23 ديسمبر، 2024 6:31 م

كل متظاهر ارهابي

كل متظاهر ارهابي

قال لي أحد العراقيين والعهدة عليه :
المتتبع لوسائل الاعلام المختلفة والتي تمول او توجه بشكل او آخر من قبل  الافراد او الاحزاب او القوى الدينية او السياسية المتنفذة في حكم العراق خلال العامين الماضيين يلاحظ بشكل لا يقبل اللبس توجها لايهام العامة من العراقيين بان أي تظاهرة ناقدة للحكومة تنطلق في الساحة العراقية ( وبالاخص في العاصمة بغداد ) انما هي تظاهرة لافراد ارهابيين ليس الا.
ففي عام 2012 انطلقت في ساحة التحرير في قلب العاصمة العراقية بغداد ومدن عراقية عديدة تظاهرات سلمية كانت تحمل احلام وارادات شباب عراقيين ذوي قلوب وادمغة لم تلوثها امراض الطائفية والتمييز والفساد واعراض البحث عن السلطة وانما كانوا يمثلون نبض الضمير الانساني لشعب  ابتلي على مدى تاريخه الطويل بقادة ( في شتى ميادين حياته ) انتقصوا حرية وحقوق الانسان العراقي  تحت ذرائع مختلفة ، منها الدينية او المذهبية او القومية .
لم أكن احد المشاركين في تلك التظاهرات لكني كمواطن مستقل حزبيا وسياسيا كنت اشعر بان أولئك الشباب باختلاف اديانهم ومذاهبهم وانتماءاتهم الفكرية او السياسية كانوا ينطقون بما في قلبي ، فهم يدعون الى نبذ الطائفية وتنصيب مسوؤلين تكنوقراط غير منحازين في عملهم الوظيفي الا لقانون  يساوي بين الجميع وذلك لانهاء مهزلة الحياة اليومية التعيسة والمؤلمة والبائسة التي يعيشها اغلبية افراد احد أغنى دول العالم دون ان تلوح في الافق اي بوادر لانهاء المهزلة ودون وجود اي بوادر لانشاء بنى تحتية مماثلة لما موجود في دول العالم المتحضرة ، بل بلا وجود بوادر ثقافة تنحو بالمجتمع العراقي لضفاف تفهم وتقبل المساواة بين جميع المواطنين في ايام  يتواصل فيها حرق واردات وثروات العراق واذكاء الروح الطائفية في اقصى ذروتها.
شكلت هذه التظاهرات السلمية  والتي كانت تقام في يوم الجمعة من كل اسبوع مصدر صداع شديد جدا لاجهزة الحكم في العراق  لانها تمس صميم الفساد المتفشي بين المنصبين او المنتخبين كمسوؤلين في الحكومة ، وبدلا من الاستماع لمطالب تلك التظاهرات الشبابية الواعية فقد توالت شائعات اجهزة الاحزاب الحاكمة لغرض تشويه هذه التظاهرات بوسائل عديدة شتى ، كان احدها ، مثلا ، اتهام هذه التظاهرات بانها مسيسة ، ولا ادري ما الضرر في ان تكون جهة سياسية تقف وراء تلك التظاهرات ، فالمسألة ليست في كون هذه التظاهرات مسيسة ام غير مسيسة ، بل ان المسألة تكمن في هل ان مطالب تلك التظاهرات مشروعة ام لا ، علما اني لاحظت ان  عددا من شباب التظاهرة يبدون وكأنهم  يساريون في زمن اصبح كل من يتحدث عن المنطق والديمقراطية وحقوق الانسان ويبعد عن الفكر القومي الشوفيني والفكر الديني السياسي فانه يحسب يساريا او شيوعيا ذا تنظيم حزبي  وذلك ليس كامل الحقيقة ، رغم ان العديد من المثقفين العراقيين يتمنون وجود زخم قوي وفعال لليسار العراقي  وخاصة في المعارضة  .
وجه آخر من اوجه محاربة تلك التظاهرات الشبابية المستقلة تمثل بقيام القوى الدينية السياسية المتنفذة بزج عناصرها الجاهلة ثقافيا وحضاريا ضمن تلك التظاهرات ولتقوم  تلك القوى الدينية بعدها بايام بالمطالبة بايقاف تلك التظاهرات بحجة اعطاء فترة شهور كمهلة للحكومة لتعديل مسارها وهكذا تمت المساهمة بفعالية في خنق تلك التظاهرات لابقاء الوضع في العراق على ما هو عليه بل نحو الاسوء .
الضربة الاخرى التي وجهت لتلك التظاهرات الشبابية تمثلت باعدام احد المشاركين السنة فيها بعد القاء القبض عليه وتثبيت تهمة قيامه باعمال ارهابية متمثلة بقتل اعداد من الشيعة ، علما ان ذلك الشخص ( وحسبما اعلن لنا فيما بعد ) كان من العناصر الناشطة  مع العديد من الشخصيات السياسية البارزة على الساحة العراقية ، والسؤال هنا : لماذا تمت محاسبة ذلك الشخص تحديدا على افعاله تلك ( بافتراض صحة التهم المنسوبة اليه ) بعد اشتراكه في تلك التظاهرات ! ولتكتب الحكومة بعدها في ساحة التحرير عن طريق عناصر احزابها لافتات مكتوب بها نصا :
يتظاهرون وهم ارهابيون !
 ومثل هذه اللاقتات او الشعارات اضافة لما تهدف اليه من اشعال  لحرب طائفية فانها تهدف الى تشويه عام وشامل لكل من يشارك بتظاهرة تطالب بالاصلاح في العراق كما انها تحمل رسالة تهديد لكل مواطن بانه اذا تظاهر فانه سيكون تحت مجهر اعتباره ارهابيا .
الضربة النهائية القاتلة لتلك التظاهرات تمثلت باعتقال عدد من المشاركين بها واعدام احد ابرز قادتها من الشباب الشيعة نهاية عام 2012 وذلك تحت عنوان ( اغتيال ) من قبل جان مجهول ، فيما بثت في نفس الساعة العديد من الشائعات التي تسيء لشخص الضحية من قبل كتاب وسياسيين محسوبين على المتنفذين في الحكومة .
الحكومة العراقية صريحة جدا في الاعتراف بتفشي الفساد والطائفية  في جميع اركان المجتمع واجهزة الدولة  لكنها صريحة ايضا في اعتبار كل متظاهر يطالب بالاصلاح ارهابيا يجب تصفيته .