8 أبريل، 2024 10:15 م
Search
Close this search box.

كل ما هو  صعب المنال

Facebook
Twitter
LinkedIn

كل ماهو بعيد وصعب المنال  هو الأقرب لأحتلال الذات وتحطيم  ما يحيط بها . هذه المفارقة مسؤولة عن خسارة الكثير من المزاج و سنوات  العمر . يبدو ان لحظة الوصول الى الشئ هي أيذان بموته . وهي نفس اللحظة التي يبدأ فيها المرء مشوارا جديدا  يضع فيه  هدفا (بعيد المنال)  ليلهث وراءه . ويصبح الأمر نوعا  من القلق المزمن  حين يكون  الهدف شبه مستحيل  . في ظل هذه الآلية المقيتة تموت الاشياء التي تعبنا في الحصول عليها ولا يبقى لها أية  قيمة.. ولكي أكون واضحا أكثر  ينبغي ان اضرب لكم امثلة :


أم لديها خمسة أطفال . بعد جهد شاق  استطاعت ان توصل اربعة منهم الى الجامعة ,   لكن الولد الخامس  قطع الخيط  وأبى الا ان يكون ( بائع فلافل)  . بينما امه تريده ان يصبح طبيبا .. الولد الأخير لا يحب المدرسة ,  هنا بدأت مأساة الأم  وفقدت الى الأبد  متعة يومية تقدمها لها اربعة بنات ناجحات . الام تتعذب يوميا وهناك احتمال ان تصيبها جلطة في القلب  . فالولد مصر على لبس صدرية الفلافل , بينما لاتغيب صدرية الطب لحظة واحدة عن مخيلة الأم  .


 
  أب لديه زوجة تحبه وراضية فيه رغم عيوبه  ويقف الى جانبها  ستة أطفال متعلقون به  لايريدونه ان يغادرهم . لكن الاب متعلق بواحدة أخرى تعيش في (كولومبيا )  وقد  دوخه حوضها اللاتيني  المدهون بزيت   الأرغان . الاب لايقدر ان ينام  ويريد الهجرة كولومبيا لا ليقرأ ماركيز بلغته  . ولكن ليتورط  بزيجة ثانية  عابرة للقارات .

… 
تاجر عراقي  يملك  بيتا ورصيدا ماليا  ومحلا  يوفر له ولعائلته  دخلا يكفيه لخمسين سنة قادمة  . وبدل ان يتفرغ لأسعاد عائلته والدوران بهم  حوال العالم نراه يستقتل   ليكون نائبا  في البرلمان . ليس هدف التاجر هو  القضاء على الفساد فهذا ليس من أهتمامه و لايقدر عليه أصلا  ولكنه وجد ان جلوسه على مقعد  في البرلمان   مفيد للعظام  و للصحة النفسية  .   ولكي يحقق هدفه  يحتاج التاجر الى اقناع خمسين الف من العراقيين وضمان اصواتهم   . وهنا نتساءل ان كان الوصول الى مجلس النواب مفيد فعلا  للجسم    او  يساعد في عمل الكبد او البنكرياس ؟


فتاة جميلة للغاية . لديها صفحة في الفيس بوك . كل دقيقتين تصور سنتمترا مربعا من  جسمها  وتلصقه في صفحتها فتنهال عليها علامات الأعجاب ( اللايكات )  والكلمات المصاحبة لها  .. حين انتهت من السطح الخارجي لجسمها انتقلت الى الأحشاء الداخلية .  أدخلت كاميرة صغيرة الى فضاء الفم وصورت البلعوم واللوزتين  وسن العقل  والغدد اللعابية .  لصقت صورة شعاعية لهيكلها العظمي  وصورة لها وهي في بطن أمها ( سونار ) . وعندما ظهر عندها المصران الاعور  طلبت من الجراح ان يصوره لها قبل أزالته ورجته ان يصور الاحشاء المجاورة  حيث طلب احد اصدقاء الفيس بوك ان يرى أمعاءها الغليضة   . في كل مرة يعبر  معجبيها الرقم 5000  . لكنها لم تعد تفرح . لقد سئمت من كل هؤلاء ولم تعد كلماتهم ويقضتهم ومتابعتهم  الدائمة تثير أهتمامها   . انها تود ان تستبدل كل هؤلاء  ب (جورج كلوني ) . لكن الممثل العالمي  يتلقى يوميا خطابات  و ( لايكات) من فتيات اجمل منها ولا يقل عددهن  عن 5000  في الدقيقة الواحدة   ,


 
شاعرعراقي  يحوز على أعجاب الكثيرين مع كل نص يظهر للنور .  وحين ظهر ديوانه الاول  ونشر بعضا من نصوصه تلقى التهاني وعبارات  الاعجاب من 5000 قارئ مخلص ,  ومحب ,  وناقد ,  ومحلل   .  قلب الاسماء بدقة فلم يعثر على أسم  (أدونيس )  بينها   فحزن كثيرا . كان مستعدا لأستبدال جميع الكلمات التي سطرها له محبيه  بكلمة واحدة من أدونيس  . رغم ان بعض النقاد يروه  اكثر شاعرية من أدونيس نفسه  . بعد أشهر من عدم التوازن  قطع تذكرة ب ( 600 دولار ) و طار الى بيروت  لينتزع من أدونيس كلمة  . التقط معه صورة  وهو يحمل ديوانه  وحاول بشتى السبل الحصول على أي اعتراف منه  . لكن أدونيس كان بخيلا جدا معه . فاقد الشئ لا يعطيه . فأدونيس نفسه يبحث عمن يعترف به . وقد بعث أصدقاؤه  ومسوقيه  5000  رسالة  الى الاكاديمية السويدية  لكنها لم تفتح أية واحدة منها     . أما  الشاعرالعراقي فهناك اكثر من  5000  عربي مثله   يقفون في طابورعلى باب ادونيس  .
..
..   
زوج  وزوجة أفنوا  حياتهم  وصرفوا كل ما عندهم للحصول على طفل  . يحيطهم اناس فقراء محتاجون  طيبون يحبونهم بصدق ويتألمون من أجلهم  لكن الزوج وزوجته  لم يصرفا فلسا واحدا عليهم وذهب مالهم الى الاطباء والمحتالين .
 


 
كاتب لا يعبر عدد قرائه حدود الزقاق الذي يعيش فيه لكنهم يفهمون كل حرف ينطقه ويمنحونه حبا صافيا  لا غبار فيه . الكاتب يكافح من أجل  أستبدال  الزقاق بقارة أوربا و كندا و أمريكا اللاتينية  وأستراليا  و يتمنى ان يغزو روسيا  وتتترجم أعماله الى الصينية والهندية والصربية  . ليس العيب في كل هذا رغم أنه يتطلب جهدا ووقتا  وقد لا يصل أليه  لكنه حاليا يخسر الكثير  فهو  لايتمتع بأية كلمة من اصدقائه في الزقاق  .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب