قلت لمحدثي، وهو بالمناسبة زميل عمل ورفيق طريق يومي:”أنا لا أثق بأحزاب السلطة، لا في بغداد ولا في أربيل”، وأضفتُ بعد منلوج داخلي خاطف لا أدري كيف قفز الى ذهني:”أجد نفسي وكأنني قد تم توظيبي لأكون معارضاً، لم أحمل أبداً أي تعاطف مع الحكومات أو أحزاب السلطة”، قلت له ذلك تعليقا على سؤال عن جدوى مساعي التقارب بين الحزبين المهيمنين والمتنافسين على الشارع في السليمانية، ثانِ مدن الإقليم وواحدة من أجمل مدن العراق إن لم تكن أجملها على الإطلاق: الإتحاد الوطني الكوردستاني بزعامة جلال الطالباني وحركة التغيير التي يقودها نائب الطالباني السابق نوشيروان مصطفى، وفيما إذا كان الإتفاق ، لو حدث، سينعكس إيجابياً على الوضع العام وتحسين الوضع الإقتصادي في كوردستان العراق.أحزابنا عموماً لها أولويات. لا يستطيع أي منها أن يبرهن أن الصالح العام أو المصلحة الوطنية يأتيان على رأسها، وهي ، أي أحزابنا، في الواقع، تفتقر الى البعد المؤسساتي الذي يساهم في بناء وتعزيز الدولة الحديثة، ولا تمتلك المنهج التنظيري العميق الذي يساعد على قيادة حركة تنويرية لإنقاذ المجتمع من أمراض الجهل والتخلف والشح الحضاري الذي يأخذ بتلابيب الحاضر ويمنعه من النهوض والترقّي، ويهدد المستقبل بظلام دامس. وليست أحزابنا، في الواقع مرةً أخرى، سوى أدوات لترسيخ سلطة الزعيم أولاً وأخيراً، وهي من أجل ذلك تتقمص لبوس الدولة وتنقضّ على المؤسسات العامة مما يفتح ثغرات الفساد وجحور التآمر من كل حدب وصوب.لسنا بحاجة طبعا الى ضرب الأمثلة في الزعماء الذين يحولون الدولة الى حزب والحزب الى عشيرة والعشيرة الى عائلة والعائلة الى قائد والقائد الى مقدس، في سلسلة عفنة من المتواليات التي تنخرها الأنانية والجشع والإستغلال والإستحواذ على مقدرات البلد والكبرياء الفارغة والصولجان الأجوف.من هذا الباب، قبل أي إعتبار آخر، قلت لمحدثي، هذا الإتفاق الذي لا زال الطرفان يسميانه “مشروع الإتفاق” ، مناورة يعرف كِلا الطرفين أنه لن يحقق شيئاً مشتركاً وأن كلا منها يعرف أيضاً أن الطرف الآخر يريد إستغلال الوضع لتحقيق مصالح حزبية على حساب الآخر ولهذا فهما يتحركان في إطار غير معهود من المفاوضات الحزبية مصحوبة بماكنة إعلامية إستطاعت أن تقنع الناس أن الإتفاق قد حصل فعلاً، رغم أن إجتماع اليوم الأحد، 15 أيار، 2016، بين وفدي تفاوض الحزبين أشار الى أنهما بحثا بعض مواد وفقرات الإجتماع الذي يضم 25 مادة حسب موقع إخباري تابع للإتحاد الوطني الكوردستاني بينما أشار الموقع في الخبر نفسه أنهما صادقا السبت على مشروع الإتفاق. فكيف تصادق السبت ثم تبحث بعض الفقرات في اليوم التالي؟.عادة ، في أحزابنا، لا أحد يمتلك القرار سوى قائد الحزب وهو بالتالي يضطلع بهذه المهمة إذا كان الموضوع جدياً ومؤثراً ، أما عندما تتكفل بإدارة المفاوضات تشكيلات أو إدارت حزبية ، ليست في الغالب سوى ديكورات تجميلية (هنا من جانب حزب طالباني ما يسمونه “المجلس القيادي للإتحاد الوطني الكوردستاني، ومن جانب حركة التغيير الهيئة الوطنية للحركة)، فإن الموضوع لا يمكن بحال أن يرقى الى مستوى إتفاق حزبي حقيقي من الذي تنتظره الجماهير لرأب الصدع ولملمة المبعثر وتقديم حلول لصعوبات الحياة التي يرزح تحتها الأغلبية من الأهالي.الإتحاد الوطني الكوردستناني له إتفاقية إستراتيجية نافذة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي يقوده رئيس الإقليم ويتقاسم معه السلطة، والثاني في خصومة شديدة مع حركة التغيير بسبب أزمة رئاسة الإقليم، وصلت الى حد القطيعة ومنع بعض قيادات الحركة، منهم رئيس برلمان الإقليم، من دخول أربيل، في سابقة لا يمكن تصنيفها تحت أي باب معقول من الإجراءات القانونية والوطنية، إضافة الى طرد ممثليها من الحكومة وكأنهم عمال وقتيون يمكن تصريفهم من العمل حسب مقتضيات واقع حال.الإتحاد لم يناصر الحركة إلا بتصريحات أليفه تتجنب أي صدام مع حزب بارزاني، واستمر كما أسلفنا في الحكومة وحافظ على اتفاقه الإستراتيجي معه. بحساب المعادلات الرياضية فإن الإتحاد مساوِ للديمقراطي في النيل من الحركة، ثم أن الإتحاد لن يضحي بإتفاقه الإستراتيجي مع حزب بارزاني من أجل سواد عيون حركة التغيير التي انتزعت منه معقله الرئيس: السليمانية، أو كادت أن تفعل بعد أن تقدمت في الإنتخابات الأخيرة، لولا الثقل التاريخي والسياسي والعسكري والمالي الذي مكنه من الإستحواذ على منصب المحافظ لنصف المدة الأولى التي توشك على الإنتهاء نهاية العام الجاري، وربما كان المنصب أحد أسباب التوادد الذي تبديه حركة التغيير إزاء الإتحاد.مع عدم إعلان بنود الإتفاق الخمسة والعشرين كما قيل اليوم لا يمكن الحكم عليه بشكل نهائي، إلا أنه يفهم من الحملة الإعلامية المصاحبة للمفاوضات، على سبيل المثال، أن أحد الأهداف المشتركة للطرفين هو كسب الشارع في السليمانية وحلبجة ومناطق كرميان (متنازع عليها في الأغلب مع المركز)، إذا يبدو أن الطرفين يشعران بتراجع شعبيتهما إزاء هيمة حزب بارزاني على مقدارات الحكومة ومفاصل الإقليم ومصادر الدعم الدولي العسكري والمالي الذي يحصل عليه الإقليم لمواجهة تهديد داعش الإرهابي ويقع جلّه تحت أيدي البارزاني وحزبه. إضافةً الى التجربة الحكومية الفاشلة لحركة التغيير التي أكلت من رصيدها المتفجر أيام الإنشقاق والمعارضة، وكذلك أزمة القيادة التي عانى ويعاني منه الإتحاد بسبب الحالة الصحية لزعيمه التاريخي.قال محدثي المتعاطف بشدة مع حركة التغيير وزعيمه نوشيروان مصطفى:”يعني حال التغير مثل الذي قال: إتخذتك قريباً بسبب غربتي فلا آنست غربتي ولا أصبحت لي قريباً”