22 ديسمبر، 2024 7:36 م

كم عنتوري لدينا اليوم

كم عنتوري لدينا اليوم

من المياديء  الاساسية  للنظم السياسية في العالم المتطور ان المنافس السياسي ليس عدوا مهما كان حجم الخلاف معه مادام يعمل ضمن المظلة الدستورية الجامعه التي تضمن الحرية والعدل للجميع حيث ان الثقافة  والدستورية الناضجة هي اهم الحواجز المانعة من الانقلابات العسكريةوما يمنع الانقلابات العسكرية في الديمقراطيات العريقة اليوم ليس عجز الجيش عن الاطاحة بالسلطة المدنية  بل ان المانع الحقيقي هو ثقافة المجتمعات في تلك الدول بما فيها ثقافة الجيوش لاتستسيغ الانقلابات على السلطة الشرعية من الناحية الاخلاقية والقانونية وما رايناه في تركيا خلال الانقلاب الفاشل يدلل على وجود تطور عميق في اتجاه الثقافة السياسية والدستورية الناضجة  التي تكسب الدول مناعة ذاتية ضد الانقلابات العسكرية .. حيث ان  الانقلاب الفاشل في تركيا يعيد الذاكرة  بالانقلاب العسكري الذي وقع في العراق عام 1958 لكن بصيغة مغايرة حيث ان الانقلاب  في العراق  كان  يحمل  لغز محير بعد ان ثبت ان اغلب  قادة الانقلاب ومن ضمنهم  الزعيم عبد الكريم قاسم كانت  تربطه برئيس الوزراء العراقي في عهد النظام الملكي نوري سعيد علاقات  متميزه  حتى يقال انه كان يناديه في اي لقاء يجمعهما ” كرومي ” وهذه العلاقة المتميزة  من بين اقرانه الجنرالات جعلته  بعيدا عن الشبهات 
لكن الغريب في الامر ان  الزعيم عبد الكريم قاسم لم يكن الوحيد الذي خطط ونفذ انقلاب عام 1958  فكثير من الجنرالات وبعد نجاح الانقلاب  دخلوا في صراعات عنيفة مع الزعيم قاسم  بعد تهميشهم  ونكران دورهم  بسبب انتمائاتهم السياسية مما خلق فوضى عارمة  كان من نتائجها  اعدام وتنحية البعض منهم  الا الشقي عنتوري  حيث تقول الروايات ان  الانقلاب مهد له عنتوري  حيث ان عنتوري كان في ليلة  ثورة 14 تموز عام 1958 في قمة شقاوته وكان في تلك الليلة سكران وهو ذاهب الى  نادي ليلي ” ملهى ” ويحمل في جيبه العاب نارية صغيرة تسمى ” الطرقات ” وما ان جلس في النادي  وبدأت السهرة واندمج الناس مع المطرب والراقصة  اخرج عنتوري الطرقات من جيبه واشعلها ورماها على المسرح والمطرب والراقصة موجودين فوق المسرح وفي تلك الليلة كان الجيش كله في حالة انذار بسبب ورود اخبار من قبل الاستخبارات عن احتمال قيام انقلاب عسكري ضد الحكم وعندما رمى عنتوري الطرقات فوق المسرح وخلال خمسة دقائق طوق النادي وتم اعتقال عنتوري على انه الفتيل الذي سيشعل نار الثورة واخذوه الى وزارة الدفاع وبدأ التحقيق معه  وانهالت الاسئلة عليه من قبل  رجال الامن ” من ارسلك .. ومع من تعمل .. الخ” 
ويقال ان والد عنتوري وكان وقتها موظف في وزارة الدفاع  وعندما دخل الى مكان احتجاز ولده وجد المكان مزدحم بالضباط والموظفين وكلهم بالانذار وما ان علموا  انه والد عنتوري اخذه احد الضباط  الكبار الى غرفته وكان هذا الضابط  احد الضباط المشاركين في  الانقلاب لكن لايعلم به احد واخذ يسأل والد عنتوري ” منذ متى وابنك بالتنظيم .. وفي اي خلية يعمل ” وقال الضابط لوالد عنتوري ” ابنك بطل  ووطني ” وتوسل الضابط بوالد عنتوري  ان يتركه حتى الصباح داخل التوقيف وسيكون بطل من ابطال العراق ولكن والد عنتوري رفض بشدة وظل يتصل ويتوسل الى ان اخرجوا  عنتوري من التوقيف وعندما اخرجوه 
 بدأ يهتف بحياة الراقصة والمطرب الذين كانوا على المسرح  من شدة تعاطية  الخمر ليلا ..  اذن عنتوري كان له دور في اسقاط النظام الملكي وقيام النظام الجمهوري  لكنه لسوء حظه  لم يستلم اي منصب ولم يكن له دور في العملية السياسية الجديدة  حيث افاق من غفوة السكر على صوت  الاذاعة وهي تبث الاناشيد الوطنية ومنها  نشيد الفتوة ونشيد الله اكبر ثم بدأت  اذاعة البيان رقم واحد الذي اعلنت فيه سقوط النظانم الملكي وقيام النظام الجمهوري  بعد ان حاصرت  القوات العسكرية مقرات سكن العائلة المالكة  التي لقيت حتفها في عملية بشعة كان من ضمن ضحاياها الملك فيصل الثاني فيما انتشرت مجاميع غير منظمة من المواطنين في شوارع بغداد قامت بسحل عدد من جثث القتلى العارية ومن ضمنهم الامير عبد الاله  حيث بقيت جثته معلقة بحبل تحت شرفة احد الفنادق ثم قام احد المواطنين بسحب ساطور وقطع ارجل الامير راميا بها الى الجماهير وقابلت ذلك النسوة  بالزغاريد ولقي  رئيس الوزراء نوري سعيد  ذات المصير حيث مثل بجثته في عملية  غير انسانية تقشعر لها الابدان .. لكن رئيس الوزراء نوري سعيد مات وهو لايعلم  بالدور الذي لعبه عنتوري في نجاح الانقلاب  .. فكم عنتوري لدينا اليوم