عندما تكون القضايا كبيرة ومهمة وخطيرة , وتتطلب بحوثا ودراسات , وتحتاج الى دقّة في تحديد الاهداف ورسم الخطط الستراتيجية, ووضع البرامج وتنفيذها ومراقبتها بدقة . عندما تكون الحال هكذا , يُنصح دائما , بل يُفرض على الجهات المستفيدة ان تعتمد على الجامعات والكليات المتخصصة للقيام بهذه المهمة من خلال اساتذة متخصصين وكفاءات متميزة تستقطبها هذه المؤسسات غالبا , ذلك لان الجامعات تضم افضل النخب العلمية في المجتمع, وغالبا ما تقود الجامعاتُ حركاتَ وفعاليات النمو والتغييروالتطور والتقدم العالمي , سواء في المجتمعات المتقدمة او النامية , وابرز ما يميّز الجامعات انّ ما تقوم به من نشاطات وفعاليات يكون مُحكما ودقيقا وعلميا ومبنيا على وقائع وحقائق وغير قابل للخطأ الا بهامش بسيط يحصل في ادق العمليات العلمية والمعرفية .
اما ان تكون الجامعات والكليات هي اسوء من يرى ويفكر ويخطط – حتى فيما يخص عملها – فان في هذه الحال نكبة كبرى لهذه المؤسسات وانعدام لمصداقيتها وتعطيل لواجباتها ومهماتها , واشارة على تراجع المجتمع والدولة في الميادين كافة , وحتى لا يظل مسار الحديث في العموميات , اشير هنا الى كلية التربية الفنية في جامعة بابل , واتناول فعالية من فعالياتها وحسب, لابيّن كيف فشلت هذه الكلية في الرؤية والتخطيط وتحديد الاهداف في ابسط مهمة من مهامها , وهي استقبال الطلاب الدارسين فيها .
اعلنت كلية الفنون الجميلة جامعة بابل عن فتح باب القبول للدراسة المسائية قبل ثلاثة شهور تقريبا , لخريجي الاعدادية ( العلمي – الادبي ) ولخريجي الاعداديات المهنية ( التجارة – الصناعة – الزراعة ) ووضعت شروطا للقبول , فتقدم للدراسة كثيرون , قُبِل القليل منهم ورُفض اغلبهم بسبب الشروط التي تقتضي ان يكون المتقدم عضو نقابة الفنانين او لديه مشاركات فنية تخص القسم الذي يتقدم اليه ” اي فنان” !!!! هذا اضافة لشرط التخرج حديثا وعدم قبول خريجي الاعوام قبل 2002 حتى ولو كان فنانا مشهورا !! انها خطة كلية ( متخرش المية) كما يقول الاشقاء المصريين . وبعد ان انفض الراغبون بالتقدم بسبب الشروط , وانفضّ الذين قدموا ولم يتم قبلولهم , عادت الكلية ورفعت كل الشروط كلها وجعلتها ( سيح) كما يتندر العراقيون , فعاد من عاد وتقدم من تقدم وتم قبول الجميع بعد اختبارات اجراها اساتذة متخصصون في الكلية . الى هنا يبدوا ان كل ما قامت به الكلية شأن من شؤونها , وان (مرمطت) بعض المتقدمين حيث رفتضهم اول مرة ثم عادت وقبلتهم .
اصبح لان كل المتقدمين مقبولين في الدراسة المسائية بعد ان جرى اختبارهم, وتم بيعهم استمارة التقديم بـ 25 الف دينار وجلبهم لوثائقهم الدارسية المصدّقة من مصادرها , وبعد ان دفع كل متقدم مليون وربع المليون دينار عراقي لحساب الكلية بصك صادر من مصرف الرشيد في جامعة بابل , ودفع معه حوالي عشرين الف دينار مصاريف ايداع لحساب الكلية . حتى ان احدى الموظفات تندّرت ساخرة من الكلية وهي تخاطب المتقدمين ( مبارك قبولكم في كلية الطب الفنية الجميلة )
ظلّ الطلاب المقبولون ينظرون بدء الدراسة ما يزيد على الشهرين , وكلما سألوا عن موعدها كان الجواب ( الاسبوع القادم) وهكذا استمرت الحال حتى الاسبوع الاول من كانون اول 2013 اذ تفجأ الجميع ان الدراسة المسائية قد اُلغيت في كلية الفنون الجميلة ! وعلى المتقدمين التوقيع على سحب استمراتهم من الكلية , كي تُعيد لهم حسلبات الكلية صكوكهم ليتمكنوا من سحب مبالغها من مصرف الرشيد , المصرف الذي رفض ان يسلم المبالغ الا بخصم مبلغ عشرة الاف دينار كمصاريف خدمة سحب المبلغ ..!!
لن الوم الكلية على تسببها بحرمان من تقدموا للدراسة فيها من فرصة حصولهم على قبول في كليات اهلية, (لان الكليات جميعا قد اغلقت ابواب القبول في شهر كانون الاول ) لن الوم الكلية على شروطها المجحفة في القبول, ولن الومها على المتاعب التي سببتها للمتقدمين للدراسة فيها . ولن الومها على اخذ القسط الدراسي كاملا قبل القبول النهائي , ولن الومها على بيع الاستمارة وتكبيد المتقدم مصاريف تناهز المئة الف . لن الومها على التأخر في اعلان الغاء الدراسة المسائية فيها . لن الومها على حرمان الراغبين بدراسة الفن من دراسته , لن الومها على الكثير الكثير , ولكني اتساءل : لماذ لم تنظر وتدرس الجهة المسؤولة في الكلية قضية فتح الدراسة المسائية وتخطط لها وتتخذ التدابير اللازمة .. ؟
وعلى ما تقدم اسأل :
هل هي من كليات الفنون الجميلة !! ؟ وقد اظهرت هذا الوجه المشوّه امام المتقدمين للدراسة فيها !؟ هل هي من الكليات الرزينة !!؟ وقد فشلت حتى في الرؤية والتخطيط لعملها الاساسي, “اي قبول الطلاب وتدريسهم” !؟ هل هي من المؤسسات العلمية المحكمة التي تُعتمد في التخطيط وتحديد الاهداف واتخاذ القرارات, وهي على هذه الحال !؟