معدل هطول الأمطار فاق التوقع هذا العام والحكومة عاجزة عن عمل ما يستوجب العمل عليه من اجل انقاذ الامة من غضب الخريف . لقلة الامكانات وسوء التخطيط في المراحل السابقة لاستيعاب كميات اضافية للمياه.
ولكن الإشكالية الحقيقية، تكمن في إنكار الحقائق الدامغة للتعنت والمكابرة، او رفضها جملة وتفصيلا او خلق مبررات واهية حيال العجز في التعامل معها او التحكم في آثارها وتداعياتها! انا لا احمل الحكومة الحالية فقط انما كل الحكومات التي تعاقبت وسبقت هذه الحكومة ولانزكي الحالية في التقصير . للعجز البنيوي والتاريخي في التعامل مع الخدمات الاساسية للمواطن الذي يعاني منها بشدة .
إن الكوارث والأخطار الطبييعة من الأشياء التي لا تُستبعد في هذه الحياة. ولكن الفارق بين مجتمع وآخر او حكومة وأخرى، في طريقة التعامل مع هذه الحوادث. ناهيك عن أن زيادة معدل الأمطار او إنخفاضها، قد تكون من أقل الكوارث خطورة او سهولة في معالجة آثارها، او قد تحتاج لأقل جهد وأداء أكثر فاعلية في التعامل معها! بحكم موسميتها ومعرفة إتجاهات عملها وتأثيرها.
اما في العراق هناك تلكوء واضح بل تسيب وعدم الاهتمام بالمسؤولية الملقاة على عاتق ارباب الرجوع ووضع المصلحة الخاصة على العامة لمعالجة الامور والانكى من ذلك كله عدم الإعتراف بالفشل والتقصير، لعدم وجود الخوف من المحاسبة بسبب المحاصصة و ما يندرج في باب الأمنيات الحزبية والفئوية .
وليس بغريب ان العجز في التعامل مع الأمطار الأخيرة و آثارها، هو جزء من العجز العام الذي يطال الحكومة الحالية المهزوزة وهو عجز يدخل في تكوين الحكومة الهيكلي وفي عقيدتها او مفهومها للسلطة والمسؤولية، والصراعات في إدارة الدولة والمجتمع! وبتعبير أكثر وضوح !الحكومة تسعي وراء غاية واحدة وهي الحكم! وعجز وفقدان القدرة على التطور او المعالجة الذاتية! وبهذه تصبح خدمة المجتمع او معالجة قضاياه وكوارثه او إحترام خياراته، لا يؤثر كثيرا القيام بها او عدم القيام بها! لا في شرعية الحكومة ولا في مدى نجاحها او معيار قبولها.
بشكل واقعي ودون لبس وغير مبهم ان الخلافات الحادة بين امانة العاصمة ومجلس محافظة بغداد خلال السنوات السابقة كنموذج هي التي خلقت مثل هذه الكارثة على الاقل في العاصمة كمثال محرز وتتحمل الجهات السياسية فيها كل المسؤولية لما حدث ويحدث في الوقت الحالي. بسبب الخلافات الحزبية التي بنيت عليها هذه المؤسسات فكان على المواطن ان يدفع ثمنها .
وفي ظل هذه المعاييرمن الصعوبة إن لم يكن من الإستحالة بمكان، الانجاز والإعتراف بالأخطاء و الفشل او التقصير ايضاً.
لاشك بأن بغداد قد تضخمت بشكل سريع وغير مسبوق، وتحولت كل أراضيها الي أماكن سكن، وبغض النظر عن صلاحيتها من عدمه، إي إذا كانت إراضٍ زراعية ذات مردود إقتصادي اوغير ذلك ، او كانت مجارٍ للأنهار والأمطار والسيول، او كانت متنفس يتلاءم وراحة السكان وقضاء حوائجهم المتعددة! او غيرها من الأماكن غير الصالحة للسكن الآدمي او تقديم الخدمات!! وإضافة الى الكثافة السكانية فقد ساعد على هذا الوضع المزري المتفاقم، تجاوز القوانين وفساد المسؤولين! بل أصبح التلاعب بالقوانين هو أحد آليات الثراء السريع، في دولة النهب والسلب! ووضع القوانين من أجل التجاوز والثراء المشبوه لمصلحة المصممين والمنفذين لها .ومشروع قناة الجيش الغير منجز والارباح الخيالية التي جنتها الشركة المنفذة والتي بلغت فقط الخسائر التي حصلت عليها 7 ملياردات وربع المليار دينار عراقي .بعد الفيضان السابق عام 2013 مع تلكوء الشركة اصلاً في الانجاز. وقس على ذلك من الاموال المنهوبة بسبب الفساد في العقود وتواطؤ الادارة المتعاقدة معها .
أن كثافة الوجود البشري في بغداد هو وجود مُصطنع، سببه الفشل في تطوير الأطراف وتحسين خدمات العيش في المحافظات الاخرى . وهذا بدوره ينفي عنهم الألفاظ والمسميات العنصرية، انما للسلوك والممارسات والإيحاءات التهميشية الإستعلائية للحكومة المركزية لانصرفها عن تبني قيم ومبادئ إنسانية، أكثر تشريفاً وإحتراماً للذات وللآخر، وأكثر إقتراباً من قيم ومضامين، للحداثة الحقيقية خصوصا في منابعها الأصلية!
ان مواجهة الأزمات في بذل أقصى قدر من الجهد، للتقليل من آثارها. سواء بالمساعدات الشخصية والتتنظيمية او بتوظيف العلاقات المهنية والفردية، في تصويب أنظار وأهتمامات الجمعيات والمنظمات الإقليمية والدولية، للتوجه او بذل الكثير من الإهتمام، تجاه المتضررين وتعويضهم جزء من خسائرهم. وكذلك المساعدة في بناء مؤسسات إستباقية مهمتها التنبيه ومواجهة مثل هذه النكبات والإستعداد المسبق لها، والكليات والجامعات ذات الصلة في إبتكار تصاميم تتميز بالبساطة وتراعي ظروف تطور مجتمعهم وأحوال بيئتهم ، والتدريب على التعامل معها والتعايش مع آثارها وطريقة معالجتها. وقبل ذلك، وضع الإحتياطات الإحترازية، بالإبتعاد عن أماكن او مظان الخطر وإغلاق الأبواب التي تهب منها ريح الكوارث. مثل اعادة بناء مجاري الأمطار واستيعابها للسيول والفيضانات. أن تحول الكوارث والمحن، مثل كارثة الفيضانات الأخيرة، التي ما زالت تتواصل فصولها! الى فرص لإعادة النظر والتفكير في الواقع غير بعيدة، والتصويب للأخطاء، من أجل تلافيها في المستقبل! والأهم أنها تتيح فرصة أعظم للتضامن بين مكونات الوطن السياسية والإجتماعية والتنظيمية، كدافع أساسي يساعد علي خروج البلد من دوائر الفشل والعجز ، عبر تنشيط وتفعيل أجهزة الرقابة الادارية والمالية وتعزيز مقدرات الوطن حيث والتدفع بها الى مرافئ التطور، و تمنح الحياة ذاتها جرعة حيوية من التجريب الناضج وقبول التحدي.