يمتلئ الكون من حولنا، ما لا يسعه عقل ولا يحويه خيال، وهذا في كل صغيرة وكبيرة مما يحيط بنا من الحقائق المرئية، أما الحقائق التي لاتراها العيون ولاتدركها العقول فهي أكثر من ذلك بكثير، وقد صور شاعر هذا حين أنشد:
الكون مشحون بأسرار إذا
حاولت تفسيرا لها أعياكا
وفي تنوع المجتمعات بأجناسها ولغاتها وألوانها حكمة كبيرة، وقد قال تعالى: “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”. وروي عن النبي (ص) قوله: (الخلق كلهم عيال الله واحبهم الى الله احبهم الى خلقه). وعن الإمام علي (ع) في نهج البلاغة -وكل نهجه بلاغة- قوله الى مالك بن الأشتر: (يا مالك إن الناس صنفان؛ إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).
من هذا كله يتوجب على كل فرد منا ان يتعايش مع أخيه الإنسان في جميع بقاع المعمورة بروح الأخوة والتعاون بما يرضي الله، وعلى وجه الخصوص الذي توكل اليه مسؤولية قيادة مجتمع صغيرا كان ام كبيرا! فهو سيُسأل عن رعيته حتما ويثاب ان رعاها ويعاقب ان لم يرعها، اما غير رعيته فيتحتم عليه المعاملة معها بالحسنى، ومد يد الغوث والعون اليها عند تقلبات الأقدار عليها، وبذا يكون قد انتهج نهج الله ونبيه ووصيه، في صنع المعروف، بصرف النظر عن مردوده الآني والدنيوي لديه، فمن أدخل في حساباته ربح الدنيا فقط، عليه اتباع قول الشاعر:
من يصنع المعروف في غير موضعه
يجد حمده ذما عليه ويندم
أما الذي يضع في حساباته خدمة الناس دون البحث عن نفع وريع فوري، فعليه اتباع القائل:
اصنع المعروف ولو في غير موضعه
لايضيع معروف بين الله والناس
ويبدو أن مثلنا القائل: (كل حلو بيه لوله) والذي اعتدنا سماعه في حياتنا اليومية أنّى نكون في عراقنا، يحمل بين طياته من المعاني اثنين؛ الظاهر منهما ذم، فاللولة هي شائبة تلحق او تُلصق بشخص ما، وقطعا هذا أمر بديهي، فما من أحد منا يخلو من عيب بشكل او بآخر، وبدرجة أو بأخرى، ومن يبحث عن إنسان بلا “لوله” يعود من بحثه خالي الوفاض حتما، وقد قال شاعر:
ولست بمستبق أخا لاتلمه
على شعث أي الرجال المهذب
أما الباطن من المعنيين فهو إقرار بأنه جميل وهذه “اللولة” لامناص من وجودها ضمن خصاله، ولامنقصة فيها لابن آدم إذ الكمال لله وحده. وبذا يكون الجانب السلبي في حياتنا موجودا شئنا أم أبينا، ومحظوظ من تمكن من مواراته وعدم تفعيله كي لايراه من هم بمعيته ويلمسونه فتُحتسب حينها نقطة ضده، والذي يحدث في بلدنا اليوم لم نكن نعهده من قبل فيه، وأراه محكا لنا ليتبين معدن كل منا على حقيقته.
ماساقني للحديث عن المعروف ومردوداته في الدنيا والآخرة، هو عناد ساستنا وأصحاب الشأن في القرار العراقي فيما هم ماضون فيه من إضرار متعمد بالبلد، وإصرار أولي الأمر على دفع عجلته نكوصا وانحدارا فيما يدور من أحداث سياسية واجتماعية فيه، وقطعا كل هذا يدفع ثمنه المواطن المسكين لاغير، وعنادهم وإصرارهم هذا لم تنفع فيه الدوافع الوطنية ولا المهنية ولا الأخلاقية ولاحتى الإنسانية، ولم ينصاعوا لحرام او عيب فيما يعملون، حتى أنهم لم يتخذوا من المعروف نهجا يديرون من خلاله واجباتهم على أقل تقدير، وأظن المواطن يرضى بالنزر اليسير مما يجودون به ولو من باب المعروف، فهل هم فاعلون؟ أم أن “اللولة” هي سجيتهم وطبيعتهم وديدن أخلاقهم في كل ما يفعلون!.