إطلالة جديدة أخرى للكاتبة والروائية والناقدة المتألقة والمبدعة رنا صباح خليل وهو كتابها النقدي ( كمين الضوء .. طروحات المتخيل السردي في روايات أمجد توفيق ) الذي صدر بغلاف أنيق عن دار الرفاه للطباعة والنشر.
وقد وجدت الكاتبة والناقدة رنا صباح خليل ضمن متخيلها الإبداعي وسردها الروائي أن هناك من أعلام الثقافة ومن رموزها الكبار من يستحق أن تؤلف كتابا عنه ألا وهو الروائي والكاتب والإعلامي الكبير أمجد توفيق ، لما أضافه للرواية العراقية والقصة وعموم إنتاجه الأدبي والثقافي ما يستحق أن يكون مؤلفا متفردا يختص بهذا المبدع كونه أسهم في إعلاء شان الثقافة والإبداع العراقي وأوصلهما الى درجات رفيعة .
ويعد إسلوب التحليل النقدي للاعمال الإبداعية الروائية والقصصية ، للناقدة رنا صباح خليل ، من أروع الاعمال التحليلية ، واكثرها قدرة على إستمالة القراء والمتابعين للعمل الابداعي الثقافي والأدبي ، وهي تجمع بين التحليل الفني والنفسي بطريقة تجعل المتلقي يتلهف للدخول في تفاصيل هذا العمل الابداعي ، وربما تيسر عليه مهمة القراءة، ويكون قد أوصلت المتابع الى مبتغاه ودون عناء.
والمعروف عن الناقدة رنا صباح خليل أنها واحدة ممن ولجن هذا الموضوع الحيوي والمهم، من خلال تحليل مضامين روايات نالت اهتماما كثيرا من القراء، ووجدت في روايات الكاتب والروائي والصحفي القدير الأستاذ أمجد توفيق مبتغاها، لتطل علينا بلغة تحليلية ساحرة ومبهجة ، من خلال كتابها النقدي الجديد ( كمين الضوء .. طروحات المتخيل السردي في روايات أمجد توفيق ) وهي تنتقي مفردات وصور بلاغية وثيمات ومضامين تبدأ إنطلاقة انبهارها بها ، من عنوان العمل الروائي ، ومن ثم المقدمة والفصول المتتابعة، وهي تدخلك بإسلوبها النقدي الساحر المحبب ، وكأننا أمام ثراء فكري ونفسي وقيمي وفني كبير، تحيلك كل كلمة فيها الى دلالات متعددة ، لم يفكر حتى الروائي نفسه أن مقاصده ربما كانت وفقا للطريقة التي تعرض بها مضامين ودلالات العنوان وشخوص الرواية وترابط وتشابك فصولها ، وما تهدف اليه من مضامين غاية في التصوير الفني النقدي الابداعي، وتبدو وكأنها أمام راو من النوع المحترف، تريد تحويله الى ” بطل إسطوري” أطل علينا من روايات دخلت في مراحل الاساطير والرموز ، وهي تحتاج الى من يفك طلاسمها ، ويعرضها بإسلوب شيق، يسهل فهم مضامين الرواية وكيف تجري عملية تقسيم الادوار بين الشخوص!!
ومن روائع ما يمكن أن يدخل في الجانب التحليلي لتلك الكاتبة والناقدة المـالقة، انها تختار كلماتها ، وتبدو حروفها تتراقص أمامك ، وتسير في إنسجام وتسابق مع الزمن، في القدرة على التعبير عما تطرحه من تفسيرات وتحليلات ، ياخذ الجانب النفسي الكثير من مضامينها، وان لم تتخل عن تجليات العمل الفني القصصي والروائي ومتطلباته، لكنها ، تبدو أمام المتلقي وكأنها تنحت كلماتها من بين الصخور، وتغوص في أعماق البحر وتستخرج منه لآليء ودرر، ثم تستقل مركبا فضائيا لتطير الى اعماق الفضاء ، ومن ثم تستطلع كنوز الماورائيات ، وهي تغلف سطورها التحليلية بما إستطاعت اختراقه من عمق اللغة وجزالة المعنى وبساطة المضمون ، وهي المتمكنة من نفسها ومن ادواتها، وتظهر بين السطور التي تغترف من معانيها الكثير أنك أمام ناقدة ليست سهلة، وقد توغلت كثيرا في عمق المعاني وغزارة الألفاظ ، وكأنها تضعك امام ” سبيكة ذهبية ” هي من وضعتها على النار ، ومن ثم إستطاعت ترويضها لتتخذ أشكالا فنية مبهرة، حتى تبدو الكلمة أمامك وهي تتزين بجماليتها وعطرها الفواح ، وتبدو وكأنها رشيقة القوام، مثل غزال سحر ناظريه، وهو يسبر أغوار الصحراء بحثا عن بقايا عشب أو ماء يروي ظمأه ، وهو يرى الاخطار تحيط به من كل حدب وصوب، والفرسان يتحينون الفرص للإيقاع به، أو كحديقة غناء احاطت به الاشجار المثمرة من كل جانب، وكأنك في إحدى جنات عدن.
ما يثير الارتياح والاعجاب الكبيرين ، لدى تلك الناقدة انها تستخرج كلماتها من خزينها المعرفي المتدفق غزارة في اللفظ والمعنى ، وتجمع بين الجناس والطباق وتبحث عن صور البلاغة اللغوية بين السطور ودلالات الرموز وتعبيرات شخوص الرواية وابطالها أو بطلها الرئيس ، لتحلل تفكير ورؤى كل واحد منهم ، وهي تدخل في اعماق الراوي وكانها تريد أن تكون ربما (بديلا) عنه، أو تتفوق عليه في اختيار الرموز والمصطلحات ، وتجعلك تشعر أنها تدخلك قصور السلطة وأبراجها العاجية ، وتستشف عبير ووهج كلماتها المبهرة والمتعمقة في دلالات النص ومضامينه..
وكانت روايات الكاتب أمجد توفيق وبخاصة روايتي ” الساخر العظيم ” و “طفولة جبل ” وآخرها ” ينال” وكانها لغة حب غاصت في الوجدان وتعمقت بين ثناياه ، وتتركك تتابع كل كلمة وسطر وثيمة تقف عندها ، وتطمع بالمزيد مما تفيض عليك من مخزونها الفكري والابداعي والقيمي والفني، وكانها هي” الراوية الأكبر ” ليس رغبة في اعلان طغيانها ودكتاتوريتها وقدرتها الفريدة على تشخيص دلالات الرمزية الموغلة في تقبل التفسيرات المختلفة، ولكن لتضعك في صورة ان العمل الابداعي عندما يرتقي الى تلك المنازل ، فانه يحتاج الى لغة ورموز وحروف تتلاعب بمفرادتها ، حتى يكون العمل السردي قد اكتمل نضجه ، وحان وقت قطاف ثمار إبداعه!!
ربما كان الروائي والكاتب أمجد توفيق محظوظا ، لان ناقدة بهذا المستوى المتألق ، رهنت نفسها، لأن تغوص بعيدا في اعماق رواياته، وتجد فيها ضالتها ،ضمن كتابها السردي الجديد ( كمين الضوء .. طروحات المتخيل السردي في روايات أمجد توفيق ) لإضفاء كل تلك الهالة السحرية بدءا من عناوين روايته التي يختارها بعناية وحتى فصول الرواية وتناسق شخوصها وادوارهم المميزة والتي تمثل كل منها حالة إبداعية متقدمة في الوعي الفني والتحليل النفسي الذي أجادت تغطية نظرياته السلوكية وكانها عالم نفسي قبل ان تكون ناقدة فنية، ويمكن ان نمنح المتتبع بعض ما جرى اختياره من مضامين مقالها السردي للتدلال الى ما اشرنا اليه من رموز ودلالات معرفية وسلوكية غاية في الاهمية..” عند تَلَقينا لرواية (طفولة جبل) للروائي أمجد توفيق كانت أولى غوايات القراءة لدينا متمثلة بعنوان الرواية فهو البوابة التي تمنح قارئها ترحيب الدخول لكشف المخبوء وسبر أغواره، وعلى حد قول رولان بارت” إن العناوين عبارة عن أنظمة دلالية سيميائية تحمل في طياتها قيما اخلاقية واجتماعية وايديولوجية وهي رسائل مسكوكة مضمنة بعلامات دالة مشبعة برؤية العالم يغلب عليها الطابع الأيحائي “)”!!
ومن خلال التمعن في مضامين كتابها النقدي الجديد ” ( كمين الضوء .. طروحات المتخيل السردي في روايات أمجد توفيق )” تبدو الكاتبة والناقدة رنا صباح خليل وكانها تغوص في هذا الوله الابداعي بمضامين روايات عشقتها، حتى وخصصت لها جزءا كبيرا من اهتمامها ، لانها تدرك في قرارة نفسها نفسها ، أنها بإنغماسها في هذا العمل الفني الابداعي الكبير فأنها تقدم للقاريء غذاء روحيا وفكريا وفلسفيا ومعرفيا ، يشوقه لقراءة المزيد، وان توصل الى المتلقي فكرة أن عملا روائيا كبيرا بهذا المستوى من الحبكة الروائية يستحق أن يدخل مرحلة الخلود في العمل الابداعي، وهي تشجع من يغوص في أعماق تلك الروايات ويسبر أغوارها أن يعطيها حقها من الاهتمام!!