“وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم”
قد يتبادر إلى ذهن الكثير منا سؤالا مشروعا خاصة ونحن نخوض كرنفال انتخابي تشريعي في هذا الموسم، فالسؤال الذي يطرح نفسه دائما وفي كل دورة انتخابية تشريعية تجرى في البلد، ومن جميع الاوساط المجتمعية والشعبية والدولية، هو أن:” إلى م سيؤول المشهد السياسي المرتقب في العراق بعد إنجاز الانتخابات للدورة الانتخابة التشريعية الحالية والتي ستجرى في الثلاثين من نيسان 2014 خصوصا وأن الشعب قد حزم أمره نحو التغيير؟”.
لقد تطرقنا للاجابة على مايناظر هذا السؤال بمقال سابق وبإسهاب، والجواب يحتمل عدة خيارات كتوقعات ترتبط بحجم المعطيات المتوافرة على المسرح السياسي والاجتماعي وعلى تخبطات الشارع العراقي المليء بالمفارقات، والذي يحمل بين طياته مفاجئات عديدة ربما لم تكن بالحسبان، أدلها أن يوضع العراق على مفترق طرق تكون جميع الاحتمالات فيه واردة، وقد يضرب بعرض الحائط جميع التحسبات والتوقعات، ولكني ومن خلال قراءتي للمشهد السياسي الحالي وماسبقه من مشاهد سياسية منجزة، وجدت نفسي وكثير من معي متفائلا بالتغيير، ولكن بهاجس متردد وترقب شديد، من منطلق الوجل والمعاناة من عقدة نفسية سياسية اجتماعية سابقة أصابتنا في الصميم، وقد ترسخت في عقولنا، واستقرت في نفوسنا، وضغطت على تفكيرنا من جراء تداعيات العملية السياسية وحراكها السياسيي التشريعي وتخبطاتها، للحد الذي لانعتقد فيه أن التغير في دورة البرلمان اللاحقة، سيكون كبيرا وشاملا، أوقد يصل إلى مايشبه الانقلاب، أو أن الأمور ستتجه وترقى إلى مستوى مايطمح له الناخب والمواطن العراقي الكريم، بعد ماعانوا من احباطات وويلات اداء المجالس السالفة وفشلها في كسب رضا المواطن والتأثير على قناعاته من حيث الارتقاء الى أعلى مستوى من حسن الاداء واحترام اصدار التشريعات في ريع مواعيدها المقررة والتي تخص رفع مكانة الوطن والمواطن، إلى المدى الذي تمكث فيه “الثريا”.
وبطبيعة الحال، فالتغيير لايتم إلا في حال خروج الناخبين باعلى وأعمق نسبة سكانية ممكنة للتصويت والمشاركة في الانتخابات واختيار الصالح والانسب والأكفأ ممن يخدم العراق ويرعى مصالح شعبه بكل دقة واخلاص دون الطالح من المرشحين أولا، وأن تفي القوائم والأعضاء الجدد بعد الفوز بالعهود والوعود التي طرحت وأبرمت ببرامج الدعاية الانتخابية ثانيا، وفي هذه الحالة ربما تسيطر كتلة واحدة أو كتلتين على اعلى نسبة من مقاعد البرلمان لتشكل حكومة اغلبية، وهو حقيقة مطلب شعبي وطموح مجتمعي وانجاز وطني وحلم انساني.
وعليه، فإن التغيير إذا ماتم، فهذا يعني أن نقلة نوعية ما تلوح في الأفق، من شأنها أن تقلب موازين العملية السياسية والاجتماعية رأسا على عقب، وتنقل العراق شعبا ودولة إلى صعود سلم تطور نظام الحكم للارتقاء إلى مطلب سياسي واجتماعي آخر أرفع وأخطر من هذا المطلب، قد يساهم في رفع مكانة البلد من كافة النواحي، ولربما يحسر الارهاب والفساد بشكل تلقائي إن لم أكن مبالغا في ذلك.
وهذه النقلة قد تساهم في إصلاح العملية السياسية برمتها من خلال إقصاء المحاصصات الطائفية والحزبية عن مراكز صنع القرار، ويقينا إذا صلحت العملية السياسية صلح ماسواها، والصلاح إذا ماتم فذلك كله بفضل وعيكم أيها الشعب العراقي الكريم، وإصراركم على ارادة التغيير من حال إلى حال، والاصلاح من مآل إلى مآل، وهذا يدل أيضا على إرادتكم العالية للحياة والتحرر من نير الديكتاتوريات المركبة وعجرفتها، ودليل قاطع على أن زمام الأمور مازال بيدكم أنتم، وعلى انكم مازلتم اقوى وأعلى سلطة في الدولة بعد الله سبحانه وتعالى، وأنتم مصدر السلطات وشرعيتها، ولا وصاية عليكم الا وصاية صناديق الاقتراع، وبيدكم أنتم مفاتيح القرار والتغيير والتولي، ولايمكن أن يولى عليكم ممن لاترغبون بتوليته، بمقتضيات الجو الديموقراطي الذي يوفر الحرية الكاملة لكل ناخب بالتصويت جسب مشيئته وقناعاته، ف” كونوا احرارا في دنياكم” كما قالها الامام الحسن(ع) في نهضته الاصلاحية الخالدة، وهو القائل كذلك(ع): “مَن رأى سُلطاناً جائراً مُستَحل لِحَرام الله، ناكثاً عهده ، مخالفاً لِسُنَّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغيِّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أنْ يُدخِله مَدخَله”.
فالفعل والقول يجتمعان في ارادة الأصرار على التغيير، وفي الحضور اللافت في الانتخابات، فبمجرد وضع البصمة في مكانها الاستحقاقي الصحيح الذي يرشح الصالح من المرشحين دون الطالحين، فهذا يعني بالضبط أن القول قد تحول إلى فعل، ونظام حكم، وسياسة بلد ودولة وشعب، وتقرير مصير، ف “كما تكونوا يولى عليكم” والله ولي المؤمنين.
والتغيير لايتم ولاينجز إلا بتغيير الأنفس.
و”إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم”
ولايحق للناخب من الناحية الشرعية والأخلاقية أن يستهين بصوته، والركون إلى حالة العزوف واليأس عن المشاركة الفعلية في الانتخابات بحجة تردي الأوضاع وسوء الاداء، وفي حال حصول هذا التقاعس فأنه يساهم _أي الناخب_ في تفاقم المشكلة ويمنح فرصة ثمينة لصعود كيانات سياسية أخرى مشابهة لبعض الكيانات القائمة الحالية في البرلمان، وما صعود “الاخوان” في مصر وفوزها المبرم ب 10 ملايين صوت مقابل 8 ملايين صوت من مجمل أصوات الشعب المصري البالغ تعداده 90 مليون نسمة، الا بعزوف 72 مليون مصري عن ممارسة الانتخابات، مقابل خروج جميع الاخوان للمشاركة فيها وما نجم عنها من تبوؤ محمد مرسي اعلى وارفع منصب في الدولة المصرية وهو منصب رئيس الجمهورية، إلا كخير شاهد وأقرب مثال نضربه من أجل الاعتبار.
فالتغيير وإن بدى، لم ولن يكون كبيرا بالقدر الذي يتصوره الناخب مالم يهب جميع الناحبين رجالا ونساءا، شيبا وشبانا لصناديق الاقتراع بشكل واسع، وانتخاب من هو صالح من القوائم والرجال والنساء، وليعلم الناخب العراقي أيضا أن حضوره لصناديق الاقتراع بالكثافة الواسعة الفعلية والواقعية للناس على الأرض هو بمثابة البديل العملي للتعداد السكاني وحجة بالغة ودليل قاطع على حقيقة ودقة حجم نسبة الكثافة السكانية لجميع المكونات، اجمالا وتفصيلا، وهذا يهمز ويدل على معرفة حجم الاصطفافات والأنساق المجتمعية المتعلقة بكثافة الأغلبية والاقليات السكانية في البلد، وتعتمد كواحدة من جنبات آلية منح الاستحقاقات التشريعية والسياسية والتخطيطية لجميع المكونات بشكل عادل ودقيق وبحسب النسب الظاهرة في كثافة الاقتراع والحضور ، وفض النزاعات المتعلقة بتوزيع الثروة وبقية الاستحقاقات الانسانية والاعتبارية على وفق تلك النتائج.
نعم، سيكون هناك تغيير وفيه شيئا من الوضوح، ولكنه نسبيا إلى حدما إذا كان الخروج نسبيا أيضا، وسيكون أكثر وضوحا إذا أدى هذا الخروج لتغيير الاشخاص وبعض الكتل التي اخفقت في كسب رضا الشعب بسبب سوء الاداء، وعندما يكون التغيير قد اخذ مأخذه بمجمل الكيانات السياسية التي تعثرت في تحقيق مطالب الناس فذلك أنجع وأقوم لأداء عمل البرلمان والحكومة على حد سواء، ونخشى مانخشاه أن لايكون التغيير جوهريا في المحتوى والافكار والسنخة، فعندما لاتبادر تلك الكيانات بالتطبيق الفعلي لمبدأ التغيير، وإعادة النظر في تعديل اجندتها وبرامجها السياسية والاجتماعية، والنظر أيضا بمعالجة الأخطاء التي ارتكبت في التجارب السابقة من عمر البرلمان، فقد تذهب الجهود سدى وتتبدد الآمال، وتضيع الفرص وتتكرر نفس المعاناة وتعود المأساة، قدر تعلق وارتباط آراء الأعضاء الجدد وقراراتهم وإراداتهم مع إرادات رؤساء الكيانات السياسية التي أحتوتهم، والتغيير الذي سينجزه الناخب يذهب ادراج الرياح، وإن لم يتحقق هذا المبدأ فالأمر سيان بما جرى سابقا وبما سيجري لاحقا.
الغريب في الأمر أن الجميع يطالب بالتغيير!! بما فيهم أعضاء مجلس النواب الحاليين، يذكر أن 300 عضو من البرلمان الحالي من أصل 325 عضو رشحوا أنفسهم لخوض الانتخابات الحالية وجميعهم يطالبون بالتغيير ضمن خطط حملاتهم الانتخابية!!
ترى هل يقصدون تغيير الشعب والمجيء بشعب آخر من دولة أخرى أو كوكب آخر؟
أم ماذا؟
أو يريدوا تغيير الامتيازات والرواتب الضوئية الخاصة بهم إلى مرتبة أعلى وسقف آخر، لأنها لم تعد تفي بسقوف نفقاتهم، أو من كان عنده فندقا ذي نجوم خمسة أو عدد من مضخات الوقود يطمح في أن يزيدهن إلى الضعف والضعفين.
ومع ذلك، يبقى أملنا معلقا وكبيرا بالتغيير بعد أن يقرر الشعب بوصول النخب والوجوه الجديدة لانجاز التغيير، وإذا تعثر هذا الانجاز فذاك لايتحمل وزره إلا الشعب نفسه، والتعثر إذا ماحصل لاسمح الله، فهذا يعني أن التغيير لم يطال نفوسنا نحن كشعب لحد الآن، وعلينا أن نغير مابأنفسنا أولا إذا اردنا تغيير هؤلاء، وإذا حيل بيننا وبين التغيير، علينا أن نصبر على فعالنا، ذلك لأن المقادير كلها بيد الله سبحانه وتعالى، والخير في مايختاره الله، وصدق رسوله الكريم(ص) أنه قال: “الدنيا دول، فما كان منها لك أتاك….”.
ومما لاشك فيه أن الكيانات السياسية الفائزة ان إرادت للعراق شعبا ودولة الخروج من هذه المحنة عليها أن تعتمد التغيير الجذري والشامل لاللتغيير السطحي، والا فسيكون مثلها كمثل الرجل الذي يرتدي تارة الزي الرسمي وتارة أخرى يرتدي الزي العربي، فالتغيير هنا سيكون بالمظهر فقط وليس بالجوهر، والجوهر في هذه الحالة يظل على ماهو عليه، وكما هو في السنخة المكوناتية والكتلوية والحزبية والفردية، والاعضاء فيها مثلهم كمثل الماء الذي يأخذ لون الإناء الذي يوضع فيه إذا كان صافيا ونقيا”لا يقدمون ولا يأخرون”.
ولكن، وبعد الثلاثين من نيسان ربما قد تتدحرج بعض الكيانات السياسية التي يسقطها الناخب ويخفضها، وقد تصعد كيانات أخرى قد يرفعها الناخب تتصف بالوطنية والوسطية، وبهذا الرفع الانتخابي ربما يهيمن كيان سياسي ما على أكبر عدد ممكن من كراسي البرلمان، وبالتالي يفوز بتولي مهام السلطة التنفيذية في البلاد بموجب نظام الأغلبية كما أسلفت، ونظام الأغلبية هو الخيار الوحيد الذي يكفل ويضمن نجاح الحكومة ويؤهلها للأخذ بزمام الأمور نحو طريق الفلاح والاصلاح فضلا عن تكفلها بنجاح العملية السياسية برمتها والقضاء الشبه المبرم على مختلف التداعيات والتجاذبات، وإعادة الديموقراطية إلى نصابها الصحيح ومسارها القويم، ودفع الديكتاتوريات وعنجهيتها والمحاصصات وإشتراطاتها وسيناريوهات مختلف الأجندة وإملائتها، وزحزحتها خارج ميادين صنع القرار والنفوذ والمتمثلة بالمحاصصات والائتلافات والاقليات التي فرضت على الحكومة الحالية برئاسة السيد المالكي أو تفرض على الحكومة اللاحقة بعنوان وذريعة الشراكة الوطنية السياسية أو تحت ذريعة عناوين أخرى، إلى واد سحيق.
كما وللصراع الإقليمي، واقصد دول الجوار كتركيا والسعودية وإيران وسورية والأردن، له انعكاساته على سير العملية الانتخابية والسياسية ودقة ادائها، والمال السعودي هو المحرك الرئيس لتلك الصراعات، أما من يكمن خلف تلك الصراعات هي المصالح العقدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، والأجندة، والنفوذ، والحنق، وتعديل الإصطفافات، والخوف من تعميم التجربة التي تؤدي إلى دحرجة بعض كراسي الحكم الوراثية.
وسؤال آخر يطرح نفسه على المشهد الانتخابي لعله يمثل حالة اللجاجة المسيطرة على شارع الناخبين، فعن لسان الناخبين أنفسهم ضمن المطالب التي طرحوها في الشارع الانتخابي قالوا : من ننتخب من المرشحين، وفق هذا الكم الهائل من اعدادهم المرتفعة، وقد تشابه البرنامج علينا؟
الجواب، ليست المشكلة في اختيار المرشح فحسب، بل المشكلة في انتقاء القائمة السياسية التي تقف وراء هذا المرشح!!
ذلك لأن المرشح عندما يصير نائبا لايتمكن من الاجتهاد كما نظن أو نعتقد، أو يبادر باتخاذ قرارات مفصلية فردية على عاتقه مالم يرجع للاستئناس برأي كتلته أو حزبه، ولا حتى يستطيع أن يصوت بنعم أو لا في جلسات البرلمان إلا بالرجوع لإملائات كتلته وحزبه أيضا، وهذا يعني فيما يعني انه يجب التركيز الحذر والدقيق في اختيار قائمة المرشح أولا، ومن ثم اختيار المرشح وفق الخصال والمواصفات التالية التي تجعل منه شخصا صالحا ومناسبا وداعية للخير وللنجاح وحسن الاداء ثانيا، وهي:
“الخبرة والنزاهة والشجاعة والكفاءة العلمية والادارية والإيمانية والأخلاقية، والقدرة البدنية والأمانة والاخلاص والتفاني.
وعلينا أيضا كناخبين أن نختار المرشح الصالح ممن يتميز بالخصال والملكات التي يفترض أن يتحلى بها العضو إن أريد له أن ينوب عن هذا الشعب التواق للحرية والديموقراطية ونشر الرفاهية والعدل والسلام واحترام الانسانية والثروة والنظام والقانون، وفي اتخاذ القرارات المصيرية والخطيرة التي مامن شأنها أن ترقى بمستوى الوطن والمواطن في مصاف الدول المتطورة والمتحضرة، والتي تجعل من المواطن قيمة عليا في المجتمع الحضاري، ومن بعض هذه الخصال التي يفترض أن يتحلى بها العضو النيابي هي ان يكون: نزيها، وسخيا، وشريفا، وفاضلا، وأبيا، وخيرا، ورفيعا، وصادقا، وجوادا، ومقداما، ومستبشرا، ومتفائلا، ومجتهدا، ومجدا، وكادحا، وذكيا، ومتوقدا، ودؤوبا، وحليما، وعاقلا، وبارا، وحصيفا، ورزينا، وعفيفا، وفطنا، ولبيبا، ومؤدبا، ومتزنا، ومحتشما، ووقورا، ونجيبا، ونقيا، ووفيا”.
كما وعلينا، أن لاننتخب من كان يتصف بصفات: “الدناءة والخسة، والبخل والنذالة، والانحطاط والفسق،والنزر، والأفك والكذب، والشح، والتخاذل، والانزعاج، والتشاؤم، والتقاعس، والاستخفاف، والعبودية، والبلادة، والرعونة، والانقطاع، والسفه، والحماقة، والتهور، والعقوق، والهيجان، والنزق، والفجور والمجون، والبلاهة والبلادة، والغشم، والجهل والحنق، والطيش، والإبتذال، والوضاعة، والدعارة، والقذارة والوسخ، والخيانة.”
اذن ومن باب الفلاح دعونا أن نقتدي في أختياراتنا لصالح الأمور برسول الله (ص)، عندما وقع اختياره على عبد الله ابن أريقط في هجرته المصيرية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، إذ اتخذه(ص) دليلا شخصيا له في رحلته تلك، رغم أنه غير مسلم -وكان على دين كفار قريش- ولكن اختياره هذا (ص) جاء بسبب خبرة الرجل في طرق الصحراء وأقطارها، وكان هاديا خريتا -والخريت الماهر بالهداية- وهذي واحدة من أسس الاختيار السليم التي ميزت هذا الشخص عن غيره بمرافقة الرسول(ص) في احلك ظرف سياسي وأمني ومصيري في حياة الرسول(ص) وفي مصير الأمة والرسالة المحمدية السمجاء، ذلك وبسبب ” الخبرة والعلم والأمانة” كملكات تميز بها هذا الرجل حيث ثبت بالدليل القاطع انه لم يخبر أحدا عن حيثيات وأسرار تلك الرحلة على الرغم من عدم اسلامه، وتلك اسمى آيات المهنية والعلم والقوة وحفظ الأمانة وحماية الأسرار، فلنقتدي برسولنا الأكرم صلوات الله عليه وآله وسلم في حسن الاختيار.
وسنقف أيضا على بعض من المفردات المهمة التي اوردها القرآن الكريم كنماذج مميزة لحسن الاختيار والصالح من الاشخاص والخصال لتبوء مختلف المناصب السياسية والتشريعية والرسمية والاجتماعية والعسكرية لقيادة الناس وادارة شؤونهم، نذكر منها:
*قال تعالى عن لسان احدى ابنتي نبي الله شعيب(ع): {“قالت إحداهما ياأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين”} ف “القوة والأمانة” إذا توفرت بشخص ما مثلما تجسدت بشخص موسى(ع) كفيلة بانجاز المهام الجسام، وتحقق للوسط انجاز الأمور العظام، اذن ف” القوي الأمين”هو مطلب يجب توافره في المرشح.
*وقال تعالى عن لسان النبي يوسف(ع): {“قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم”}وهنا تبرز أهمية “العلم وحفظ الأمانة” التي ارتقى بها النبي يوسف(ع) إلى ارفع المناصب وحافظ على مصر وشعبها من المجاعة وتخليصها من القحط بهاتين الصفتين، أي “العلم وحفظ الأمانة”، بالأضافة إلى الملكات الاخرى.
*وقال سبجانه وتعالى عن لسان داوود(ع) أحد أنبياء بني إسرائيل ليصف القائد طالوت: {“قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم”} وكانت النتيجة أن انتصر داوود على العدو وقتل جالوت، بفضل شجاعة وخبرة القائد طالوت وتميزه عن غيره ب”العلم والجسم” السليم لأن العقل السليم في الجسم السليم، فضلا عن خبرته القتالية العسكرية وببراعته في قيادة الجيوش ولكفائته في ادارة الحروب .
لم تبق الا اياما قلائل تفصلنا عن موعد اجراء كرنفال الانتخابات التشريعية العراقية، والعالم كله يرقب نتائج هذا الكرنفال المبارك، وأملنا معلق وكبير في نجاح العرس الانتخابي هذا، وطموحنا لايتوقف عند حد نجاح الانتخابات فحسب، بل يتعدى إلى ماهو أبعد من ذلك، فنريدها أن تسفر عن ولادة حكومة أغلبية سياسية قادرة على ادارة البلاد بعيدا عن مايسمى بحكومة الشراكة الوطنية والمحاصصات التي أثبتت فشلها وعرقلة ادارة الأعمال والمنجزات، وهذا المبدأ لايتحقق إلا باختيار الصالح الذي تم تعريفه في آنفا، وقبل هذا وذاك اختيار القائمة الصالحة أيضا، وأن يكون هذا نصب عيون الناخبين لمنع تكرار تجربة مجالس النواب ومجالس الوزراء المريرة ، والحد من اتساع ظاهرتي الارهاب والفساد وحسرهما.
ولنستأنس بما تناوله ممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي في خطبته الثانية من صلاة الجمعة والتي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف في 11جمادي الآخرة 1435هـ الموافق 11/4/2014م، كإجابة للسؤال الافتراضي”من ننتخب؟” فقال وبحسب النص الذي اقتطعته منها:
{“*ننتخب .. -لاحظوا اخواني- وإن هؤلاء الذين جاؤوا الى الترشيح لابد ان لكل منهم ماضي، ويكون معروفاً بخلفية معينة .. ماضي الانسان مهم جداً في الاطمئنان للقادم من سلوكه.. عندما ارى ان هناك انسانا بحسب ماضيه مثلا ًعنده حرص على استثمار الوقت في خدمة البلد.
*وإنه ليس انساناً لعوباً او مشاغباً، بل انساناً مفكراً يعطي لعقله مساحة من التفكير، ولا يستسلم للجمود الذي قد يحصل، وانما يبقى يحرك العجلة ما دام هناك عمل ينتظره.. لا يقبل بحالة الركون والجمود وحالة السكون، وانما هو حريص فعلا ً على استثمار هذا الوقت بشكل جيد..
*من الصفات الاخرى ان يكون متفانياً في خدمة بلده والتفاني له علامات ان الانسان ليلا و نهارا يفكر من اجل البلد يحمل همومه، وان يكون مستثمراً لوقته بشكل جيد ولا يكون مقرّباً لعشيرته واقربائه واصدقائه على حساب غيره.. نحن عندما نتعنصر .. لمدينتنا ولعشيرتنا ولأقربائنا، وان ارى هؤلاء الذين اتعنصر لهم افضل من الآخرين.. هذا خطأ كبير وفاحش! وان لا ارى للآخرين كفاءة ونزاهة وقدرة. اخواني بعض المسؤولين يحاول ان يعطي اخاه مثلا ً مسؤولية في دائرته او ابن عمه او اقربائه مسؤولية .. ماذا سيحصل لو اساء هذا الاخ او ابن العم لا يجرأ على محاسبته لأنه ستكون مشكلة عائلية، وبالنتيجة سيغض النظر، واذا غض النظر ستكبر الحالة ولا يمكن ان يسيطر عليها..
الانسان لا يكون ضيّق النظر ازاء هذه المهمات.. هذا المنصب ليس لك بعنوانك الشخصي ، هذا المنصب امانة في عنقك بالأصوات التي أوصلتك، والاصوات لا تقول لك جئ بقريبك او ابن عمك .. الاصوات التي جاءت تقول لك نحن لا زلنا ننتظر اين التفاني في خدمة البلد؟
*من الصفات الاخرى ان يكون قليل السفر الا للضرورات..
*اخواني يجب ان يكون هناك تمحيص في الاختيار اذ لابد ان نكون نحن جديين في قضية الاختيار..
*استشير من تثق به بحيث يعطيك المشورة.. ولا يؤثر على القرار، على الانسان أن يكون جدّيا، وهذا المشروع مشروع مهم من اجل ان نغيّر .. يقول لا اعرف كيف اغيّر.. الانسان مثلا ً يريد ان يبني بيتاً يقول لا اعرف .. أتبقى بدون بيت او تستشير شخصاً او اثنين او اكثر يحاولوا ان يساعدوك في بناء البيت .. لابد ان نحسن الاختيار، فإنه يقلل من المشاكل وهو لا يأتي الا بالجدّية والفحص الدقيق..
*انا امارس خياري بإرادتي .. هذه مهمة مقدّسة ونبيلة وفيها امانة، والامانة من الامور التي لا تعطى لكل احد وانما هذه الامانة تعطى لمن له ماض وخبرة وله مشاركات واضحة في الحفاظ على المصالح التي اريد ان اجعلها في رقبته..
*هناك شخصيات مهمة تحافظ على مصلحة البلد اذا حدثت هناك مشكلة يحاول ان يطفيء هذه المشكلة، واذا حدث هناك تشنّجا.. عنده هذه الابوة التي يمارسها وفق الدستور والصلاحيات في سبيل ان لا يوسع شرخاً بل يحاول ان يلملم ويضمّد الجراح.. الناس تحتاج شخصيات بهذا المستوى وهؤلاء موجودون..
*نعم نحتاج دقة في الاختيار والتشخيص وان شاء الله تكون خياراتنا ونأمل من الله تعالى ان تكون خياراتنا بمستوى المسؤولية والذين نختارهم ان شاء الله سيكونون بمستوى تحمل هذه المسؤولية الملقاة على عاتقهم.”}
هذا هو رأي المرجعية الرشيدة لمن يريد أن ينتخب المرشح الصالح، ولمن يريد ابراء ذمته من الوقوع في وزر اختيار المرشح.
عموما وختاما، على الناخبين أن يحرزوا الإطمئنان في اختيار من يمثلهم من الأعضاء في قبة البرلمان، وفي أماكن صنع القرار برلمانيا وحكوميا، “بأستعمال نفس الآليات التي يتبعونها في اختيار المجتهد الجامع للشرائط عند التقليد، ليضمنوا براءة الذمة في تعبدهم لبارئهم سبحانه وتعالى”، أو من يختاروا من الناس لادارة أموالهم وأملاكهم والتصرف بها عندما يقتضي الحال لتوكيل شخص ما لهذه المهمة من خلال اعطاءه بما يسمى ب”الوكالة العامة المطلقة” والتي يصادق عليها في دائرة الكاتب العدل؟
وهل يمنح هذا التوكيل لكل من هب ودب من الناس؟.
ولاحراز الإطمئنان وتحاشي حالة إلظلم التي يتعرض لها الشعب العراقي وينتكس فيها الوطن، ولتجنب الوقوع باضاعة الأمانة الوطنية، وتجنب تكرار المأزق التشريعي الذي عانى منه العراق والعراقيين من نظام المحاصصات، ولتحاشي سوء الاختيار والوقوع بمخالب كماشة الانحياز للانحدار العائلي والعشائري والطائفي والمناطقي والحزبي والقومي، نذكر مرة أخرى وبقوة أن “عليهم أن يدققوا مليا في اختيار القائمة الصالحة والمرشح الصالح كما لو انهم يختاروا في مراجع التقليد في دينهم، ليبرؤا ذمتهم وليبروا بوطنهم وبدينهم”.
فلنكن حلا لمشكلة، ولا نبقى كجزءا من مشكلة، كما يصفنا من جعلناه ممثلا لنا لينوب عنا في صنع القرار، فجعلناه لنا عونا فصار علينا فرعونا.
ومن الله التوفيق وهو قادر على كل شيء، والحمد لله رب العالمين.