23 ديسمبر، 2024 3:10 م

كوباني.. فضيحة المشروع التركي في أجتياح سوريا

كوباني.. فضيحة المشروع التركي في أجتياح سوريا

مر أسبوع على تخويل البرلمان التركي الرئيس رجب طيب اردوغان باجتياح الاراضي السورية والدخول مباشرة في الحرب الدائرة هناك بين تنظيم ما يعرف بـ”الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) من جهة والتحالف الغربي ـ العربي من جهة أخرى، وبين نظام الرئيس الأسد في سوريا والمعارضة المدعومة من الغرب والرجعية العربية.. فلماذا تتردد تركيا من التدخل؟ ولماذا تمنع تدخل اكراد تركيا من التدخل دفاعاً عن كوباني (عين العرب) وفي الوقت نفسه لاتريد ان تسقط المدينة الملاصقة لحدودها بيد قوات “داعش”؟
هل ستنجح تركيا في اللعب على عامل الزمن وتحقق ما تريده من منطقة عازلة بعمق 20 كيلومترا داخل الاراضي السورية؟ وما هو تاثير ذلك على مسيرة السلام مع حزب العمال الكردستاني (PKK) والمعارضة السورية وعلاقاتها الاقليمية؟

ان تركيا ترى في المنطقة العازلة التي تعتبرها مقدمة لاسقاط حكم الرئيس بشار الأسد خلاصاً من ورطتها ومحنتها التي انتهت اليها سياسة المغامرة التي تبعها اردوغان، لذلك تحاول بشتى الطرق المحافظة على قوة “داعش” من جهة وقوة القوى المناوئة له من جهة اخرى، حتى يصل التحالف الى نتيجة مفادها: لزوم التدخل البري ضد “داعش” في المرحلة الاولى، ونظام الرئيس الأسد في المرحلة الثانية.. وبالتالي سيتحجم دور الاكراد في سوريا ولن يشكلوا عمقاً لوجستياً لاكراد تركيا، بالضبط كما عزلت اكراد العراق عن اكراد تركيا من خلال بعض القيادات التركية العراقية وفي مقدمتها السيد مسعود بارزاني.

وكوباني الملاصقة للحدود التركية، تتألف بغالبيتها من اكراد تركيا الذين نزحوا الى الاراضي السورية مع قيام الجمهورية “الاتاتوركية” في تركيا عام 1923، وبالتالي تتمتع بعلاقات واسعة وعمیقة مع اكراد تركیا وفعالیاتهم السیاسیة وفي مقدمتها حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله اوجلان.. ومن هنا نجد اهتمام اكراد تركیا بوضع المدینة ودفاعهم عنها، حتی لو انتهی الأمر الی الصدام مع الحكومة ووقوع ضحايا وانهاء عملیة السلام مع الحكومة التركیة والقضاء علی أملهم باخراج اوجلان من سجنه الذي امتد الی 15 سنة.

في المقابل تحاول تركیا أن لا یكون هناك منتصر في معارك عين العرب (كوباني) وبالطبع معها التحالف الغربي بدرجة أقل.. فتركیا ترید أن تكون كوباني مقتلة لـ”داعش” و”الاكراد” علی حدّ سواء.. وهو ما عبر عنه تصریح اردوغان الذي قال فیه: حزب العمال الكردستاني لیس بأفضل من تنظیم الدولة الاسلامیة!

بالعكس بالنسبة لاردوغان یعتبر حزب العمال الكردستاني وأكراد سوریا القریبین من حكومة الرئیس الأسد، أشد خطراً علیه وعلى مشروعه ومشروع حلفائه من “داعش” التي یحتفظ بعلاقات طیبة مع أطراف قریبة منها او ملاصقة لها، وعلی مستوی دول وتنظیمات وشخصیات، وهو ما عكسته صفقة الدبلوماسيين الاتراك مؤخراً مقابل 180 داعشياً حسب معظم التقارير.

بالعكس یری اردوغان أن هزيمة “داعش” سیشكل ضربة لمشروعه في اسقاط النظام بسوریا، لأن “داعش” وحلیفتها “النصرة” هما العمود الفقري للمعارضة السوریة المسلحة التي تقف تركیا والرجعیة العربیة والغرب خلفها… وعلی هذا یكون القضاء علی “داعش” و”النصرة” مع الفشل المتكرر في خلق قوات وكتائب علمانية للمعارضة بسبب طبيعة الصراعات التي خلقها التحالف الغربي مع الرجعية العربية، نهایة المعارضة السوریة المسلحة وحلم تركیا وحلفاءها بسقوط نظام الرئیس الاسد.

أما المنطقة العازلة التي تریدها تركيا داخل الاراضي السوریة وعلی امتداد 822 كم وهي أطول حدود لسوریا مع جیرانها، كشرط لانظمامها وتحركها ضمن قوات التحالف الدولي ضد “داعش”.. فتهدف تركیا من وراءها الی:
1. الخلاص من تبعات تبنیها للمعارضة السوریة المسلحة واللاجئین الذین فاق عددهم الملیون لاجئ حسب الحكومة التركیة وهم یشكلون تحدیاً اقتصادیاً وأمنیاً لها.
2. اجهاض المشروع الكردي بأقامة اقلیم حكم ذاتي او فيدرالي علی غرار ما للاكراد في العراق، لأن الاقليم او منطقة الحكم الذاتي سیشكل عمقاً استراتیجیاًلاكراد تركیا وحزب العمال الكردستاني الذي لا تزال أنقرة تعتبره تنظیماً ارهابیاً.
3. استقطاب الدعم الأقلیمي والعالمي من الاطراف المناوئة لحكومة الرئیس الأسد مما یرید علیها ربحاً اقتصادیاً وسیاسیاً.
4. دعم موقف حلفاءها في القیادات الكردیة العراقیة التي تتعارض مواقفها مع مقف اكراد سوریا وحزب العمال الكردستاني.. وبالتالي خلق موقف كردي اقلیمي ینسجم مع رؤاها وتصوراتها.
5. السیطرة او علی الاقل الاقتراب من مصادر النفط في شرق سوریا ومن حلب التي تعتبر العاصمة الاقتصادیة لهذا البلد وعلی مصادر وذخائر المیاه.
6. رفع اي تهدید محتمل من قبل الجیش السوري من خلال منطقة حظر للطیران والتي تعتبر من مستلزمات اقامة منطقة عازلة.. أضافة الی تعهد حلف الناتو بالدفاع عن الاراضي التركیة مقابل اي تهدید صاروخي.
7. تسهیل عملیات التجنید للمعارضة والتدریب من خلال مخیمات اللاجئین ومعسكرات التدریب.
8. مواجهة النفوذ الروسي والقضاء عليه بواسطة تمدد الناتو داخل الاراضي السورية واقامة قواعد عسكرية عليها.
9. تخفيف الجهد الأمني على الكيان الصهيوني من خلال نقل جهد كبير للجيش العربي السوري نحو المناطق الشمالية، مما يضعف موقف المقاومة اللبنانية والفلسطينية.

لكن هذا المشروع التركي صعب التطبیق بسبب التناقضات التي یحملها في داخله وعدم اجماع الاطراف المشاركة في التحالف الدولي علیه، ففي حین تدعو فرنسا الی منطقة عازلة، لاتزال لندن وواشنطن مترددتان تجاهه، وفي حال تورط انقرة فيه، سيتحول الى وبال عليها ومستنقع قد تكون فيه نهاية اردوغان السياسية ولربما الاسلاميين في تركيا.. هذا فضلاً عن ان الدول المعارضة للسياسة التركية فيما يتعلق بالوضع السوري لن تقف مكتوفة الأیدي ازاء ذلك، وهو ما یفسر تردد أنقرة في مغامرتها باجتیاح الاراضي السوریة.