تصلح لغة الأرقام لحساب الأرباح والخسائر الاقتصادية، وليس الكوارث التي تصيب البشر؛ فحياة إنسان واحد لا تدانيها الخسائر المادية مهما بلغت. لكن من هول ما يحدث لعالمنا العربي، فإنه لا مفر من معاينة الواقع الكارثي بلغة الأرقام، لأننا اليوم بتنا نسجل أرقاما قياسية لم تسبقنا إليها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية.
ومن المفارقات المبكية في حالتنا، ذاك الجدل المحتدم بين الخبراء حول تقدير الخسائر البشرية، سواء في سورية أو ليبيا أو اليمن.
أمس، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان إحصائية جديدة لضحايا الحرب في سورية، فقدر عدد القتلى بنحو 320 ألف إنسان، بين مدني وعسكري؛ سوري وأجنبي، خلال ست سنوات من الصراع المفتوح.
قبل ذلك، كانت الإحصاءات تشير إلى ضعف هذا الرقم، من دون أن يملك أحد القدرة على تقديم رقم قاطع، كما هي الحال في كل الصراعات.
ولا ننسى أيضا أضعاف ذلك من المعاقين والمصابين والمفقودين. هؤلاء ليسوا مجرد خانات رقمية، بل بشر من دم ولحم، رحلوا تاركين خلفهم طموحات وآمالا بحياة مثل سائر الناس.
اليمن تحول هو الآخر إلى نموذج على المجاعة عَزّ نظيره في أفقر دول العالم. ثلث اليمنيين اليوم، وبما يعادل ثمانية ملايين إنسان، يواجهون شبح المجاعة، ولا يجدون قوت يومهم.
يعاني اليمن من فشل سياسي مزمن وسابق على سنوات الثورة؛ فمن وحدة إلى انقسام بين شطري البلاد، إلى حرب بين الشقيقين، ثم وحدة بالقوة، كان اليمن خلالها يغرق في الفساد وانعدام الأمن، في ظل نظام علي عبدالله صالح الذي أخفق في بناء دولة حديثة بالرغم من الإمكانات المادية والبشرية التي تتمتع بها البلاد.
الثورة على نظام صالح كانت أمل اليمنيين في الخلاص. لكنها، وبفعل التدخلات الإقليمية، والصراعات القبلية، وغياب الحس بالمسؤولية عند القوى السياسية، تحولت نعمة الثورة إلى نقمة على اليمنيين، فغرقت البلاد في الفوضى، وفقدت السلطة المركزية قدرتها على الحكم، واستولت المليشيات الحوثية وجماعة صالح على العاصمة صنعاء.
وتأكد، كما في كل الصراعات، أن تدخل القوى الخارجية بالقوة المسلحة لا يجلب السلام للبلدان الهشة، وإنما يفاقم مأساتها. والثمن هذه المرة باهظ وثقيل؛ ملايين المشردين عن ديارهم، وملايين الجوعى، وإرهاب يضرب الأبرياء.
مليارات الدولارات صبت في اليمن وسورية لتمويل الحرب، كانت كافية لو تم توجيهها لغايات تنموية، لتحويل البلدين إلى جنة على الأرض. كلفة حرب اليمن وحدها ناهزت المئة مليار دولار حتى تاريخه، وفي وسورية لا تقل عن هذا الرقم أبدا.
ويثير الضحك الحديث عن إعادة الإعمار في كلا البلدين؛ مئات الملايين كي نعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب، هذا إذا توقفت الحرب يوما. وقد لا نجد أحدا يقبل أصلا تمويل عملية ضخمة كهذه، وإن توفر فإنها ستستمر لسنوات طويلة.
يبقى الأهم؛ الخسائر البشرية، والبطون الخاوية، وعذابات الضحايا ومصير المفقودين، أيّ عملية إعادة بناء ستعوضها؟
في اليمن مثلا، يصعب على المرء أن يتوقع نهاية للكارثة الإنسانية حتى لو توقفت الحرب في الغد. المجتمع الدولي لم يعد مستعدا لتمويل عمليات إغاثة كبرى، وهو أقل اكتراثا باللاجئين، ويقدم المساعدات بالقطارة “اسألونا في الأردن”.
نقلا عن الغد الاردنية