المسؤولية الاخلاقية هي الركيزة الاساس التي تقوم عليها مهنة الصحافة . والمقصود بالمسؤولية الاخلاقية في هذا السياق , مجموعة من المبادئ التي ينبغي ان يتحلى بها الصحفي , وعلى راس هذه المبادئ , الالتزام. والالتزام, واجب ثابت يستلزم من الشخص القيام به والمداومة عليه لصالح شخص اخر, او لمصلحة معينة ,هو المسؤول عنها , ولا يمكن باي حال من الاحوال تركها او التخلف عن ادائها , وتوجد العديد من مجالات الالتزامات في الحياة .ولذلك كان معنى الالتزام قريبا من معنى الصدق والإخلاص والإستقامة.وقد شاع في خمسينيات القرن المنصرم مفهوم الالتزام في الشعر, وقصد به الوفاء لقضايا الامة: ( الحرية/ الوحدة/ الاشتراكية) .والالتزام, كلمة صديقة للسان , إذ نجدها حاضرة في المعجم اللغوي لكثير من الخطابات بمختلف توجهاتها وانتماءاتها , وذلك لما تكتسيه من ثقل دلالي . ولعل الخطاب الصحفي اليوم في حاجة ماسة وملحة للحرص على التمسك بفضيلة الالتزام , باعتباره القوة الاخلاقية التي تملك السلطة القادرة على توجيه القلم الصحفي الوجهة الصحيحة والمطلوبة. وهناك وجهتان مطلوبتان حتما وضرورة, يتعين على القلم الصحفي ان يولي وجهه شطرهما.
1- الوجهة الاولى: المواطن, باعتباره قوة فاعلة: من اسمى مظاهر الالتزام , وضع او جعل المواطن, ومصالحه في اعلى هرم اهتمامات القلم الصحفي. إذ لابد ان يسكب الحبر ويسخر لصالح مشاغله واهتماماته , وذلك من خلال متابعة ومواكبة احواله الاجتماعية والسياسية والتعليمية والاقتصادية , وغيرها من القضايا ذات العلاقة المباشرة بالمواطن. ومن مظاهر الالتزام ان يكون هذا القلم صوت المواطن وضميره, وان ينشد فضيلة الصدق , الذي يعد من اجل واسمى قيم الالتزام . هذا وقد مثل امر الحرص على صدق الانباء إبان العهود القديمة اهم شرط يحكم نقل النبإ والخبر , الذي كان يتم عن طريق الكلمة الشفوية المتداولة من فم إلى فم. ففي اثينا وروما القديمتين كانت الاحاديث المتداولة في الاماكن العامة والحمامات وحلبات الرياضة ,القنوات التواصلية الاساس المعتمدة في نقل الاخبار, شريطة ان تكون اخبارا صادقة , تحترم عقول وعواطف الجمهور المتلقي. وعلى هذا الاساس يمكن القول ان التزام صدق الحديث كان قيمة اخلاقية نبيلة انسجمت والطبع الإنساني وشاكلته, واستقرت في عمق الضمير الإنساني الجمعي منذ الامس البعيد وإلى اليوم . إلا ان بعض الاقلام لا تجتهد في تحري الصدق احيانا بالقدر المطلوب , إما سهوا العنوة , فتكون بذلك المادة الصحفية مزيجا بين الصدق والكذب , وهو سلوك مجا في ومنافي لمبدا الإد لتزأم ,إذ هو عهد وعقد بين القلم وصاحبه وبين المستقبلين الذين يشكلون عبر فعل التلقي, نقاط اتصال جديدة لا فراد جدد اخرين.حيث يتم التفاعل بين الإيصال الجماهيري والاتصال الشخصي بشكل مستمر ودائري, مما يؤدي إلى انتشار الخبر او الاخبار بسرعة كبيرة ,وهو امر مصحوب باثر قد يكون سلبيا واو إيجابيا على قطاع عريض من المتلقين. هذا ويرى احد الاساتذة المهتمين بالشأن الإعلامي ان الالتزام الصحفي, بتم باعتماد قيم ضرورية لصياغة وصناعة المادة الصحفية وذلك في قالب يثير انتباه واهتمام المتلقي.(لا جل ذ لك ينبغي ان يصل اثر القلم الصحفي وبقوة إلى عقل المتلقي لإيقاظه , وإلى عاطفته لتحريكها واستمالتها , وإلى رايه لتبيثه او تعديله . وهذا صنيع يتطلب الحجة للإقناع , والاسلوب للإبلاغ , والنقد للهدم والبناء.) من خلال استنطاق البنية النصية لمنطوق الراي او القول, يتضح انه يتضمن كلمات مفاتيح , هي اساس او قاعدة بناء المادة الصحفية. وهي:
1- عقل المتلقي لإيقاظه: إيقاظ العقل يتم بقوة التفاعل الحاصل بين العقل والمادة بفعل عملية الإدراك . فإذا كان مضمون المادة يتمتع بالقوة النابعة من قضايا ذات ابعاد تستأثر باهتمام المتلقي استيقظ عقله تلقائيا , وتلقف المادة او القضية المثارة قصد الدراسة والنظر.
2- تحريك العاطفة واستمالتها : يتوقف فعل تحريك العاطفة على قوة تأثير كبيرة , تكون مبثوثة بين تضاعيف وثنايا المادة الحاملة للقضايا. وضئيلة هي الاقلام التي تفلح في تحريك العاطفة , لا نها مهمة شاقة, لا يؤديها إلا القلم المتمرس . والتحريك فعل قبلي يسبق فعل الاستجابة من قبل المستهدف. ولعله إنجاز غاية في الاهمية ,وذلك لان عاطفة المرسل إليه تكون بين انامل القلم المتحكم وبقوة فيها, وذلك بناء على ذكائه ودهائه, إذ احيانا تكون المادة الصحفية في حاجة إلى استدعاء العواطف لا مر الآمور تطلبها الحاجة الماسة , كفعل حشد التعاطف في شان امر إنساني يهم الوطن والمواطن. هذا ويعتبر امر التحكم في المشاعر سلطة او قدرة لسانية فكرية منحت لا هل الفكر واللسان. يحكى عن الفيلسوف المسلم الفارابي, انه كان يكلم الناس فيبكيهم , وفي الان نفسه يضحكهم.
3- تثبيت وتعديل الراي: يتعلق امر التثبيت بقضية او حدث او واقعة, اثيرت, وقيل عنها الكثير ,فاختلط صدق الحديث بكذبه. إذ في هذه الحالة , يكون القلم الصحفي الكاشف هو القادر على توجيه فكالمتقبل ومساعدته على بناء قناعته وذلك فيما يخص تثبيت الراي او العدول عنه إلى راي اكثر صوابا واشد وضوحا.
4- الحجة المقنعة: القلم الصحفي يشتد عوده , ويقوى جسمه , بقوة الحجج التي تكون بحوزته , إذ لا يمكن لمضامين القضايا المثارة من قبل القلم ان تلقى القبول لدى العقل الناظر إلا بسند قوي من الحجج, وإلا سيبد والكلام نضو.
5- الاسلوب: طريقة القلم في تنا ول المادة وكيفية تقديمها على مائدة الإستهلاك.ليكون طعمها واكلها شهيا للاكلين.ولاينبغي ان يعزب عن بال القرئ الكريم , ما للأسلوب إن كان محكما من اثر على وجدان المتلقي , إذ تستدرجه لذة القراءة من حيث لا يشعر نحو الهدف المتمثل في التفاعل مع المادة الحاملة للمضامين.
6- النقد للهدم والبناء: يعد فعلا الهدم والبناء من صمبم فضيلة الالتزام ,إذ يتوجب على القلم او المسؤول عنه ان يمتلك حاسة نقدية يكون بوسعها , بحكم التجربة والمراس , الكشف عما يعتري القضية او القضايا من خلل او اضطراب ومعالجته وفق المطلوب , وذلك في حدود ما تسمح به اخلاقيات المهنة. وبعد ان تتوفر المعطيات الضرورية المطلوبة , المسندة بالأدلة والبراهين المؤيدة للراي , وقتئذ يحق الهدم , وذلك بحجة إعادة البناء.
2-الوجهة الثانية : الوطن: ينبغي ان يكون القلم الصحفي هو العين الساهرة على مصلحة الوطن . وذلك من خلال مواكبة احداثه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية , وان يكون القناة التواصلية بين الوطن والمواطن. فوظيفة القلم النبيلة تكمن في تقوية العلاقة بين المواطن والوطن , قصد تعميق وترسيخ فضيلة الانتماء, من خلال بناء ثقافة مواطنة , فلسفتها , الوطن في خدمة المواطن, والمواطن في خدمة الوطن . إن مهمة الاقلام الصحفية مهمة إنسانية نبيلة تقوم على فعالية البناء , وذلك وفق ما تقتضيه القيم الاخلاقية والإنسانية . كما تقوم في الان نفسه على الية الهدم. اي هدم كل ما لا يوافق العقل والعلم والسلم والشرائع الإنسانية الضامنة لحقوق الإنسان والاوطان .يقول احد الباحثين في ميدان علم الاجتماع السياسي(مهمة الصحفي مهمة نبيلة ,إذ يستطيع قلمه ان يتحدث عن الفرد وعن الجماعة وعن الإنسانية بدون حرج, وان يتكلم في السياسة والاجتماع والاقتصاد. وهذ شان لا يتوفر لكثير غيره. فعليه إذن , ان يكون لسانا صادقا وضميرا مخلصا , وعينا ترى من منظور الصدق والمهنية)ان هذه الخصائص المميزة للخطاب الصحفي, هي , حقيقة ,شرف وتقدير لمهنة الصحافة واهلها), فلهم كل التقدير.