23 ديسمبر، 2024 9:45 ص

كما تراني المرآة .. بين غواية النص وإشكالية التلقي

كما تراني المرآة .. بين غواية النص وإشكالية التلقي

حينما تختفي الأغنية:
أنا نبي
لاخلف له ولاسلف
إلهة الضعف والمحبة
وكما جاء خاسرا
خاسرا سيذهب إلى الجحيم….ص7

فضاء كتابي مفتوح يتلمس إيقاع الوجود ذاته بدراميته وتعدده وتمايزه عبر الكشف الدائم للعلاقة بين مثلث الوجود (الإنسان/العالم/الجمال) .فقد يرى الكاتب إلى حالاته الخصوصية النابهة من الوعي بالذات داخل النص، والتي تتمثل لكينونة الأشياء بشكل يرى إلى تبدلاتها وتحولاتها عبر الحواس العقلية.

خواتيم:
كما أخبرتني الذبابة وهي تزحف في الماء ,جناحاها الشفافان يسيلان,أطرافها مائعة,وجسدها مثخن بالبلل.كما أخبرتني النملة ,محاطة بالماء, على جزيرة تتصاغر ,تدور وتلتقي به ثم تدور وتلتقي حتى ينقض عليها….ص33

ليست الكلمات عنده مجرد أصوات للبوح الجمالي، أو لتكوين صياغات قولية، بل إنها جواهر لأشياء الوجود لا تقف عند حدود العلاقات الأولى للأشياء وإنما تسعي لحضور الإيحاء الغائب، بمعنى أن المشهد يتواتر عبر ما هو محذوف، وعبر ما هو مغيب، وليس عبر ما هو حاضر من كلمات بالضرورة وهنا تصبح لملامسات الوعي الداخلي للكلمات قيمة قصوى في نقل مشاهد الوجود التي هي مشاهد الذات ومرئياتها و التركيز على دالات شعرية محددة وهذا التحديد يضمن للشاعر صناعة أفق جمالي / دلالي مميز.

تصفر في باب قلبي
(قلب الفريسة)
ريحك (فحيح الأفعى)
التي تبدو
سقسقة بين أغصان….ص52

هنالك حصيلة موازية من جمالية التلقي وتوقع حدوثات نصية تؤكد على التواصل بانقطاعها المتمايز عما ألفه القاريء. وتتردد هذه الدالات النصية عبر مساحات من التهويمات الفلسفية وتحميل ذلك بأبعاد جمالية، ورمزية أحيانا مما يؤدي إلى إنتاج دلالة خاصة بالكاتب ذاته. إن اتضاح الرؤية الجمالية وجلاؤها من سنن الوعي الحداثي الذي يشاقق بل ويتماهى وجوهر الوظيفة الدلالية محاولا أن ينفر الكاتب بقصدية من سطوة الواقع الثابت إلى الواقع المثالي (الفلسفي).

الطاحونة:
تتقافز التجاعيد والتغضن على سرير وجه الهرمة ,والهرم يصارع بين أن يكون فرخ دجاجة أو سكينا.هو فقاعة صابون لأنها أخبرته أن العالم بشع للغاية وظل يبحث عن كلمة أكثر بشاعة بصفة بها.لااحد يدري إلى أين ,المطمئن إلى الطريق أو الخائف وستظل الأسئلة تمتص القلب الغاطس في النجوى….ص64

إن هذه الرؤية تتمثل في معايشة حيوية عالمه الجمالي الذي لا يقف عند حد، إنه يتغير دائما، ويشهد استقصاءات موغلة في تجريبها وابتكاراتها. وهكذا توصف نصوصه بالمتعددة الأصوات لأن هذا كلا من قبيل تأويل الأنساق المضمرة للدوال ، ذلك لأن المدلول نفسه مبني في مغزاه على ذاتية العالم المتغير . وصوره المتناقضة، وثنائياته المتضادة سوى ( داخل النص و خارجه ) والقارئ حين يبدأ قرأته للنص إنما يبدأ بهذه المستويات ليتجاوزها إلى مستويات أخرى، ذات أبعاد دالة ومكثفة..

حفلة تنكرية:
ياكلبة ,أتحسبين العالم مكترثا بكلبة تلفظها المزابل وكلب يجمعه الصوت وحده بالقطيع؟ الاتنحنين للأقوى من الفحول ,فان شاخ أو غاب اوجاء أقوى أخر انحنيت له؟ثم تستعذبين الانحناء :للأدنى مع سريان الشيخوخة في جسدك….ص72

إن هذه الرؤية الجمالية تتحدد وفقا لموقف الكاتب من العالم ووفقا لمذهبه الأدبي الذي يتأثث بشكل تدريجي، تبعا للتجربة الأسلوبية التي تنضوي تحت فضاء متغير، يجسد فيه وجوده التقني ويعكس عبره أجلى ما تمثله من نماذج، وماله من معان، وما استنبطه من دلالات.

ثبت المرايا:
المرآة الأولى:
حينما تختفي الأغنية
المرآة الثانية:
صفصافة اوفيليا
المرآة الثالثة:
بصيرتي….ص87

إن الابتداع في جدة التركيب المجازي للنص (سرد/شعر)تتسم بالثراء والتنوع في محتوياتها الدلالية، تتصف بجلاء الرؤية الجمالية وتباين سياقاتها والذي قوبل من جانب آخر بسياق تلق جمالي .

• (كما تراني المرآة)، عباس منعثر، دار ازمنة-2011.