العام لقوات البيشمركة في الحفاظ على وحدة هذه المؤسسة العسكرية وقدسيتها لدى الأهالي في كوردستان، فأبعدها تماما عن أي مناكفات سياسية أو خلافات، وكانت بحق محط تقدير عالي من الشعب في الداخل ومن الرأي العام العالمي وزعماء الدول الصديقة في المحيطين الإقليمي والدولي، حينما لم تتدخل في الأمور السياسية، واستمرت في أدائها العسكري المنضبط الذي نال إعجاب العالم، وما حققته من انجازات مهمة جدا أثارت اهتمام المراقبين والخبراء العسكريين، وخاصة في المحاور الأربعة التالية:
– محور كركوك:
لقد نجحت قوات البيشمركة في درء الخطر عن مدينة كركوك وآبارها النفطية، والتي كانت داعش والعنصريون يستهدفون إسقاطها، والسيطرة على منابع النفط فيها، بعد احتلالهم لأكبر مصافي النفط في بيجي، وفي هذا المحور تجلت وحدة المؤسسة العسكرية الكوردستانية حيث ضمت مختلف الانتماءات السياسية وحتى العرقية، إلا أنها عملت بعيدا عن تلك الانتماءات بمواطنة كوردستانية رفيعة المستوى.
– محور مخمور:
وقد كثفت داعش ومن والاها هجماتهم على هذه المنطقة، كونها استراتيجيا الأقرب إلى عاصمة الإقليم، وفعلا نجحوا في بداية الأمر بالسيطرة على مركز مدينة مخمور، إلا أن قوات البيشمركة استطاعت بعد فترة وجيزة تطهيرها ومعظم القرى في أطرافها، وأبعدت الخطر تماما عن العاصمة كما كانوا يخططون.
– محور زمار وسد الموصل:
حيث ركزت داعش هجماتها النوعية على المنطقتين للوصول إلى منفذ ربيعة وقطع أي اتصال بين منطقة وحوض زمار سنجار وبين كوردستان، ومن ثم السيطرة على اكبر سدود الطاقة المائية والكهربائية في الشرق الأوسط، وفعلا نجحت في تحقيق تلك الغاية التي أدت إلى سقوط قضاء سنجار برمته، بما في ذلك الحوض الممتد من زمار إلى سنجار.
وخلال فترة أشهر قليلة اكتسحت قوات البيشمركة بعمليات نوعية وبقيادة مباشرة من الرئيس مسعود بارزاني وكبار أركان قوات البيشمركة، كافة المناطق التي كانت تتمركز فيها داعش وخاصة سد الموصل الذي هددت داعش بتدميره لإغراق كافة مدن حوض دجلة، واستطاعت قوات البيشمركة بعد ذلك بتحرير زمار واسكي موصل وربيعة وتطهيرها تماما، والاندفاع إلى تحرير حوض زمار البالغ أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر مربع، وبذلك تم تحقيق تواصل بين جبل سنجار وكوردستان بعد تحرير كافة القرى الكبيرة ( المجمعات ) المتاخمة للحدود العراقية السورية من ربيعة وحى ناحية سنون.
– محور سنجار والطريق الدولي بين الموصل والرقة:
بعد تحرير حوض زمار سنجار وفتح الطريق إلى جبل سنجار، وضعت قيادة البيشمركة بالتعاون مع التحالف الدولي خطة محكمة لتحرير مركز مدينة سنجار وأطرافها بأقل الخسائر الممكنة، وتقدمت إليها من محاور رئيسية ثلاث، أطبقت فيها على العدو الذي أبيد بالكامل إلا من هرب، وتم تحريرها بوقت قياسي لم يتجاوز الثلاثين ساعة، قطعت فيه قوات البيشمركة العصب الرئيسي لتمويل داعش في الموصل، وهو الطريق الاستراتيجي الدولي الذي يربط الموصل بالرقة عبر سنجار، وبذلك أصيبت داعش بخسارة فادحة إن لم تكن مميتة لاحقا.
هذه الانتصارات مهدت الطريق وخاصة عملية تحرير سنجار التي حطمت أسطورة داعش، مهدت الطريق للقضاء نهائيا عليها، مما دفع حلف الشياطين إلى شن حملة شعواء من الكراهية والأحقاد ضد الكورد وكوردستان متمثلة بالتصريحات العدائية لرموز في كتلة القانون وتوابعها ممن يقلدون صدام حسين والبعثيين في سلوكهم العنصري البغيض، خاصة وان قوى عالمية تعزف على ذات الأوتار من قبيل إن داعش تصدر نفطها عبر أراضي كوردستان وان أقمارهم الصناعية الغبية قد صورت آلاف الشاحنات متكدسة في الطريق الدولي بين تركيا وكوردستان عبر زاخو، متناسية إن الإقليم يصدر نفطه من هناك عبر طريقين الأول باستخدام أنبوب نفط كوردستان الذي يصب في ميناء جيهان والثاني عبر أسطول من الناقلات التي تنقل النفط إلى المصافي التركية، بعد أن قطعت الحكومة العراقية حصة الإقليم من الموازنة السنوية للبلاد منذ 2014م وحتى يومنا هذا مع إيقاف مرتبات الموظفين والعسكر.
إن خلط الأوراق بهذا الشكل العدائي تزامنا مع إيقاف حركة الطيران المدني في الإقليم بحجة مرور صواريخ روسية تضرب مقرات المعارضة السورية، تؤدي إلى تعريض الإقليم ومصالحه العليا للخطر الكبير، بل و تعني إن مخططا اكبر في الطريق لقصف هذا الطريق وقطع أرزاق شعب كوردستان وفرض حصار عليه، تضامنا مع أولئك الذين خربوا البلاد وعرضوها للاحتلال من قبل منظمة داعش التي تقاتلها كوردستان على حدود تجاوزت الإلف ومائة كيلومتر وحققت انتصارات أبهرت العالم وجعلت من البيشمركة واربيل رمزا عالميا لمكافحة الإرهاب.
إن كوردستان على أبواب تحولات تاريخية مهمة مع انتهاء قرن من الزمان على اتفاقية سايكس بيكو، ويتوقع شعبها وقياداتها ومؤسساتها الدستورية، الكثير من العصي في عجلة تقدمها في مشروع نهضتها واستقلالها، ولذلك يقود البارزاني اليوم مشروعا نهضويا بالغ الدقة في جبهات مهمة وعديدة، سواء في الحرب مع داعش التي حطم أسطورتها أو في عملية الاستقلال الاقتصادي والوصول إلى مرحلة الاعتماد الكلي على النفس، إضافة إلى الجبهة الداخلية التي تتبلور فيها القوى الوطنية الخالصة، من القوى الفوضوية الفاسدة، التي تتناغم في سلوكياتها مع ذات المشروع الذي عاداه ويعاديه العنصريون والمتطرفون الدينيون، وبالتأكيد فان ما حققته قيادة الإقليم وسياستها الدبلوماسية، وما أرسته من قواعد متينة للعلاقات الدولية، والانتصارات الكبيرة المتحققة على الأرض، قادرة على تجاوز هذه الظروف والعبور إلى الضفة الأخرى بتوحيد الصف والتعالي على صغائر الأمور لتحقيق الأهداف السامية.