23 ديسمبر، 2024 10:39 ص

لم يكتف الأعم من رجال الدين ان يكونوا قابعين في  اوديتهم قد تجاوزتهم الحياة وناسها ناجحين وبطريقة ما في ان يُحوّلوا انفسهم من صخور غارقة – تحت وطأة وزنها الثقيل –  الى زبد يطفو فوق تيار الحياة العارم فبدوا وكأنهم موجودين ولكنهم بالحقيقة ليسوا موجودين او هم كذلك لكن بلا أي اثر يذكر; فقط لون يضاف الى خلفية لوحة الحياة ..
ان الغالبية من رجال الدين كحلقة زائدة بين العبد وربه طفيليين يقتاتون على هذه العلاقة اما القلة المتبقية منهم فقد تجاوزت بمراحل دورها الشارح والمفسر للشريعة لتتحول الى قطاع طرق على درب الانسان الى ربه من خلال اكثارهم لفتاوى كنسية خائفة من ومعادية لكل جديد لكنها –هذه الفتاوى- سرعان ما تندحر تحت وطأة الواقع ووطأة الحياة فَيُلقى بهم وبفتاواهم على هامشها  مرارا ً وتكرارا ً لكن دون ادنى شعور ٍ منهم بالألم
 
حرّموا المدارس كلها ثم احلوا مدارس البنين وادخروا مدارس البنات ثم أحلوها حرّموا الجرائد والراديو والتلفاز واعدوها بدعة غربية ثم تراجعوا واعترفوا بحّليته كالتمر ودم الغزال بعد ان استنبطوا واستقرأوا واستنتجوا واكتشفوا وشعروا ووصفوا واستعاروا وتصوروا وأدركوا واطمئنوا انه كالكوب لا جريرة له ولا شأن بما يوضع فيه ثم حّرموا أطفال الأنابيب وقبلها حبوب منع الحمل ثم تراجعوا عن تحريمهم بل انهم حرّموا حتى خطوط التلغراف عندما تصور علماء الوهابية في السعودية أنها تعمل بقوة الجن عندما نصبت في السعودية ايام الملك عبد العزيز.
وبعد كل هذا عادوا وفرّغوا موضوع الربا من محتواه الالهي عملا ً بإتباعهم لمنطق أرسطو الشكلي فاتخذوا من شكل العملية وليس محتواها موضوعا ً للتحليل والتحريم فأحلوا ما هو حرام منها متيحين للمرابين فرصة ذهبية تحت عنوان الحيلة الشرعية ففرح المرابين المتدينين وهبوا يقرضون الناس بالدولار ويستردون اموالهم  بالعراقي ..وهل هناك أجمل من اللقمة الحلال بعد ان توضع برأس عالِم! .
وحرّموا ما هو حلال منها –الربا-لان ظاهرها  يبدو حرام شكلا ً  حين حرّموا فوائد الودائع البنكية رغم انها من شخص معنوي وغير مشروطة من الطرف المستفيد المواطن بل اشترطتها الدولة على نفسها تماشيا ً مع دورها الأبوي تجاه أبناءها.
وقد اتبعت هذه  الفتوى –فتوى تحريم الفوائد البنكية- وأيما أتباع …فهذه الدولة لم تمنع فوائد الإيداع بل وتقرض الديون بفائدة !!
ولا عجب فكل شيء لا يتناسب مع واقع الحياة يُرفض وكيف لا وحلال الله وحرامه يلقى هوا ً من النفس وتستسهل تنفيذه فأستحالة التنفيذ متأتية من انه أمر مباح قد حَرّموه ولذا استمر تنفيذه رغم الفتاوى المقدسة. لم يكتفوا بأن يكونوا كهنة فقط بل أصروا ان يستبدلوا لحمهم ودمهم بجليد ميت خالي من كل حياة لكي يكونوا طبقة مختلفة عن باقي الناس .
 
تذهب إلى احدهم فتسأله بمسألة مصيرية فيجيبك بمشاعر وأحاسيس كأنها رياح شتاء قارصة تحملك ملقية إياك بماء المحيط الباردة هذه مشاعر نقلها إلي ّ صديق وهو يعتصر ألما ً حينما سدد له الدهر ضربته عندما قام والده بنقل ملكية منزله الى اثنين من أخوانه وترك الباقين وكان هو من ضمنهم وأشدهم تضررا ًفذهب يائسا ً الى رجل دين معروف قد فتح بيته لأستقبال الناس وبعد السؤال أجابه : نعم يجوز ذلك فهو مقبول شرعا ً , فجرب صديقي ان يستخدم لفظة ” تعسف ” لأنها ذات معنى عميق وهو الأدق والأفضل في وصف الموقف ” وبالتالي لعلها ستكون ذات اثر على رجل الدين مما قد يجره الى قول كلمة طيبة على الأقل وهو كل ما أصبح يبحث عنه صديقي ..كلمة مواساة ,لكنه أجابه…  وبرودة جليده  تلفح وجه صديقي : لا ..لماذا تعسف !!
أجاب صديقي لكن مع نفسه ” اتهجول وتگول ليش تعسف ”  فلا فائدة ترجى من بعث الحياة في صنم ٍ ابيض  الوجه. وبينما همّ الصديق بالخروج إذا بالشاي يأتي فجلس لشربه احتراما ً لمضيفه الذي لم يكلف نفسه عناء دعوته للجلوس ولا غرابة فالأصنام لا تدعوا احدا ً إذ هي  جامدة .. هامدة .وبينما هو كذلك إذ دخل طفل ابيض اللون أجلسه الكاهن في حجره , فدار في خلده ” يا ترى هل هو مستعد لعمل شرع الله -الذي نزل على قلب رجل الدين كالعسل ولم يرى فيه أي مضاضة – مع ابنه هذا ! ما هو الا كاهن صغير ابيض مستقبلي “.ولم يثر ذلك تعجبه بقدر ما أثاره تخيل اللحية الكثيفة السوداء التي ستنبت يوما ً على هذا الوجه الرقيق .
ان صديقي لم يكن يبحث عمّن يُحل له حرام الله أو يحرم حلاله بل كان يتوق الى من يجبر خاطره الكسير ومن أولى بذلك من ممثل الله على الارض لكنهم وللأسف (الكاهن في الناصرية وآخر في سوق الشيوخ ) أجابوه بجواب ٍ ميت كجسد ٍ بلا روح والدين كله روح تسير مع جسد أحكامه لكن لم يكلف أي منهما نفسه ان يشرح له غاية الله العادل في هذا اللا -عدل ,لعله الصبر على بلاءه والرضا بقدره والبر بالوالدين وإطاعة الأمر الالهي بخفض الجناح لهما بغض النظر عما يفعلاه والجزاء على ذلك هو الجنة التي لا تشترى ببلاش .
لم يُعييا نفسيهما ان يحاولا نقل روح دين الله وأنفاسه بل أماتا شرع الله وقدماه لهذا السائل بشكل قانون بشري هامد وبليد , وكيف لا وقد أمات الله جذوة العلم في قلوبهم بعد ان احترفوه مهنة استرزاق محولين انفسهم الى شبه آلات ..أرواح صدئة هي جزء من آلة ضخمة يحركها البارئ ظانين انهم ببرودهم يتمثلون الله ربهم  ولذا فهم  يحزنون بلا حزن ويغضبون بلا غضب .ولكن لا ليس الله صانع آلات ضخمة وقد جعلهم فيها-رجال الدين- كعتلات ومسننات مفضلا ً لهم على غيرهم من سائر أجزاء هذه الآلة , وهيهات ان يكون خسران مشاعرنا الانسانية تمثلا ً لخالقنا بل هي نفثة النفس الامّارة  بعضنا .
لقد اساؤا الى الله – وهيهات ان يساء له – وألى دينه فقد ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون اذ يموت الدين وتبقى الفائدة المادية منه ومركزه الاجتماعي فقد أنمسخ القلب وعشعشت العناكب في خلايا روحهم المهجورة,فهذا الذي كان يفترض ان  همُه نشر كلمات الله ..أماتها ! ليعيد أحيائها دنانير في جيبه.
فقد قام قريب لي بعقد زواجه عند ذات الكاهن ,وقام هذا بإحلال زواجه بمعجزة كلمات الله , وبدل ان يبتعد بهذا المشهد المقدس عن دنس الدنيا ؛ أساء له أيما اساءة عندما طلب من أخي الذي أعطاه أجره-الذي لم يقنعه- على كلمات الله قائلا ً له ” ماكو.. حمرة ”
لطالما كنت أجد في نفسي ضيقا ً من ان أصلي علنا ً مع الناس , تحيرت من أمرها حتى أدركت ما قد أدركته هي قبلي …إذ لم تكن ترغب في ان تصلي بين منافقين ووراء كاهن !.