22 ديسمبر، 2024 10:17 م

عرضت قناة العراقية الفضائية ظهيرة يوم السبت الموافق ٢٠٢١/٥/١٥ التمثيلية الكوميدية (الست كراسي) المنتجة سنة ١٩٧١م وهي من تأليف، وتعريق سليم البصري مع إشارةٍ إلى اقتباسها من فلمٍ روسيّ ، وإخراج محمد يوسف الجنابي، وتمثيل نُخبةٍ من الفنانين الرواد مثل : حمودي الحارثي، وخليل الرفاعي، وفوزي مهدي، و سناء سليم، وفاضل خليل، وكامل القيسي، وصادق علي شاهين، وسعدي يونس، وصادق الأطرقجي، وشكري العقيدي، ورضا الشاطي، وسلمان الجوهر.
قبل إنتاج هذه التمثيلية بثلاث سنوات ظهر مسلسلٌ سوريٌّ بالمضمون نفسه عنوانه (حمام الهنا) أُنتج سنة ١٩٦٨ بثلاث عشرة حلقة لمؤلفه نهاد قلعي، ومخرجه فيصل الياسري، ومن تمثيل دريد لحام، ونهاد قلعي، ورفيق سبيعي،وهالة شوكت. يتحدث المسلسل عن رحلة البحث عن ثروةٍ تركها جد (حسني البورزان) (نهاد قلعي) أُخفيت في أحد الكراسيّ الاثني عشر التي جرى بيعها، لكنَّ المسلسل الذي تدور أحداثه في بيئةٍ سوريةٍ لم يشر إلى أنه مقتبس من روايةٍ روسيةٍ قصيرةٍ لمؤلفيها الروسيين (الأوكرانيين) إيلي إيلف، ويفغيني بتروف المعروفين باسم (إيلف ـ بتروف) لاشتراكهما بنشر روايتين ساخرتين الأولى سنة ١٩٢٨م  بعنوان ‎‏(اثنا عشر كرسيّاً)، والثانية سنة ١٩٣١ بعنوان (‏‎ ‎الخليج الذهبي ‏الصغير)، فضلاً عن  كتابٍ ساخرٍ عن أمريكا بعنوان (أمريكا الذهبية الصغيرة) ‎وثَّقا فيه  رحلتهما إلى الولايات المتحدة بين  سنتي ١٩٣٥م و١٩٣٦م.‏
كان هدف رواية (اثنا عشر كرسيّاً) الأساسي السخرية من رموز  العهد القيصري  من خلال ثلاث شخصيات يمثلون النظام السابق، يحاولون الحصول على ‏كنزٍ  مخفيٍّ في أحد الكراسيّ الاثني عشر التي صادرها الثوار بدعوى التأميم وتباع في أحد مزادات روسيا، ويتعقبون هذه الكراسيّ، لكنهم يفشلون في الحصول على الكنز، وتكون النهاية بانتصار  مبادىء الثورة البلشفية (نهاية تعبوية مؤدلجة بامتياز) !
لكنَّ الكنز الحقيقي في هذه الرواية القصيرة هو في استثمارها فنياً من صناع الدراما في الكثير من دول العالم ربما لطرافة موضوعها،
والمفارقات التي تحصل فيها، فظهرت في عددٍ من الأعمال السينمائية منذ سنة ١٩٣٣ م في بولندا، ثمَّ في بريطانيا سنة ١٩٣٦م، ثمَّ في ألمانيا  سنة ١٩٣٨م،وفي هوليوود سنتي ١٩٤٥م، و١٩٧٠م، وفي البرازيل سنة ١٩٥٧م، وفي كوبا  سنة ١٩٦٢م.
والملاحظ أنَّ عدد الكراسيّ في كل هذه الأعمال،  يتراوح بين خمس كراسٍ إلى ثلاثة عشر كرسيّاً !
أما العمل العراقي (الست كراسيّ) الذي نتحدث عنه، فقد حقق نجاحاً لافتاً عند عرضه سنة ١٩٧١م، وكان تلفزيون بغداد بقناته رقم (٩) يُكرم مشاهديه طوال سنوات السبعينيات بإعادة عرض التمثيلية كل عيدٍ حتى صار هذا تقليداً للتلفزيون قبل أن يحل الخراب في الثمانينيات، وما بعدها ، ويعرض أعمالاً تهريجيةً مصريةً تحت مسمى مسرح التلفزيون !
ومن الطريف أنني وجدت التمثيلية بالاسم نفسه في أحد المواقع السينمائية قد أُدرجت كفلم سينمائي عراقيّ !
الكثير من المفارقات حفلت بها هذه التمثيلية التي تناولت رحلة السيد كامل (حمودي الحارثي) من بغداد إلى محافظة ميسان لحضور عزاء جدته (سناء سليم) ، ثمَّ تنفيذ وصيتها التي  تخبره فيها أنها أخفت عدداً من الليرات التي توارثتها من أسلافها في أحد الكراسي الستة، وبعد رحلةٍ من المفارقات الكاشفة عن بعض صور المجتمع العراقي يقوم بها كامل و قريبه أبو حميدة يتبيَّن أنَّ الكنز الذي يبحثان عنه ليس إلا قطع معدنية أثرية تعود إلى عصر عبد الملك بن مروان (٦٤٦م ـ ٧٠٥م) الأمر الذي يعني الحصول على مكافأةٍ نقديةٍ مجزيةٍ من هيأة الآثار !
تكرر على لسان (أبو حميدة) (خليل الرفاعي) تداول لفظة (سِكَمْلِي)(iskemle) الشائعة في اللهجة المحلية العراقية للدلالة إلى الكرسيّ الخشبي، وهي لفظة مأخوذة من اللغة التركية .
لفت الانتباه في هذه التمثيلية أداء حارس المدرسة (خريبط) الفنان (طارق الربيعي) (١٩٣٧م ـ ٢٠٢٠م) المعروف بـ(أبو شنيور) ـ مع قصر دوره ـ بلهجته الجنوبية المحببة، وتجسيده لشخصية اللئيم ، ونتذكر بهذه المناسبة زميله أنور حيران المعروف بـ (أبو زرزور) و برنامجهما الفكاهي (قره قوز) الذي عُرض في تلفزيون بغداد منذ منتصف الخمسينيات، والستينيات ومطلع السبعينيات .
ومن الممثلين المحببين إلى المشاهد الممثل الكوميدي سلمان الجوهر باللهجة الريفية التي لا يجيدها سواه بتلقائيته، وقفشاته، و أظنُّ أنَّه حين غادر عالمنا سنة ١٩٩٨م لم يخلفه أحدٌ من الممثلين في هذا النوع من الأداء.
كذلك لفت الانتباه الدور الذي لعبه الفنان رضا الشاطي كاتب العرائض الحقيقي(١٩٢٤م ـ ٢٠١٣م) الذي اصطاده التلفزيون، وإصراره على استيفاء مبالغ فاتورة الماء بالفلسان بلا زيادة، ولا نقصان !
هناك رسالةٌ تربويةٌ يبعثها هذا العمل مفادها أن الوسائل المشروعة يجب ألا تنفك عن الأهداف المشروعة.
بعد ثلاث سنوات من ظهور هذه التمثيلية، وتحديداً في سنة ١٩٧٤م  عُرضت في بغداد مسرحية (نشيد الأرض) لمؤلفها بدري حسون فريد (١٩٢٧م ـ ٢٠١٧م)، ومخرجها محسن العزاوي وحققت نجاحاً كبيراً، وكان محورها البحث عن كنزٍ أيضاً وإنْ كان مضمونها جاداً وعالياً !
ويبدو أنَّ حكاية الكنز ستظل مثيرةً للفضول،
وفاتحةً للشهية ، وإنْ كان الشكل، والاسم قد تبدلا وفق إيقاع العصر فصار الكنز في كيفية الحصول على وظيفةٍ حكوميةٍ !