المقصود هنا بالدينيين هم أتباع الديانات الإبراهيمية أو التوحيدية، أي أولئك الذين يؤمنون بالله والحياة ما بعد الحياة وما فيها من جزاء وبالنبوات، ويمكن ضم الأديان التوحيدية الأخرى، كالمندائية والزرادشتية والإيزيدية وغيرها. على ضوء ما مر وجدنا أن من الطبيعي أن يكون كل الدينيين إلهيين، ولكن ليس كل الإلهيين دينيين، فمن الإلهيين من هم إلهيون لادينيون. لكن يمكن القول – أو هذا ما أزعمه – أن الإلهي اللاديني أقدر على أن تكون إلهيته نقية وغير مشوبة، لأن إلهية الديني مشوبة بالضرورة بشوائب الدين، بينما الإلهي اللاديني أقرب إلى احتمال أن تكون إلهيته منزهة ونقية وغير مشوبة، لأنه ينزه الله من شوائب الدين، دون أن يعني ذلك أنه من غير الممكن أن تكون إلهيته مشوبة أيضا، ولكن بشوائب من نوع آخر، مع فارق إن شوائبه غير مقدسة، أي غير مدعى انتسابها إلى الله، كما هو الحال مع شوائب الدين، سواء كانت شوائب أصيلة أو شوائب مكتسبة عبر عمليات الفهم والاجتهاد والاستنباط البشرية. ثم لكونه فكرا بشريا يقر بالنسبية، فهو ليست له مقولات نهائية وحقائق مطلقة. وإني إنما أزعم أن اللاديني أقدر على الاقتراب من الإلهية النقية غير المشوبة، لأنه حقق شرطا من شروط النقاء، ألا هو نفيه للدين، وتنزيهه لله عن مقولات الدين، وإزاحته هذا الصنم القائم بينه وبين الله، ألا هو الدين، لتكون علاقته بالله ربه مباشرة، وليست بواسطة، إلا واسطة العقل والفطرة الإنسانية، والمعبَّر عنها قرآنيا بالروح الإلهية المنفوخة من الله في الإنسان. فهو مستغن عمن يقربه إلى الله زلفى من أصنام أو أوثان متلبسة بصور شتى، كصور الدين والوحي، والكتب والنصوص المقدسة، أو صور الأنبياء والرسل والأوصياء والأولياء والقديسين والرهبان والكهنة، أو صور الطقوس والشعائر، أو الشرائع والأحكام، أو الشفاعات والمراقد والقبور والرموز.