19 ديسمبر، 2024 12:03 ص

كلهم كانوا وطنيين وشفافين و “حبابين”

كلهم كانوا وطنيين وشفافين و “حبابين”

“شراكة وطنية”، “أغلبية سياسية”، “حكومة توافقية”، مصطلحات وأخريات مثيلاتها لطالما شرخت مسامعنا بعد تحرير العراق من النظام القمعي الدكتاتوري، وقد يخيل لقارئ بعيد عما يدور على أرض الواقع، أن ما “بعد التحرير” شيء، وما قبله شيء آخر، وبديهي أن مابعده خير مما قبله، إذ من غير المعقول والمقبول انتقال الإنسان السوي من حال سيئ الى حال مثله او أسوأ، لاسيما ونحن نعيش عالما تتبارى فيه الأمم وشعوبها، بإنجاز الأحدث والأحسن والأجود والأكثر جدوى. ومفردات الشراكة والأغلبية والتوافقية، لاتعني بالضرورة التطابق التام بالآراء والفكر ووجهات النظر، إذ نسمع دوما في قصص تمر على مسامعنا او تطلعنا عليها كتب التأريخ، حكايات عن اختلافات في الرؤى تنشب بين أفراد او جماعات او فئات، يستعصي الوصول فيها الى حل يرضي الأطراف جميعا، فتستحيل تلكم الاختلافات الى خلافات ومن ثم الى صراعات، وقد تتطور فتأخذ جانب التعنت بالموقف والتزمت بالرأي، فيصل الجميع حينذاك الى مالاتحمد عقباه، ويتساوى إذاك محصول الأفراد والجماعات والفئات من شر ماجنوه على أنفسهم يوم لاينفع نقاش ولاعتاب ولامال ولابنون. وقطعا تدخل الحلول حينها متاهات أشد ظلمة، ودهاليز أكثر حلكة، وسينشد الجميع حينها: (لو كنت أعرف خاتمتي ماكنت بدأت). ولأجل هذا وتلافيا لسلبياته وتداعياته، سعى الإنسان الى التقارب والتنازل بغية التعايش تحت سقف واحد مع أبناء جنسه، وهذا عين مادعا اليه ساسة البلد -الصادقون منهم والكاذبون- بعد التحرير، وكلنا يذكر كيف كانوا بداية الأمر شفافين، وديعين، ودودين، وطنيين و “حبابين”..!. وكم كانوا يدعون بملء أشداقهم الى فسح المجال أمامهم للنهوض بالبلد، وكم من وسائل سخروها للترويج عن وطنيتهم في الأيام التي تسبق عمليات الانتخاب، وبالتالي وقع المواطن في حبائل خديعتهم وأشراك مكرهم، فإذا بمصطلح المحاصصة هو العامل المشترك لكل المصطلحات المرفوعة حينها، وكان هو المقصود والمعني والمراد، وكل مايدعونه سواه زيفا ورياءً. واستمر رفع شعار المحاصصة بنجاح ساحق ورغبة عارمة من لدن ساستنا، لتكتمل عملية التهام خيرات البلد التي كانت قد بدأت عام 2006 وأدت به الى الوضع الذي نحن عليه اليوم.

نعم، اليوم وصل العراقيون الى يقين قاطع أن التحاصص هو أساس البلاء وأس المصائب التي مر ويمر بها البلد، وأدركوا بعد خراب الكثير الكثير من صروح البلد أن سياسة المحاصصة المتبعة هي التي تكبل مؤسسات الدولة التنفيذية، فتحصر الوزير والوكيل والمدير في زاوية لاتتيح له العمل بما يخدم المجتمع. كما أنها -المحاصصة- تجيّر روح الولاء للمشرّع لصالح فئة خاصة، دون إيلاء المصلحة العامة اي اعتبار واهتمام، فتخرج من معطف الجهة التشريعية قرارات وقوانين تخدم حزبا معينا، او طائفة معنية، او شريحة خاصة، فيستفيد قوم على حساب مصائب أقوام آخرين. كما أن المحاصصة تصيب الجهات الرقابية بالعشو بل بالعمى، فتتسيب الجهات التنفيذية من جراء الإفلات من العقاب والمحاسبة الى حيث يترعرع الفساد بأصنافه، ويتغلغل الخراب الى المؤسسات فتستحيل الى مراكز خدمية تابعة، مؤتمرة بتعليمات من قبل المافوق، والمافوق هذا له مآربه البعيدة عما يخدم البلد، مادامت روح الأنا هي الغالبة، وهذا ما أثبتته السنوات العشرة الماضيات من عمر عراق الديمقراطية المزعومة، فقد فات “المشاركين” و “المتوافقين” أن الشراكة تعني -أول ماتعني- إيثار المصلحة العامة على المصالح الشخصية. فهل كانت خصلة الإيثار من سمات المشاركين في العملية السياسية فيما مضى؟ لاأظن الإجابة ستكون نعم..! بدليل أن أغلب المشاركين مافتئوا يدفعون عجلة البلد للسير في طرق تصب في المصالح الحزبية والعشائرية والمناطقية، علاوة على الطائفية والعرقية، وإذا كان الغراب دليل قوم…!

[email protected]

كلهم كانوا وطنيين وشفافين و “حبابين”
“شراكة وطنية”، “أغلبية سياسية”، “حكومة توافقية”، مصطلحات وأخريات مثيلاتها لطالما شرخت مسامعنا بعد تحرير العراق من النظام القمعي الدكتاتوري، وقد يخيل لقارئ بعيد عما يدور على أرض الواقع، أن ما “بعد التحرير” شيء، وما قبله شيء آخر، وبديهي أن مابعده خير مما قبله، إذ من غير المعقول والمقبول انتقال الإنسان السوي من حال سيئ الى حال مثله او أسوأ، لاسيما ونحن نعيش عالما تتبارى فيه الأمم وشعوبها، بإنجاز الأحدث والأحسن والأجود والأكثر جدوى. ومفردات الشراكة والأغلبية والتوافقية، لاتعني بالضرورة التطابق التام بالآراء والفكر ووجهات النظر، إذ نسمع دوما في قصص تمر على مسامعنا او تطلعنا عليها كتب التأريخ، حكايات عن اختلافات في الرؤى تنشب بين أفراد او جماعات او فئات، يستعصي الوصول فيها الى حل يرضي الأطراف جميعا، فتستحيل تلكم الاختلافات الى خلافات ومن ثم الى صراعات، وقد تتطور فتأخذ جانب التعنت بالموقف والتزمت بالرأي، فيصل الجميع حينذاك الى مالاتحمد عقباه، ويتساوى إذاك محصول الأفراد والجماعات والفئات من شر ماجنوه على أنفسهم يوم لاينفع نقاش ولاعتاب ولامال ولابنون. وقطعا تدخل الحلول حينها متاهات أشد ظلمة، ودهاليز أكثر حلكة، وسينشد الجميع حينها: (لو كنت أعرف خاتمتي ماكنت بدأت). ولأجل هذا وتلافيا لسلبياته وتداعياته، سعى الإنسان الى التقارب والتنازل بغية التعايش تحت سقف واحد مع أبناء جنسه، وهذا عين مادعا اليه ساسة البلد -الصادقون منهم والكاذبون- بعد التحرير، وكلنا يذكر كيف كانوا بداية الأمر شفافين، وديعين، ودودين، وطنيين و “حبابين”..!. وكم كانوا يدعون بملء أشداقهم الى فسح المجال أمامهم للنهوض بالبلد، وكم من وسائل سخروها للترويج عن وطنيتهم في الأيام التي تسبق عمليات الانتخاب، وبالتالي وقع المواطن في حبائل خديعتهم وأشراك مكرهم، فإذا بمصطلح المحاصصة هو العامل المشترك لكل المصطلحات المرفوعة حينها، وكان هو المقصود والمعني والمراد، وكل مايدعونه سواه زيفا ورياءً. واستمر رفع شعار المحاصصة بنجاح ساحق ورغبة عارمة من لدن ساستنا، لتكتمل عملية التهام خيرات البلد التي كانت قد بدأت عام 2006 وأدت به الى الوضع الذي نحن عليه اليوم.

نعم، اليوم وصل العراقيون الى يقين قاطع أن التحاصص هو أساس البلاء وأس المصائب التي مر ويمر بها البلد، وأدركوا بعد خراب الكثير الكثير من صروح البلد أن سياسة المحاصصة المتبعة هي التي تكبل مؤسسات الدولة التنفيذية، فتحصر الوزير والوكيل والمدير في زاوية لاتتيح له العمل بما يخدم المجتمع. كما أنها -المحاصصة- تجيّر روح الولاء للمشرّع لصالح فئة خاصة، دون إيلاء المصلحة العامة اي اعتبار واهتمام، فتخرج من معطف الجهة التشريعية قرارات وقوانين تخدم حزبا معينا، او طائفة معنية، او شريحة خاصة، فيستفيد قوم على حساب مصائب أقوام آخرين. كما أن المحاصصة تصيب الجهات الرقابية بالعشو بل بالعمى، فتتسيب الجهات التنفيذية من جراء الإفلات من العقاب والمحاسبة الى حيث يترعرع الفساد بأصنافه، ويتغلغل الخراب الى المؤسسات فتستحيل الى مراكز خدمية تابعة، مؤتمرة بتعليمات من قبل المافوق، والمافوق هذا له مآربه البعيدة عما يخدم البلد، مادامت روح الأنا هي الغالبة، وهذا ما أثبتته السنوات العشرة الماضيات من عمر عراق الديمقراطية المزعومة، فقد فات “المشاركين” و “المتوافقين” أن الشراكة تعني -أول ماتعني- إيثار المصلحة العامة على المصالح الشخصية. فهل كانت خصلة الإيثار من سمات المشاركين في العملية السياسية فيما مضى؟ لاأظن الإجابة ستكون نعم..! بدليل أن أغلب المشاركين مافتئوا يدفعون عجلة البلد للسير في طرق تصب في المصالح الحزبية والعشائرية والمناطقية، علاوة على الطائفية والعرقية، وإذا كان الغراب دليل قوم…!

[email protected]