على مر الزمان، بين شواهد المكان، مرت على بلادنا أحزاب كثيرة، منها من تألقت بعطائها لفترة قليلة، ومنها من جعلت الأيام مقبرتها ولم ترَ النور، وجميع هذه الأحزاب لم تضع بصمة واضحة، رغم توفر كل السبل، للنهوض بأفكارها ومبادئها، وتطبيقها على أرض الواقع.
المقابر الجماعية، والسجون السرية، وأماكن التعذيب المظلمة، وسرقة المال العام، وزرع الطائفية، وهتك الأعراض، والتسقيط السياسي المتعمد، وتهم باطلة نالت حتى من المرجعية الرشيدة، كلها شواهد حية ومؤثرة، مازالت تمارس الى يومنا هذا.
عملية إحتلال المناصب العليا في الدولة، دون مؤشرات موضوعية، ومؤهلات واقعية، جعلت العراق بلداً للعجائب والمصائب، فالمسيرة الخالدة التي أسس بنيانها القادة الأوائل، في الأحزاب المعارضة، للنظام القمعي، والخطط الموضوعية والجادة، للنهوض بالعراق، والوصول به الى بر الأمان، شعارات لم تر النور ولم تراه! فكانت مفاجئة كبيرة، وهي غير سارة، للمواطنين البسطاء، الذين تأملوا خيرا بها، بسبب التخبط؛ والإنحلال السياسي داخل الأحزاب!
كل ما نادى به السياسون، من إصلاحات ومساواة، أثبت فشله بعد جلوسهم على كرسي الحكم، ومسك دفة القيادة، التي أصبحت المحك الحقيقي، لكشف معادن الرجال المتصدرين داخل الاحزاب، وتسنمهم مناصب عليا في الدولة العراقية الحديثة، لأن طريق المحاصصة مشروع فاشل فهو مشروع خال من الشعب، وبعد (2003) أوفدت أمريكا ديمقراطيتها الملطخة بالدم، وأهدافها الخبيثة، للسيطرة على موارد النفط، ونهب ثروات العراق، على حساب المواطن الفقير، فذاق الأبرياء وبال فساد الساسة والخونة.
إن الثمن الذي دفعه الشعب كان غالياً جداً؛ بسبب الصراعات، التي ولدت من جراء تقسيم الغنائم الموجودة، في بلد يعتبر من أغنى الدول في المنطقة، وصناعة الموت التي روج لها الطغاة بقوة، مما نتج عنها دين متطرف، إرهابي، وقاتل بحجم (داعش)، وهو وليد التنازعات الحزبية الضيقة، بين سياسين كل همهم جمع الأموال، وملئ جيوبهم وخزائنهم، تاركين العراق دون حماية، وحدود مشرعة للقتلة والمرتزقة، يدخلون ويخرجون متى ما شاءوا.
عندما وطئت تلك الآفة العفنة (داعش) أرض العراق، بمباركة الساسة، توقعت أن يكون العراق لقمة سائغة، فرؤوسهم الخاوية ملئت بتخرصات وأباطيل، مفادها دعونا نمزق نسيج الوطن، ونحكم بحد السيف، على أنها أوهام قابعة في أدمغتهم الملوثة، لكنهم لم يجدوا مهرباً، غير الموت الزؤام، على يد غيارى الحشد الشعبي، وأبطال القوات الأمنية، ورجال العشائر الأصيلة، رغم ما توفر لهم من حواضن فاسدة، حاولت النيل من بلدنا، لإخفاء سرقاتهم، وجرائمهم البشعة بحق الأبرياء، وتحويل الأنظار عن حجم الخطر الإرهابي، متناسين أنهم مَنْ صنع هذا المرض الخبيث.
ختاماً: إنتفاضة وتلحقها إنتفاضة، وصوت يعلو مطالباً بالحرية والخلاص، من شر هذه القيادات الفاشلة، وتحويلهم الى القضاء، ومحاسبة المفسدين والقتلة، إنه وطننا فالشعوب تبقى ويمضي الطغاة.