23 ديسمبر، 2024 7:45 ص

كوبلر يرى الطائفية بعين واحدة في العراق

كوبلر يرى الطائفية بعين واحدة في العراق

قبيل مغادرته الغير المأسوف عليها للعراق، حذر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى العراق مارتن كوبلر من خطر الطائفية على البلاد، معرباً عن قلقه من تفاقم الحساسيات الطائفية وتأثير هذه المشكلة في ارتفاع معدلات العنف وتدهور أوضاع البلاد بشكل عام.

وقال كوبلر في مقر اقامته في المنطقة الخضراء وسط بغداد: “انا قلق جداً بعد نهاية العامين التي قضيتهما هنا، بسبب تصاعد الطائفية وزيادة العنف”، مضيفا أن “الصراع بين السنة والشيعة … يشل كل شيء في البلد” وأنه حتى “الحوار لا يجري بطريقة منتظمة”.

إن تركيز كوبلر على تفاقم المشكلة الطائفية في العراق قد لفت إلى ظاهرة هي من أوضح الواضحات في ظل تصاعد الاحتقان الطائفي والمذهبي في عموم منطقة الشرق الأوسط مع استمرار زحف الربيع، ولعل الأدق هو أن نقول الخريف، العربي. فلقد وفر الاحتقان والتوتر المذهبي وتصاعد المد الإسلامي السلفي في بلدان الثورات العربية وما جاورها، بكل ما تختزنه من أحقاد وضغائن في حق كل من يختلف معه هذا المد الظلامي فكريا ومذهبيا، مناخات مناسبة لرفع وتيرة الاحتقان المذهبي لتنفيذ مخططات هذه القوى الظلامية ومن يقف خلفها من أنظمة وحكومات جائرة والرامية إلى ضرب التعايش بين أبناء المذاهب والأديان والطوائف المختلفة في بلادنا العربية.

مشكلة كوبلر، وما أكثر مشاكله حينما يتعلق الأمر بأدائه لمهمات عمله في العراق، هي أنه بتصريحه هذا لا يرى الطائفية إلا بعين واحدة في العراق. فنظرته العوارء كليلة عن رؤية مظاهر من الطائفية السوداء والمقيتة هي أقرب إليه من الطائفية القابعة خارج أسوار مقره في بغداد. فبعثته الأممية التي تربع على سدة رئاستها على مدى سنتين تعج بالطائفيين والعنصريين وأيتام النظام السابق ومن يضمرون العداء والحقد والضغينة لأتباع أهل البيت (ع) في العراق. وهذا واضح من تبعية قسم لا بأس به من العاملين في البعثة لبلدان عرف عنها ميلها إلى النظام البائد، وتحديدا من الفلسطينيين والأردنيين، وخصوصا بعض من ارتبط بالنظام البعثي السابق بصلات ومصالح، والذين كانوا يحتلون مكانة مميزة في مكتبه وجهاز مستشاريه.

ولعل الأسوأ من عدم رؤية كوبلر للمشكل الطائفي في يونامي، هو أنه ضرب عرض الجدار بكل التحذيرات التي أطلقها كثير من المراقبين لعمل البعثة الدولية، ومن بينهم كاتب هذه السطور في عدد من المقالات، حول الأضرار التي يلحقها مستشاروه الطائفيين والبعثيين بسمعة البعثة وعملها وعلاقاتها مع شرائح واسعة، إن لم تكن هي الأوسع بين العراقيين. وهكذا، لم يُعرف عن كوبلر أنه اتخذ أي إجراء لمعالجة انعدام التوازن الطائفي في جهاز موظفي ومستشاري البعثة السياسيين، بحيث استمر الوضع على حاله في البعثة من تحكم شلة الطائفيين بنظرتهم الطائفية الضيقة في مسار البعثة ومواقفها وسياساتها.

لا بل إنه انبرى إلى تكليف شخص ممن ارتبط بالنظام السابق بعلاقات، وهو كبير مستشاريه السياسيين الفلسطيني مروان علي، الذي انهى تعليمه الجامعي في جامعة الموصل بمنحة من النظام السابق، بالاتصال بمنظمي المظاهرات التي اندلعت منذ أواخر العام الماضي عقب إلقاء القبض على مجموعة من حراس وزير المالية السابق رافع العيساوي بغية التفاوض معهم. ولكن مشيئة الباري عز وجل شاءت أن ترد كيد هؤلاء المشبوهين في نحورهم، فبعدما حاول مروان المشبوه هذا من خلال تدخله بوساطة لم تجري استشارة الحكومة العراقية بها أن يحقق أهداف المتظاهرين ومن يقف خلفهم من قوى مرتبطة بحزب البعث المنحل وبعض الجماعات الإرهابية مثل جيش رجال الطريقة النقشبندية، وحتى بالقاعدة، فقد دب الخلاف بينه وبين حلفائه بالأمس إلى درجة أن المتظاهرين رفضوا في مناسبات عديدة بعد ذلك لقاء كوبلر، واليوم تهلل مواقع البعثيين على الإنترنت لقيام الأمين العام للأمم المتحدة بنقل ممثله كوبلر من العراق إلى الكونغو.

لا شك أن مشكلة تحكم الأهواء الطائفية والنزعات البعثية في عمل يونامي كانت وما زالت مشكلة مزمنة اعترضت سبيل عمل البعثة الدولية لسنين عديدة. المشكلة الأدهى والأمر هي أنه لا كوبلر ولا أسلافه ممن ترأسوا عمل البعثة قد عمل على معالجة هذا الأمر بصورة جذرية. ما نأمله هو أن يضع خلفه هذا الهدف نصب عينيه حال توليه مهام منصبه.