فكرة بسيطة جداً لمشهد يومي صار مألوفاً، توفّر لها عقل يفكّر بحيوية، فتحوّلت إلى عمل فني عالي المستوى ينتزع أرفع جائزة عالمية في ميدان الفيلم الوثائقي السينمائي، هي جائزة أوسكار التي تقدّمها هوليوود.
لكنّ الأهمّ من الأوسكار أنّ فيلم “القبعات البيضاء” (The White Helmets) قد أعطى بُعداً عالمياً جديداً لمحنة الشعب السوري مع الحرب المُهلكة والمُدمّرة القائمة بين نظام بشار الاسد ومعارضيه منذ ست سنوات متصلة.
الفيلم يوثّق لعمل منظمة تطوّعية للدفاع المدني تحمل الاسم الذي اتّخذ منه الفيلم عنواناً له، كرّست نفسها لإنقاذ الضحايا الذين تتهدم على رؤوسهم بيوتهم المُستهدفة بقنابل الطائرات والمدفعية، بانتشالهم من بين الأنقاض وإبعادهم عن مناطق الخطر، وقد أنقذت بالفعل حياة 80 ألف شخص كانوا سيموتون لو تُركوا لمصيرهم.
قبل وصوله إلى عاصمة السينما العالمية، كان الفيلم الذي صوره المصور السوري خالد الخطيب في مدينة حلب المنكوبة، قد نال الإعجاب في الكثير من العواصم، وهو ما كان من العوامل المشجعة على تفهّم الحكومات والمنظمات فيها للقضية السورية وتقديم الدعم للمعارضة. وقد كان الفيلم أيضاً دافعاً لترشيح منظمة “القبعات البيضاء” إلى جائزة نوبل للسلام.
على مدى أربع عشرة سنة، منذ إطاحة نظام صدام حسين وانفلات أعمال الارهاب الهوجاء، كان لدينا مليون قصة وقصة ومليون مشهد مأساوي ومشهد ومليون نكبة إنسانية ونكبة، إلا أن أحداً لم يتطوع لتوثيقها على النحو الذي حصل مع عمليات منظمة “القبعات البيضاء” في حلب السورية. بل ان دوائر الدولة المعنية ( مؤسسة السينما والمسرح وشبكة الإعلام العراقي وسواهما) لم تجد في نفسها الدافع والقابلية لتوثيق جرائم القاعدة وداعش وفلول نظام صدام، فضلاً عن الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة، التي عاشت عصرها الذهبي في إبادة مئات الآلاف من العراقيين وإصابة أعداد أكبر وتهجير عدة ملايين إلى مخيمات النزوح وإلى ما وراء الحدود، على مدى السنين الماضية.
كلٌّ مِن هذه المؤسسات يُنفق يومياً ما يزيد على كلفة إنتاج فيلم وثائقي قصير يمكننا أن نبثّه عبر الفضاء الطبيعي أو الإلكتروني لنوخز به الضمائر ونهزّ المشاعر كما فعل الفيلم السوري ويمكن أن يحصد الجوائز في هوليوود أو غيرها.
هل هو الترهّل والتواكل والبيروقراطية، أم هو مرض نقص الوطنية (بسبب طغيان المذهبية والحزبية والقبلية)، ما جعلنا نتخلف على نحو مريع حتى على هذا الصعيد؟
الأرجح، بل الثابت، أن السبب يكمن في هذا كله مجتمعاً.. ودليلي أنّ أحداً في هذه المؤسسات لا يقرأ هذا، وإذا حصل وقرأه فسيضحك في سرّه أو حتى في العلن … يضحك على المغفّل أو البطران كاتب هذه السطور، الذي هو أنا !
نقلا عن المدي