17 نوفمبر، 2024 7:48 م
Search
Close this search box.

كملت السبحة..!

كملت السبحة..!

“المسبحة”.. وسيلة ابتكرها الإنسان القديم مما وقعت عليه يداه من الأحجار البسيطة، وتطورت أشكالها وتغيرت أصنافها وتعددت أنواعها، وكذلك دواعي استخدامها، وبانتشار الدين الإسلامي صار لها استخدام أجل وأسمى. ولم يكن من باب المصادفة أن يكون عدد حباتها وتريا (فرديا) على الأغلب، إذ يعزي الباحثون هذا أنه يرمز الى الوحدانية، فاجتهد صانعوها الى تحديد عدد حباتها بالأعداد؛ (99)، (33)، (45)..

حديثي حتى اللحظة عن المسبحة، ولن أطنب فيه كونه ليس موضوعي في أسطري هذه، ولكنني تذكرت مثلا دارجا لطالما رددناه في يوميات حياتنا، ذاك المثل يعبر عن اكتمال أمر باجتماع جميع أطرافه إذ نقول: (كملت السبحة).. وتذكري المثل هذا يقترن عادة في حال اجتماع مجالسنا الثلاث للبحث في أمر هو في الحقيقة لايحتاج اجتماعا، إذ هو من المفترض ان يكون بديهيا ذاك هو أمر المصالحة.

والخوض في معاني مفردة “المصالحة” والسبل المؤدية الى تحقيقها.. وشرح النتائج التي تفضي اليها، يتطلب صفحات طويلة من صحيفتنا التي بين يدي القارئ، بل قد لايكفيني عدد واحد منها، ولاأظن الزميلين رئيس التحرير ومدير التحرير يسمحان لي بأكثر من منبري هذا مشكورين، وجزاهما الله على هذا خير جزاء.

“المصالحة”.. هذه المفردة التي مافتئ الغادي والرائح من الساسة يناشد بتحقيقها، ويدعو الى الوصول اليها ويحث على التمسك بها، باحتسابها الوسيلة الوحيدة لعبور المنطقة الخطرة التي وصل اليها البلد، وهو كلام منطقي يدركه كل ذي لب، لاسيما بعد الخلافات التي حلت الأوساط السياسية في جوانبها كافة، وأقول الأوساط السياسية لأن المصالحة متحققة في غير هذه الأوساط، فهي ديدن العراقيين بأديانهم وطوائفهم وقومياتهم وأعراقهم جميعها، إذ باستقراء بسيط لتاريخ العراق القديم والمعاصر والحديث على حد سواء، يكتشف المستقرئ أن شرائح الشعب على اختلافها كانت كلها متوافقة ومتفقة ومنسجمة ومتصالحة، باستثناء الحاكمين والسياسيين والقريبين منهم في سدة الحكم، وما الترابط بين أفراد المجتمع العراقي على مر العصور والدهور والظروف إلا شاهد على قولي هذا. فالعوائل العراقية دأبت منذ توطنها أرض وادي الرافدين على التزاوج والتصاهر والتناسب فيما بينها، من دون وضع حساب لطائفة الزوج او قومية الزوجة، وبجولة صغيرة في مدن العراق وقراه وقصباته، نلمس عمق الوشيجة التي تقرب المتباعدين منهم في القومية، ونرى الآصرة القوية التي تجمع بين الطوائف في مجالات الحياة الأسرية والعملية والوظيفية.

ولمن في قلبه شك او ريبة في استتباب المصالحة الوطنية بأوجهها كلها بين العراقيين، فليعرج على أي سوق شعبي او “مول” او “گراج” او مقهى من مقاهي مدن العراق، وليزر أي منتدى او (Coffee shop) وليرى بعين اليقين وعلم اليقين وحق اليقين، كيف يتعامل العراقيون فيما بينهم! وكيف هي روح المصالحة ومعنى المصالحة الحقيقي، بعيدا عن السياسيين وإن “كملت سبحتهم”.

[email protected]

أحدث المقالات