23 ديسمبر، 2024 5:17 ص

كل شيء هاديء على الجبهة المقدادية

كل شيء هاديء على الجبهة المقدادية

قال الشاعر معروف الرصافي:
قد كان لي وطـــن أبكي لنكبته واليوم لا وطـن عندي ولا سكن ولا أرى في بلاد كنت أسكنها إلا حثالة ناس قاءها الزمــــــــن
كثير من الجرائم التي ارتكبت من قبل الجيش العراقي والميليشيات المتجحفلة معه في صلاح الدين والفلوجة وديالى مرت بهدوء وخفة بين رموش الشرعية الدولية فلم توقظها من نومها العميق، ولا من شخيرها الذي بدأ يقلقنا ويصاحبنا ليل نهار، كأن الأمين العام للأمم المتحدة نقل خلال زيارته الأخيرة للعراق وباء القلق الملازم له ليصينا به. ولكن الأحداث التي جرت مؤخراا في المقدادية أيقظت الجميع بما فيهم الأمين العام الذي عبر عن قلقه كالعادة، مع ان موقف المنظمات الحكومية كان أكثر جرأة من الأمين العام، حيث وضعت النقاط على الحروف، وحَصرت المسؤولية بالشلل الحكومي من جهة، ووحشية الحشد الشعبي وتسيب عناصره من جهة أخرى، ذلك التسيب المرير الذي تجاوز كل الثوابت الوطنية والدينية والأخلاقية.

لم تكن اليقظة الدولية بسبب هول الجريمة وفداحة الخسائر البشرية والمادية، ولا بسبب الموقف الإنتهازي لجحوش أهل السنة في البرلمان بعد أن فضحوا أنفسهم بأنفسهم عندما أعلن النائب عن تحالف القوى العراقية (عبد العظيم عجمان) بأن” ما يقف وراء المطالبة بالحماية الدولية لمحافظة ديالى كان ورقة ضغط على حيدر العبادي، وان رئيس الحكومة قد فهم الرسالة جيدا، ولولا هذه الطريقة لما وصلنا الى تلك الإجراءات”.

في حقيقة الأمر لا نعرف ماهي النتائج الباهرة التي توصل إليها التحالف المزيف بعد إستخدام ورقة الضغظ التي نوه عنها العجمان؟ كان من المفروض بالجحش السني أن يوضحها لنا. يعني هل تشكيل خلية من قادة جميعهم من شيعة السلطة لدراسة الموضوع يعتبر برأيه من ثمار ورقة الضغط الناضجة؟ هل ما ذكره حيدر العبادي بأن “الحكومة أعادت النظر في القوات الأمنية في قضاء المقدادية في ديالى، وتسعى لتدريب الشرطة المحلية هناك” هو الحل الأمثل لمعالجة المجزرة بالطبع اللاحقة وليست الحالية؟ علما ان العبادي سبق أن أعلن بأن الإعلام غالى في موضوع مجزرة المقدادية وأعطى موقفه الواضح من المسألة وبعدها أشاد بالحشد الطائفي.

نسأل الجحش السني: أين نتائج إغتيال المئات من شيوخ أهل السنة سيما في البصرة؟ واين نتائج المذابح في الحويجة والفلوجة والموصل والزركة التي طالت اهل السنة والشيعة من غير أتباع ولاية الفقيه؟ هل يظن الجحش أن الخلية سوف تحاسب المجرمين المنشورة صورهم في وسائل الإعلام ويعرفهم أهل الديمقراطية بالإسم والوجه؟ هل تتمكن الخلية من معرفة مصير المئات ممن أختطفهم الحشد الشعبي من أهل المقدادية؟ هل ستتعامل الخلية إنسانيا مع أهل المغدورين علما أن تعويضات قتلى سبايكر وخان بني سعد لم تُحل بعد؟

بلا أدنى شك أفرزت مذبحة المقدادية جملة من الملاحظات المهمة التي لا بد من التوقف عندها:

1. ما يزال نوري المالكي هو الحاكم الفعلي للعراق ويعاونه في ذلك هادي العامري وابو مهدي المهندس وقيس الخزعلي واكرم الكعبي علاوة على السفير الإيراني في العراق، بعد أن إنتهى أمر الجنرال سليماني وصار عفريتا يتحدث عنه الناس ولا يروه. فقد أثبتت عملية إختطاف القطرين وفشل الحكومة في تفاوضها مع ميليشيا حزب الله لإطلاق سراحهم، بأن الميليشيات صارت هي صاحبة القرار الرئيس وليس رئيس الحكومة، ولا أحد يجهل بأن هذه المليشيات تأتمر بإمرة الولي الفقيه وممثلة الرسمي في العراق رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

2. ان التصريحات التي بدأ يطلقها زعماء الحشد الشعبي تعيد الذاكرة تجربة الحرس الثوري الإيراني الذي تخضع لأمرته كافة السلطات في إيران، والحشد الشعبي اليوم من الأصح أن يطلق عليه (الحرس الثوري العراقي) لإنه نسخة طبق الأصل من الحرس الثوري الإيراني، وأن الحرس الثوري الإيراني يخضع للولي الفقيه، والحرس الثوري العراقي يخضع للولي الفقيه أيضا مع ان مؤسسه هو المرجع الشيعي علي السيستاني، لكن بوصلة الحشد كما يظهر من تصريحات زعمائه تجاوزت مرجعية النجف، وهذا ما يظهر من خلال تصريحات (أبو آلاء الولائي) الأمين العام لميليشيا كتائب سيد الشهداء بقوله أن تكليف الميليشيا” من ولايه الفقيه بغض النظر عن الرقعة الجغرافية” بمعنى ان الولي الفقيه ان أمرهم بقتال جيش العبادي فأنهم سيلبون الدعوة بلا نقاش. وهذه حالة نادرة لا يمكن أن تحصل في دولة لها سيادة وكرامة وطنية، أو تحترم نفسها، لأن هذا التصريح يعتبر خيانة عظمى.

3. يبدو ان حيدر العبادي قد فهم الدرس جيدا، وكذلك يفترض بالشعب العراقي المخدر بأفيون المرجعية، الشعب يفترض أن يعرف بأن رئيس الحكومة عندما إحتجزه الحشد الشعبي في المقدادية توسط عند نوري المالكي لفك أسره؟ بمعنى ان عنتريات العبادي الإعلامية ضد المالكي ليست اكثر من هواء في شبك. العبادي غير قادر على فتح ملفات الفساد للمالكي وحكومته، ليس لأنه شريك في الفساد فحسب، بل لأنه يعلم أنه لولا الضعوط الأمريكيه لركله المالكي الى خارج المنطقة الخضراء.

4. يبدو ان موضوع نفوذ الحشد الشعبي صار أمرا واقعا ومقبولا من قبل جميع الأطراف الحاكمة بما فيهم جحوش أهل السنة في البرلمان والحكومة، وهذا ما تكشف عبر لقاءات الرئيس العراقي ورئيس البرلمان بقادة الحشد الشعبي ومناقشتهم للأوضاع الأمنية في المحافظات الساخنة، والدفاع عن الحشد بطريقة مبتذلة فيها الكثير من الرياء والنفاق والتزلف.

5. الأنكى منه أن موضوع الحشد صار موضوعا مقبولا في التعامل الدولي من قبل الدول الحليفة والأمم المتحدة، فالأمين العام وقرقوزه في العراق غير قلقين هذه المرة من التعامل من ميليشيا الحشد الشعب جهرا وليس سرا. فقد أشار المتحدث بإسم التحالف الدولي (ستيف وارن) في 27/1/2016 بأن ” التحالف يعمل جنب الى جنب مع الجيش والحشد الشعبي في بيجي وتكريت، عملنا معما سوية مع الحشد الشعبي ووفرنا لهما الغطاء الجوي”. كما أن ممثل الأمين العام القرقوز (يان كوبيتش) إلتقى في 25/1/2016 مع زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي في مقر الأخير، وهي حالة نادرة في تأريخ الأمم المتحدة، تبين مستوى الإبتذال الذي إنحدرت اليه الشرعية الدولية.

6. في الوقت الذي ندد فيه الصوت الشيعي المعتدل آية الله الحسن الصرخي بالعمليات الوحشية التي طالت أهل المقدادية بقوله” وقعت في المقدادية جريمة كبرى، وهي واحدة من مئات الجرائم التي وَقَعَت وتَقَعُ على العراقيّين، نؤكد إنّ كلَّ جريمةٍ وظلمٍ وانتهاكِ حُرماتٍ قبيحٌ ومحرّمٌ ومُدانٌ، ،سواء أصدر من الشيعي أم السني أو من المسلم أم غير المسلم. إنَّ الحديث عن الحشد وما يصدر عنه، لابد أن يستندَ ويتأصّلَ من كون الحشد، جزءاً من المؤسسة العسكرية وتحت سلطة رئيس الحكومة وقائد قواتها المسلحة، وقد تشكّل بأمر وفتوى المرجع السيستاني، ولا يمكن الفصل بين الحشد والسلطة الحاكمة والمرجع وفتواه” وأضاف “من عنده كلام عن الحشد وأفعاله من ذم أو نَقْدٍ أو اتّهامات بتطهيرٍ عِرْقِيٍّ طائفِيٍّ وتهديمِ مساجد وتهجيرِ عوائل وأعمال قتل وسلب ونهب، وغيرها من دعاوى واتهامات، فَعَلَيْه أن يوجّه كلامَه وسؤالَه ومساءلتَه لشخص السيستاني، مؤسّسِ الحَشْد وزعيمِه الروحي وقائِدِه وصمّامِ أمانِهِ”.

فأن مرجعية النجف بإعتبارها المسؤول الأولى عن نشأة الحشد الذي تسلل من يدها كما يتسلل الماء من الأصابع، حاولت النأي عن جرائم الحشد الشعبي في المقدادية. هذه المرجعية سبق أن أثارت الأمة في مقتل الشيخ السعودي نمر النمر، لكن مقتل المئات من أهل المقدادية لم يوخز ضميرها، ومع هذا هناك من يصفها بكل صفاقة بأنها صمام أمان الشعب! هل عرف الشعب الأمان منذ الغزو

لحد الآن؟ وأن كانت المرجعية صمام الأمان مع كل هذه الفوضى، فما عسى أن نترقب أكثر؟ فعلا صح القول:

قتل امرء في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر

إن مسألة “اعادة النظر” التي تحدث عنها العبادي في موضوع القطعان المسلحة العاطلة عن العمل والحركة فعلا مسألة فيها نظر!