من الطبيعي أن يتباين الناس في لباسهم وهندامهم وسلوكياتهم الأخرى حسب متغيرات كثيرة تشمل الجنس والعمر والمؤهل والخبرة والخلفية الاجتماعية والمستوى الاقتصادي والديانة والمستوى الأكاديمي ومكان العمل ونوع العمل وغير ذلك من العوامل والمتغيرات.
فاللباس والهندام هو نوع من السلوك الاجتماعي ، وهو جزء من الحياة الاجتماعية والعملية واليومية للأشخاص وكذلك المؤسسات . ويمكن أن نتبين ونتوصل إلى معرفة الشخص ووضعه الاجتماعي أو المهني وحتى المنطقة الجغرافية التي يسكن من خلال الهندام أو اللباس الذي يرتديه . فلباس أهل الشمال يختلف عن لباس أهل الجنوب .. وبإمكانك أن تميز بين أبناء المحافظات ، وكذلك بين أصحاب المهن من خلال لباسهم .
ومن المؤكد أن معظمنا يعرف ما نطق به لسان الفطرة عند الأعرابي عندما سُئل عن دليل وجود الله ؟ فقال: البعرة تدل على البعير .. والأثر يدل على المسير ، وهو قول مستخدم للاستدلال على حالة دون الحاجة إلى تناولها بالشرح .. ولو استعرنا ببساطة فلسفة هذا القول لوجدنا أن هناك ثقافة معينة في استخدام اللباس تتناسب وطبيعة الحالات التي اشرنا اليها حيث يمكن مجازا استعارة القول ” قل لي ماذا تلبس أقول لك من أنت ” .
ولم نر أو نسمع قبل الاحتلال .. أن طبيبا على سبيل المثال ، ارتدى بدلة عمل من النوع الذي يستخدم في ورش العمل الميكانيكية أثناء مزاولته لعمله في المستشفى ، أو أن عسكريا ارتدى اللباس المدني أثناء أدائه الواجب . أو أن عامل بناء مرتديا القاط والرباط أثناء عمله .. لوجود معايير وضوابط وقيم ملزمة لطبيعة المهنة . والأمثلة على ذلك كثيرة .
ولكن العمامة في عراق ما بعد الاحتلال على ما يبدو ضربت عرض الحائط بكل هذه المعايير والضوابط . ولم يقتصر مكان تواجدها في الدراسة على الحوزات العلمية الدينية وكليات الشريعة كما هو معروف ، وإنما تشرنقت وتوسعت وانتشرت لتصل إلى مجالات دراسية لا تتناسب وطبيعة الهيئة واللباس الذي يرتديه أصحابها . فتجد المعممين اليوم يتواجدون في قاعات وممرات مختلف الأقسام والكليات والجامعات والمعاهد العلمية ، تارة بصفة “ملالي” يقرون على الحسين وهذا ما هو معمول به الأن حسب توجيهات الروزخون الأكبر علي الأديب ، لغرض فرض الهيمنة والسيطرة على هذه المؤسسات العلمية التي تمثل مصادر الإشعاع والتنوير لرقي المجتمعات ، ومحاولة تفريغها من محتواها عن طريق تجهيل من يتواجد فيها لتلقي العلم بشتى الوسائل .
وتارة أخرى تجدهم من الطلبة الدارسين في تلك المعاهد والكليات ، ولا نجد في الحالة الأخيرة ضيرا مادامت الغاية طلب العلم والتواصل مع المعرفة والاستزادة منها لغرض الارتقاء بمدركات العقل البشري وهو امر حسن ..
ولكن الملفت للنظر في ذلك هو أنك تشاهد تواجدا ملحوظا لهذه العمامة في أروقة وممرات وقاعات كليات التربية الرياضية والتي تعنى بدراسة العلوم الرياضية ، لا لغرض القراية على الحسين فقط ، وإنما للدراسة .
فالدراسة في هذه الكليات كما هو معروف هي دراسة نوعية ، كونها تركز على دراسة الحركة الرياضية وكيفية تطوير الأداء الحركي والمهارى أو الإنجاز الرياضي كما يقول أصحاب الاختصاص . الأمر الذي جعل طبيعة القبول في هذه الكليات يعتمد الاختبارات العملية أساسا لقبول الطالب فيها لبيان مدى لياقته ومستوى أدائه المهارى والحركي كون طبيعة المناهج والمواد التي تدرس فيها يغلب عليها الجانب العملي الذي يعتمد لباسا رياضيا خاصا والذي يطلق علي ” التراكسيوت ” وهو يختلف اختلافا جذريا عن الجُبّة والعمامة . وتتضمن اختبارات القبول للمتقدمين للدراسة في هذه الكلية كما يحدثنا احد المختصين ، اختبارات لعناصر اللياقة البدنية والمهارية وسلامة الأجهزة الوظيفية والقوام للمتقدم . ويفضل من هو رياضي أصلا .
قد يقول ، العلوم الرياضية تعددت وتفرعت حتى شملت جوانب عديدة الكثير منها يعتمد الجانب النظري .. وخاصة بالنسبة للدراسات العليا ، بمعنى أن الحاصل على شهادة الدكتوراه في التربية الرياضية ليس بالضرورة أن يكون قادرا على الأداء العملي . وان هذه العمائم هي من دورات تخرجت من هذه الكليات . ونحن نتفق مع هذا الطرح ، ولا نريد الخوض فيه . لغرض التركيز على الفكرة الأساسية . لان أروقة وغرف ومكاتب هذه الكليات ملئت بأصحاب الشهادات من الطارئين على الرياضة والذين لم يحاولوا حتى ممارسة رياضة المشي في حياتهم .
لنعود إلى الفكرة الأساسية للموضوع ..
هب انك دخلت إلى احدى قاعات كلية التربية الرياضية لتجد العمامة على المنصة والطلبة يشرئبون بأعناقهم اليها ، أو تجدها تجلس بين الطلاب على مقاعد حجرة الدرس . نرى ما لذي سيدور في خلدك وأنت ترى هذا المنظر .. أكيد ستقدم اعتذارك وتقفل راجعا إلى الوراء بعد أن تغلق الباب ظنا منك أن هناك محاضرة دينية أو قراية على الحسين في هذه القاعة ، لان البعرة تدل البعير كما اسلفنا ، ولا يحتاج الأمر إلى كثير عناء لتفسيره ، منطلقا من نوع اللباس الذي يرتديه المحاضر أو المعمم الجالس بين جموع الطلبة .
ولم يدر في خلدك أن هذا العميم – نسبة إلى العمامة أن صح التعبير كما يردد احد المعممين دائما – يقوم بإلقاء أو يتلقى محاضرة في موضوع له علاقة بالعلوم الرياضية .
وكان الأجدر بهذا المحاضر المعمم أو حتى طالب الدراسات العليا المعمم ، أن يحترم نفسه ويحترم العرف والذوق العام ، ويتهندم بما يمليه عليه المكان وطبيعة العمل وطبيعة الدراسة .. لئلا يكون نشازا بين الحاضرين – كما الصورة أعلاه – لكي لا تفقد العمامة هيبتها كونها في المكان الغير ملائم .
لله درك يا عراق .. حتى كليات التربية الرياضية لم تسلم من سطوة العمامة التي اُبتليتَ بها وأوصلتْ البلد إلى ما وصل اليه من الدمار والخراب والتقتيل والتهجير وسرقة ونهب المال العام وتمكين الرويبضة منهم من الشعب والبلد .
وهيلة على واحد من الأساتذة المغلوب على أمرهم ما ينجحهم وينطيهم امتياز ..أبو أبوه يسمطوه ..
الأمر الذي يؤكد بقاء حزب البعث لكن بلباس مختلف .. خاصة وان العمامة لها خبرة سابقة في ممارسات حزب البعث كونهم كانوا جميعهم أعضاء في ذلك الحزب ولا ينكرنّ أحدا ذلك لان هذه الكليات كانت مغلقة للحزب والقبول فيها خاص
وأخيرا نطرح السؤال التالي ، هل علاقة اللباس والهندام بالتعلم والتعليم علاقة ذات دلالة إحصائية ؟ أم هي علاقة سببية ؟ أم لا توجد علاقة من حيث المبدأ ؟