من الأمثلة التي مافتئنا نرددها في حال ازدرائنا من شخص يهول موضوعا، او يستهين به حسب أهوائه، او بما يصب في مصلحته، هو المثل؛ (يريدها چبيرة چبيرة.. يردها زغيرة زغيرة).
وقطعا هو في الحالتين يتبع من أساليب الكلام مايتناسب مع كل حالة، لينقل مايريد نقله الى أذن المتلقي، ويوصل مايريد إيصاله من تأثيرات -سمعية او مرئية- تموّه المقابل وتدعوه الى تصديق كل مايسمعه، وأحيانا كل مايراه. ولاأحد ينكر أن هذه المهمة صعبة الى حد ما، وتتطلب توافر خاصيات لدى القائم بها من مهارة وخبرة، بجانبها حيلة ومكر ودراية تامة عن ثقافة المتلقي ومستواه الاجتماعي وخلفيته التوعوية، كما ان لعنصر الوقت والظرف والحالة النفسية، وانتقاء الملائم منها أهمية في إتمام المهمة على أحسن وجه. ولايفوت القائم بها التهويل والتطبيل والتزمير لقدراته وإمكانياته لتعظيم شأنه وشأنها.
في ظرفنا العصيب الذي يمر به بلدنا، والمتمثل باستيلاء عصابات داعش على أراض شاسعة من بلادنا -بعد تسهيلات وخيانات من شخوص باعوا ضمائرهم- واحتلالها أجزاء كبيرة من محافظة نينوى ومدنا أخرى من محافظات عراقية آمنة، استند كثير من الأعداء على هذه الخاصية، واعتمدها في تمويه الرأي العام -والخاص أيضا- لدرجة ما، فراح يجند من وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة -الورقية منها والإلكترونية- ماشاء له تجنيده، لاسيما وأن هناك وسائل إعلام صفراء كثيرة على أهبة الاستعداد، هي الأخرى مجندة بدورها من جهات إقليمية لها غايات معلومة، والأمثلة على هذا تزخر بها قنوات فضائية ومواقع إلكترونية وشبكات تواصل اجتماعي كثيرة.
فعلى سبيل المثال هناك مقطع فيديو لايتجاوز ثلاث دقائق، يصور لنا كيف يقتل أفراد عصابات داعش عددا من المواطنين العراقيين العزل، والتمثيل بجثثهم، وعلى بشاعة هذا المنظر، إلا أنه قد يأخذ صداه في نفوس السذج من المواطنين من غير المتفتحين لأبعاد لهذا الأمر، ويتخذون موقفا او رأيا بأن هذه العصابات ذات بأس وقوة، في حين أن حقيقتهم أضعف من هذا بكثير. ومقطع قصير آخر يصور للمشاهد كيف يلعب أفراد داعش برؤوس المغدورين من أبناء العراق بعد فصلها عن أجسادهم، وكيف يركلونها بأقدامهم ويدحرجونها على الأرض، والهدف من هذا إثارة الرعب في نفوس المواطنين، وكذلك أفراد القوات العسكرية والأمنية وأبطال العشائر المنتخية والمتطوعة تلبية لنداء المرجعية الرشيدة، فقسم من هؤلاء غير بعيدين عن التأثر بهذه اللقطات بشكل أو بآخر، بحكم طيبة قلبهم وبساطتهم وفطرتهم التواقة للخير والكارهة للشر وصوره.
ان هذه اللقطات مع أنها خزي وعار على مرتكبيها، إلا أنهم يبثونها لتهويل حجم هذه العصابات الصغير والحقير، فضلا عن هدف تشويه الدين الإسلامي لاسيما ان عمليات التعذيب والتنكيل وقطع الرؤوس تتم كلها تحت راية (لاإله إلا الله) ويرافقها نداء (الله أكبر).
وبالمقابل -طبعا- هناك جهات وطنية شريفة, تمتلك مؤسسات إعلامية نزيهة تنتمي روحا وفكرا وكلمة الى وطنها بحق، تؤازر القوات المقاتلة بتواجدها على حدود المحافظات او في العمق، وتنقل الصورة الحقيقية التي تحدث على أرض الواقع، من دونما تزويق او فبركة، بغية وضع المواطن أمام الأمر الواقع فعلا، وبالتالي تتعمق الثقة بينه وبين هذه المؤسسات، وفي نفس الوقت يفقد ثقته بتلك العصابات ويضع إعلامها في مكانه الصحيح من الزيف والخداع والكذب والتزوير والتلفيق.
المطلوب هنا من المواطن أن يكون ذا فراسة بما يسمعه او يقرأه او يراه، وأن يميز بين الصادق والكاذب في القول.. بين المرائي والشفاف في التصريحات.. كذلك بين التي تتأبط شرا للعراقيين، وبين الوطنية الشريفة من الجهات الإعلامية في الساحة العراقية -وخارجها أيضا- من القنوات الفضائية العربية والعالمية، إذ الدور في بناء الرأي واتخاذ الموقف يجب أن يتبلور على حقيقة صريحة، وليس على أكاذيب وسيناريوهات مفبركة، وهنا يكمن محل اشتغال التثقيف الذاتي، وهو ليس ببعيد عن العراقيين الذين مرت عليهم عقود تسيد الموقف فيها شخوص، لايختلفون في تصرفاتهم الشاذة عن عناصر داعش إلا باللباس، والزيتوني أقرب مثال..!