تحت عنوان ( الدولار يهبط أمام معظم العملات الكبرى ) ، تناقلت وكالات الأنباء العالمية ومنها وكالة ( المعلومة ) خبر هبوط الدولار أمام معظم العملات الكبرى أمس ( الجمعة ) مع ترقب المستثمرين لبيانات الوظائف في القطاعات غير الزراعية بالولايات المتحدة للحصول على إشارات حول متانة الاقتصاد الأمريكي ، وكانت العملة الأمريكية حققت ارتفاعات متتالية أمام سلة من العملات منذ التصويت في بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي تراجع فيه الجنيه الإسترليني واليورو والعملات التي تنطوي على مخاطر عالية ومن بينها الدولار الاسترالي ، وفي جلسات صباح الجمعة انخفض مؤشر الدولار 0.2 بالمائة إلى 96.167 نقطة وارتفع اليورو 0.1 بالمائة إلى 1.1067 دولار في حين زاد الإسترليني 0.2 % إلى 1.2935 دولار بعد أن هوت العملة البريطانية لأكثر من 13 % بعد نجاح التصويت البريطاني لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي يوم 23 حزيران الماضي ، وتبددت المكاسب التي حققها الين ( أكبر المستفيدين من التعاملات المتقلبة التي أعقبت الانفصال البريطاني ) في التعاملات المبكرة في أوروبا ليجري تداول العملة اليابانية دون تغير يذكر أمام الدولار عند 100.66 ين ، وتماسك الجنيه الإسترليني امس قرب أدنى مستوى في 31 عاما حيث ارتفع 0.1 بالمائة إلى 1.2930 دولار ليظل منخفضا بنحو 13 % عن مستواه قبل التصويت لصالح الانفصال البريطاني ، وهبط الإسترليني دون 1.30 دولار للمرة الأولى منذ 1985 في وقت سابق من نهاية الأسبوع الماضي وظل إلى حد بعيد دون ذلك المستوى منذ ذلك الحين وسجل 1.2798 دولار يوم الأربعاء الماضي .
ورغم إن حساباتنا الوطنية اغلبها إن لم نقل جميعها مقومة بالدولار لأن الإيرادات النفطية بالدولار هي من ابرز مدخلات العراق من بيع النفط ، ومنذ 2003 تودع في صندوق تنمية العراق (DFI) ضمن سلسلة المصارف الأمريكية لحماية أموال العراق من المطالبات وغيرها ، ورغم وضوح سياسة الدولرة في معظم التعاملات المالية الخارجية والداخلية للعراق بحيث إن اغلب المسؤولين حين يتحدثون عن أرقام يقومون بذكرها بالدولار ثم يقدرون قيمتها بما يعادل الدينار العراقي ، إلا إننا لم نسمع أو نلمس يوما إن اقتصادنا الوطني قد تأثر يوما بارتفاع قيمة الدولار عندما كانت تصل مبيعات النفط لأكثر من 120 مليار دولار سنويا قبل انخفاض أسعار النفط في سنة 2014 للأسباب غير المعروفة لغالبية الجمهور ، فكل ما يلمسه المواطن انه يدفع أكثر بالدينار عند شراء السلع والخدمات وعندما يسأل عن سبب ارتفاع الطماطة يقولون له بان أسعار صرف الدولار قد ارتفعت في الأسواق العالمية ، وهي طريقة لم تنطل على ابسط مواطن لان الجميع باتوا يعرفون بان مبيعات العراق من النفط تحول إلى وزارة المالية والأخيرة تقوم بدفع قيمة المشتريات الخارجية للدولة إلى مصرف التجارة العراقي TBI وتعطي للبنك المركزي العراقي الدولار الذي يأتينا من الخارج لغرض تحويله إلى الدينار العراقي للإنفاق على أبواب الموازنة الاتحادية ، والطريقة التي يتم بها تحويل الدولار إلى الدينار هو عن طريق ( مزاد ) البنك المركزي العراقي الذي هو ليس مزادا قط ، إذ تأتي المصارف وشركات الصيرفة ( الأهلية ) نفسها يوميا التي لا يزيد عددها حاليا عن 50 وهي عبارة عن ( دكاكين ) لكي تستبدل الدينار بالدولار ، فهي تعطي للمركزي الدينار العراقي وتستلم بدلا عنه الدولار وبسعر ثابت لا يزيد ولا ينقص أثناء التحويل ولكنه يتحول إلى مزاد حقيقي خارج البنك المركزي العراقي (برأس ولد الخايبة من أبناء الشعب ) وهي مبالغ ليست قليلة لأنها تصل إلى 140 مليون دولار يوميا كمعدل .
والدولار كما معروض في أعلاه ، قابل للارتفاع والانخفاض من حيث قيمته ويخضع لآليات العرض والطلب وهي مسالة سائدة في العالم بأسره عدا العراق ، فقيمة الدولار مقابل الدينار العراقي علاقة متفردة بالفعل لان الدولار هو من يرتفع دائما بينما من المستحيل أو النادر أن ترتفع قيمة الدينار العراقي ، فرغم إن المصدر الوحيد للدولار في العراق هي مبيعات البنك المركزي العراقي الذي يبيعه للشركات والمصارف ( المجازة ) و الخاضعة بموجب القانون إلى سلطته بسعر 1182 دينار لكل دولار في البيع التقدي و1190 دينار لكل دولار قي الآجل ، فان السعر الحقيقي في الأسواق المحلية خارج التسعيرة الرسمية هو 1280 دينار ( بتاريخ اليوم مثلا ) ، وكما ذكرنا في مقالتنا المنشورة بهذا الموقع بتاريخ 12 / 6 / 2016 فإننا نتحدى أجهزة البنك المركزي العراقي بان تلزم الجهات الأهلية التي تشتري منه الدولار بالسعر الذي حددته للبيع بالأسواق وهو 1200 دينار لكل دولار استنادا للبيان الذي أصدره المركزي بتاريخ 9 / 6 / 2016 والذي هدد فيه باتخاذ إجراءات بحق المخالفين ، وها هو المركزي يعجز عن اتخاذ أي إجراء للالتزام أسعار الصرف رغم انه لم يوقف مبيعاته في الجلسات اليومية فالسعر لم يصل إلى 1250 منذ صدور البيان لغاية اليوم ، والبنك ماض في البيع يوميا وقد باع في جلسة 5/ 7 / 2016 بما يقارب 139 مليون دولار بنفس الأسعار المعتمدة أعلاه ، ويدل ذلك إن الدولار في العراق ( مستقل ) عن الدولار قي أي مكان في العالم بشكل يشير الى الفشل الواضح في عمل الأجهزة المعنية للرقابة على أسعار الصرف ، فلا نحن نساير أسواق المال العالمية بالصعود أو النزول لكي يجني اقتصادنا فوائد التذبذبات ، ولا نحن نحافظ على سياسة مستقرة بأسعار الصرف لحماية المواطن من الفروقات ولا نحن نحافظ على الاحتياطيات لأيام الشدة ، وفي ظل خلو الساحة من تلك السياسات فان الفراغ يتم إشغاله من قبل ( الحيتان ) ، فهم الذين يجنون الفوائد ليس من جهودهم وإنما من المساحة المؤجرة لهم مجانا لكي يأخذوا من حصة الاقتصاد الوطني والمواطن العراقي ، وهي مسألة ليست جديدة وإنما باتت مزمنة لان عمرها أكثر من 12 عام وربما تستمر لأمد غير محدود إن بقيت دون معالجات .