18 ديسمبر، 2024 9:19 م

كوردستان بين العصرنة وآليات التحرر الإقتصادي

كوردستان بين العصرنة وآليات التحرر الإقتصادي

بما أن النظام السياسي العالمي لايعترف ولا يتعامل إلا مع الدول (القومية) المستقلة ذات السيادة، بأعتبارها الفاعل الرئيسي في ذلك النظام، لذا نری إقليم كوردستان الفدرالي، كلاعب غير ممثل بدولة (Non-state actors)، يمارس سياسته الخارجية وتحرره الإقتصادي دون تطرف أو إثارة القوی الإقليمية والنظام الدولي وأقطابه.
فهو يعتمد علی سياسة خارجية نشطة وسابقة التأثير، سیاسة خارجية تنتهج دبلوماسية أكثر فعالية في المجال الاقتصادي والثقافي، وتمنح الأولوية للحوار في حل القضايا العالقة بینه و بين الحکومة الإتحادية والنزاعات الإقليمية.
تعتبر السياسة الخارجية مرآة لصحة الجسد، أي الذات السياسية أو السيادة، فهي تعبير جوهري عن فكرة الدور وترجمة النظرة للذات والآخر. نقصد هنا بالسيادة الشرط النظري لسيرورة تسلم شعب كوردستان مصائر حياته بنفسه و تصرفه بالكامل و كأنه يعيش في إطار شبه دولة ذات سيادة تخضع بالكامل للقوانين الدولية وميثاق الامم المتحدة، تعمل علی تكثيف جهود العصرنة في مجال الأمن والدفاع الكوردستاني للحفاظ علی مکتسبات شعبه الثمينة.
إقلیم كوردستان يسير علی طريق تبني “القوة الناعمة” في تعاملە مع القضايا المحلية والإقليمية والدولية، التي أصبحت من مسلمات القرن الـ21.
والقيادة السياسية الحکيمة في الإقليم تعلم بحکم تجاربه الغنیة بأن القوة العارية بعنفها و حروبها و أبطالها وكوارثها لم تعد تغري. فهم أفادوا من دروس الحروب، التي لم تنتج في السابق ولا في هذا الزمن المعولم سوی الدمار المتبادل.
هناك مشتركات عالمية لابد من أن تدخل في الثقافات البشرية رغم كل محاولات توحيد النظرة للعالم، مثل الحقوق الأولية للشعوب، والنواة الصلبة للحقوق الإنسانية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية. أما الإقرار بتصنيف الآخر المختلف في موقع القاصر فينتج بالضرورة العدوانية والعنف تجاه الأقوى.

نحن نری بأن الشراكة الحقيقية، في ظل عصر المعلومات الذي نعيشه، تعتمد الی جانب السياسات المتزنة للإقليم علی القوة المدنية و مواقف شعب كوردستان، لكي تستطيع أن تصمد و تحافظ علی متانتها.
والدبلوماسية هي بمثابة العمود الفقري للسياسة الخارجية والعمل بالجهود الدبلوماسية الفعالة لمعالجة التحديات والأزمات هو من الأمور التي تمهد الطريق أمام الاستقرار.
فيما يخص التحرر الإقتصادي (economic liberalism)، الذي يلعب دوراً كبيراً في معالجة التخلف الاقتصادي وتحقيق التقدم الاقتصادي، فهناك العديد من التحديات، منها أحادية الإنتاج (النفط) وتذبذب النمو الاقتصادي والعجز الداخلي والخارجي ووجود البطالة في صفوف الشباب وضعف الظروف المواتية لدفع النمو الإقتصادي الی الأمام و الإعتماد شبه الكامل علی تدخل حکومة الإقليم في النشاط الإقتصادي و بطء تخفيف اللوائح والقيود الحكومية على الاقتصاد لزيادة مشاركة الكيانات الخاصة و تلکؤ تقدم برامج الخصخصة ووجود مراکز قوی ( على نطاق أحزاب كاملة أو أجنحة من أحزاب)، تتحدی السلطة تارة وتعوق ترمیم النسيج المجتمعي أو الترکيز علی الأولويات الوطنية و إصدار القرار الحر في تفعیل الإقتصاد والتعامل مع محیط الإستثمار الخارجي.
إن للموقع الجغرافي الحبيس للإقليم في الشرق الأوسط مخاطره ووأضراره، لذا يجب علینا أن نسعی بجدية الی خلق أفکارنا الإقتصادية وهويتنا الإقتصادية المستقلة، لكي نستطيع أن ننتج مايلزم لحياتنا ونعالج مشکلاتنا الإقتصادية المعاصرة. فالاقتصاد قائم على استثمار الموارد المحدودة لإشباع الحاجات المتزايدة.
علینا ربط استقلاليتنا الاقتصادية بالفكر الديمقراطي و الإنساني المتسامح و المنفتح ، الذي يعترف بالآخر و يقبل الرأي المختلف ، لأن حرية و رفاهية الإنسان هي الهدف من الإستقلال و التقدم.
صحیح أن الإقلیم كنموذج فدرالي ناجح هو اليوم عامل إستقرار في المنطقة و سياسته تدعم وحدة العراق و تساهم في تثبیت الفدرالية، لکن علینا بناء عقود شراکة استراتیجیة مبنية علی أساس المنفعة المشتركة مع الولايات المتحدة بشکل خاص و دول الصناعية المتقدمة بشکل عام، لكي لا نبقی أسیراً في دائرة مصالح القوی العظمی، علینا كسر التعارضات الخانقة، لإتقان صناعة التنمية و هندسة العلاقات السياسية و الإستدامة الإقتصادية بشكل يٶمن حق تقرير مصير الشعوب بعد فتح خطوط للشراكة الإستراتيجية المٶدية الی الحرية و الإستنارة والعقلانية.
إن حماية الملکية الخاصة بحکم القانون و تحديد الأسعار وفقاً لقوى العرض والطلب وتوسيع خيارات الأفراد وعدم تقييد الإنتاج والاستهلاك والتجارة وحرية انتقال الأيدي العاملة ورؤوس الأموال والبضائع من وإلى السوق، تعزز الحرية الإقتصادية و تجعل بيئة كوردستان جذابة للمستمثر الداخلي والخارجي، لكي يستطيع أن يمارس نشاطه الاقتصادي بانسيابية عالية وضمانات كافية، فتنفيد برنامج الإصلاح لتحقيق التحرر الاقتصادي يؤدي بالنتيجة الی تحقيق التقدم والنمو الاقتصادي، ذلك العامل الأساسي الذي يحدد مستويات المعيشة.