كواليس الحرب التي يخوضها (قادة) الأحزاب الولائية ليس في ميادين القتال!؟ لكن على مواقع التواصل؟

كواليس الحرب التي يخوضها (قادة) الأحزاب الولائية ليس في ميادين القتال!؟ لكن على مواقع التواصل؟

في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها العراق، وبينما تشتعل المنطقة بحرب شرسة ومستمرة تهدد بإغراق المنطقة باكملها في لجة الدمار والخراب، نستذكر شهداء وجرحى انتفاضة تشرين الأبطال، أولئك الشباب الذين خرجوا عزّلاً يحملون أحلام وطنٍ حرٍ كريم، فواجهتهم أيدي الغدر من أبناء جلدتهم. (قادة) الفصائل والأحزاب الولائية المسلحة، وبأوامر خارجية، أطلقوا الرصاص الحي على صدور المنتفضين، اغتالوا أصواتهم قبل أجسادهم الطاهرة، ممزقين معها النسيج الاجتماعي العراقي. كل ذلك كان حفاظاً على نظام المحاصصة الطائفية البغيض، ذلك النظام الذي يضمن بقاءهم في السلطة واستمرار نهبهم لخيرات الشعب الفقير.

ولليوم الثامن على التوالي، تستمر الحرب في المنطقة العربية كالنار التي تلتهم كل شيء في طريقها، مهددة بانفجار كارثي قد يعم تبعاته المنطقة بأسرها. التصعيد الأخير، الذي تجلى في التهديدات العلنية والصريحة من الرئيس الأمريكي “ترامب”، ورئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو”، ووزير دفاعه إسرائيل “كاتس”، باغتيال الزعيم الديني للنظام الإيراني، “الخامنئي”، ينذر بتحول خطير في ديناميكيات الصراع. هذه التهديدات، التي وصفت “خامنئي” بـ”الرجل الذي لا يمكن أن يستمر وجوده”، حسب تصريح وزير الدفاع “كاتس”، لم يكن هذيان مريض مصاب بحمى , وليست مجرد عبارات وكلمات عابرة، بل إشارة واضحة إلى احتمال جر العراق رغماً عنه إلى حرب إقليمية شاملة، مع مخاطر تفجر ردود فعل عنيفة من المجتمعات الشيعية في دول الخليج العربي، التي قد تلجأ إلى عمليات استشهادية تستهدف المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.

ترامب، الذي يواصل إطلاق تغريداته المثيرة للجدل على منصة “إكس” و ” تروث سوشل”، يمارس حربًا نفسية محكمة، صيغت بعناية لتكون غامضة ومفتوحة للتأويل. هذه التغريدات، التي تجمع بين التهديد والوعيد، مثل قوله إن “إيران ستواجه عواقب وخيمة” أو أن “القرار لم يُتخذ بعد”، تعكس تحولاً واضحاً في نهجه من عقلية رجل الأعمال المعني بالربح والخسارة إلى قائد عسكري يُعدّ للحرب لا تذر ولا تبقى . لكن هذا التحول لم يكن وليد لحظة، بل هو نتاج استشارات مكثفة مع خبراء استراتيجيين في الأمن القومي، صيغت من خلالهم هذه الرسائل لتهيئة الرأي العام الأمريكي واحتمال التدخل العسكري، رغم المعارضة المتزايدة من أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ، وحتى من شرائح واسعة من الشعب الأمريكي الذين يتمسكون بشعار ترامب الانتخابي “نجعل أمريكا أولاً”، والذي وعد فيه بإنهاء الحروب في أوكرانيا وغزة، وليس إشعال حروب جديدة.

هؤلاء (القادة) قبل دقائق وليس ساعات من يوم فجر الجمعة 13 حزيران كانوا يصولون ويجولون في الإعلام الحزبي المتلفز ، يطلقون تصريحاتهم النارية لكل من تسول نفسه من الدول الغربية على المساس أو حتى التفكير بالسوء تجاه (إيران) وتصريحاتهم العنترية التي كانت تهزّ الأرض وتُرعب القلوب. (قادة) الفصائل الولائية، أولئك الذين طالما صدّعوا رؤوسنا بشعارات “المقاومة” و”نصرة المستضعفين”، كانوا يتقنون فن الخطابة الجوفاء، يرسمون أنفسهم كأبطال أسطوريين يتحدون “الاستكبار العالمي” ويعدون بتحطيم أعداء الأمة الاسلامية . لكن، حين دقت ساعة الحقيقة، وحين أصبحت المواجهة مستعرة، أين هم اليوم؟ اختفوا ؟ لا ترى لهم أي أثر , بل قل , تلاشوا في غياهب الارض ، تاركين شعاراتهم تتردد صداها في الفراغ، وتتلاشى كالدخان في مهب الريح.

هؤلاء (القادة) رأيناهم كثيرآ ؟ وسمعنا عنهم ؟ ونقلت احداث (معاركهم) الشرسة شاشات التلفزة بصورة مباشرة ومن ارض الميدان, كانوا أسودًا على المتظاهرين من الشعب العراقي الفقير، يرهبون الناس بسلطتهم وسلاحهم، يفرضون الخوف والرعب على أبناء جلدتهم. كانوا يتحدثون عن “الجهاد” و”الشهادة” وكأنهم يملكون مفاتيح الجنة، بينما هم الآن يختبئون في مكاتبهم المكيّفة، يديرون معاركهم الافتراضية عبر “تويتر” و”تليغرام”. لكنهم، حين أتت ساعة الجد، وحين أعلن الأمريكيون والإسرائيليون أن “كل الاحتمالات واردة”، تبخرت شجاعتهم الافتراضية. أين هي تلك الوعود بـ”مشاريع استشهادية” ضد العدوان؟ أين هي تلك الخطابات التي كانت تُزلزل الأرض؟ لقد تبين أنها مجرد كلمات فارغة، لا تقوى على مواجهة رصاصة واحدة في ميدان الواقع.
إيران، التي كانوا يزعمون أنها “حامية بيضة الإسلام الشيعي”، باتت اليوم في موقف لا تُحسد عليه. حتى مرشدهم الأعلى، الذي طالما رفعوه إلى مصاف الأنبياء والقديسين ويزاحم حتى ال البيت (ع) في مكانتهم ، يقال إنه مختبئ، يترقب مصيره في خوف . وهم، أتباعه المخلصون في العراق، لم يكونوا أفضل حالًا. الان ، يختبئون في بيوت متواضعة بين ازقة النجف القدمية ، أو ربما في أكواخ من الطين المنتشرة في مناطق العشوائيات حول العاصمة وفي معظم المحافظات ، مختبئين وبعيدًا عن الأنظار، ولكن يا للمفارقة المضحكة !؟, فهم يختبئون بين بيون العوائل الفقيرة المتعففة والذين كانوا بالأمس يطلقون عليهم الرصاص الحي وتلاحق ابنائهم كواتم الصوت الغادرة وخوفًا من استهداف قد يطالهم من قبل الشيطان الاكبر او الاصغر . أين شجاعتهم التي كانوا يتبجحون بها؟ أين خطاباتهم التي كانت تُرعب الشعب العراقي قبل أن تُرعب أعداءهم؟
لقد كشفت هذه الاحداث اليوم زيف هؤلاء (القادة)، الذين بنوا أمجادهم على ظهر شعب مظلوم، مستغلين فقره وضعفه ومرضه . كانوا يتحدثون عن (النصر الإلهي)، لكنهم لم يدركوا أن هذا (النصر) لا يُصنع بالتغريدات ولا بالتصريحات الصبيانية الصاخبة ولا خلف شاشات الكمبيوتر والمايكرفون . اليس النصر يُصنع في الميدان، بالشجاعة الحقيقية، لا بالاختباء خلف لوحة مفاتيح أو في ملجأ آمن. واليوم، بينما يواجه العراق وإيران تحديات مصيرية، نرى هؤلاء “الأبطال” وقد تخلوا عن كل ما كانوا يدّعونه، تاركين شعوبهم تواجه مصيرها وحيدة.

كان سلاحكم المنفلت يُشهر في وجوه أبناء شعبكم، يُوجه إلى صدور ثوار تشرين، الشهداء منهم والأحرار، بينما كنتم تزعمون أنكم تحاربون “العدو الصهيوني” و”الاستكبار العالمي”. لكن الحقيقة انكشفت اليوم، ولم يعد غربالكم الطائفي قادرًا على حجبها. لقد كنتم أسودًا على الفقراء، تبتزون الدولة وينهبون خيراتها، بينما تختبئون الآن، تاركين شعبكم يواجه مصيره وحيدًا. الشعب العراقي، الذي طالما ظلمتموه، لن ينسى. سينتفض ليسترد حقه، ليعيد كرامته التي سلبتموها، وليُحاسبكم على كل قطرة دم أُريقت ظلمًا، وعلى كل دينار نُهب من خزينته.

إن هذا المشهد المؤلم يكشف حقيقة مرّة: أن هؤلاء (القادة) لم يكونوا يومًا سوى أبطال من ورق، يتقنون اللعب على وتر العواطف واستغلال الدين والطائفية لخدمة مصالحهم ومصالح أسيادهم. واليوم، حين جاء وقت الحساب، لم يجدوا سوى الاختباء والفرار. لكن التاريخ لا يرحم، والشعب العراقي، الذي طالما عانى من ظلمهم وجبروتهم، لن ينسى. ستبقى تصريحاتهم وتغريداتهم شاهدة على نفاقهم، وستبقى جحورهم الجديدة دليلًا على جبنهم. أما النصر الحقيقي، فهو للشعب الذي صمد رغم كل شيء، وليس لمن باعوا الشعارات وهربوا عند أول اختبار.
رأيناهم الآن كيف اختفوا من ساحة المواجهة، كالأشباح التي تتلاشى مع أول شعاع لفجر ضوء شمس حزيران . هربوا مذعورين إلى خارج العراق، تاركين وراءهم قصورهم الفارهة ومزارعهم المنهوبة، تلك التي جمعوها بقوة السلاح والابتزاز من خزينة الشعب الفقير. لقد تحولوا من أمراء الحرب إلى لاجئين يختبئون في بيوت متواضعة، تلك التي يعيش فيها فقراء العراق، أو حتى في أكواخ الطين والقصب والبردي في الأهوار، ظنًا منهم أنها الملاذ الآمن. لكن أين الأمان الذي تبحثون عنه؟ لا أمان لكم بعد أن عثتم في الأرض فسادًا، وسرقتم كرامة شعبكم وعزته وكبريائه. إن الأهوار لن تحميكم، ولا بيوت القصب والطين تقيكم من غضب شعب سئم ظلمكم. التاريخ يسجل، والشعب يراقب، ويوم الحساب قادم لا محالة. فلا أمان لمن خان شعبه، ولا مفر لمن بنى أمجاده على دماء الأبرياء.

[email protected]