تحت عنوان (الجيش الذي يرتوي من فكر الحسين لا يهزم أبداً) راح السيد حمدالله الركابي يشيد بقيام أحدى الوحدات العسكرية للجيش العراقي بممارسة اللطم في عاشوراء ، وأعتبر أن مدرسة الحسين هي أعظم مدرسة يتعلم فيها جنودنا فن القتال ومعنى التضحية من اجل الحرية والعقيدة والمبدأ ، وكذلك أعترض الركابي على قيام البعض بأنتقاد ما حصل ونعتهم بالأصوات النشاز والنفوس المريضة وأعداء الحسين !! وختم مقالته بقوله ( وستبقى الشعائر هويتنا التي لم ولن نفرط بها رغماً على أنوف الرافضين)!!
لن أدخل في تفاصيل موضوع شعائراللطم والتطبير لأنه موضوع لا أفقه فيه ، وبرأيي هذا الموضوع ينضوي تحت بند حرية ممارسة الشعائر الدينية ، وأنا مع أحترام هذه الحرية ولا أرى أي ضير في أن يقوم شيعة العراق بممارسة اللطم والتطبير طالما أنهم مقتنعين ويؤمنون بها . ولكن في المقابل فأن بقية العراقيين من غير الشيعة لا يريدون لهذه الممارسات أن تتعدى حدود (ممارسة فئة لطقس ديني ضمن دور العبادة ) ، فأن في العراق مكونات من مذاهب وأديان أخرى ، وهم ليسوا مستعدين أن تتعطل أعمالهم كذا أسبوع في السنة لأن أحد المكونات الأخرى أي الشيعة مثلا يودون ممارسة شعائرهم وليسوا مستعدين لقبول نصب الخيم في الشوارع ونصب مكبرات الصوت لتصدح بأصوات الرواديد والقرايات منذ الصباح حتى المساء ولأيام عدة وبأصوات مرتفعة ، ولن يرضوا أو يوافقوا أن تُستَنفر قوى الأمن لحماية زوار العتبات المقدسة بينما لا نلمس مثل هذا الأستنفار لحماية حدود العراق ، وليسوا مستعدين أن يروا جيش العراق الذي يمثلهم وهو يلطم ويمارس شعائر فئة معينة من الشعب ولن يرضوا أن يكون فكر السيد الحسين رغم مكانته العالية لدى الأسلام هو الفكر الوحيد الذي يرتوي منه الجيش العراقي ! هناك أهل السنة مثلا ، فهم بالأضافة للسيد الحسين لديهم أئمة وخلفاء يفتخرون بهم ويتمنون أن الجيش العراقي يرتوي من فكرهم ويسير على خطاهم .. مثلا لديهم الخليفة عمر بن الخطاب الذي يعد أول من نظم الجيش كجزء من الدولة وهو الذي أرسى قواعد الدولة الأسلامية ووسع حدودها مع قادته العسكريين الذين هم أيضا” مستحقين أن يكونوا قدوة للجيش العراقي فهم قادة جيش ولديهم صولات وأنتصارات تستحق أن تكون منهل فكر للجيش . هناك المسيحيين في العراق ، وهؤلاء أيضا” لديهم قادة وقديسين أبطال بل لديهم قديسات نساء قدمن تضحيات من أجل العقيدة لم يقدمها رجل في التأريخ وهم يرغبون أن ينهل الجيش العراقي من أفكار هؤلاء القديسين والقديسات .. لما لا أليسوا عراقيين !! هناك أيضا” الصابئة واليزيديين ومن المؤكد لديهم شخصيات في التأريخ يبجلونها ومن حقهم أن يطالبوا الجيش العراقي الذي يمثلهم أن يرتوي من أفكارهم .. هكذا سيكون الأمر .. أقصد طالما أن الجيش العراقي وافق أن يرتوي من فكر رجل يمثل طائفة ما ويمارس شعائرها فعليه أن يرتوي من فكر رجال بقية الطوائف ويمارس شعائرهم لأنه يمثلهم جميعا” ، ولكم أن تتصوروا كيف سيكون حال الجيش وحال وحداتنا العسكرية!! على الشيعة أن يدركوا أن بقية الطوائف في العراق لديها أيضا” أبطال وقديسين وقادة يعدونهم “المعيار الحقيقي للمواقف الكبيرة” ، وهم يفتخرون بهم كأفتخار الشيعة بالسيد الحسين تماما” وليس أقل ..
يقول السيد الركابي (وكم هو جميل أن يتشرف أديم المعسكر بأقدام جنود يلطمون على الحسين لتكون أقدامهم أكثر ثباتاً في ساحات الوغى دفاعا عن الوطن لأنهم سيتذكرون وقفة الحسين في كربلاء وحيداً لكنه لم ينحن ولم يتنازل عن مبادئه التي قدم من اجلها كل شيء عزيز ولم يبخل عنها بالغالي والنفيس).. ما علاقة الجمال بالجيش !! هذا وصف يليق بأستعراضات ومهرجانات المدارس الأبتدائية ، نحن هنا نتحدث عن الجيش ، عن موضوع مهني وعلمي .. الجيش يعني واحد + واحد = أثنين .. يعني خطط عسكرية وتقنيات هندسية الكترونية وميكانيكية ورياضيات وأحداثيات ومدافع ودبابات ومدرعات وطائرات وهجوم ودفاع وجرحى وشهداء ونصر وأنتكاسات ، والهدف واحد وهو (حماية أرض الوطن من أي عدوان خارجي والمساهمة أحيانا” في حماية البلد داخليا” ) والذي يحركهم هو حب الوطن والأخلاص له .. أن هؤلاء الجنود الذين تفتخر بأنهم يلطمون وأن أقدامهم أكثر ثباتاً في ساحات الوغى دفاعا عن الوطن لم يقدروا أن يحموا الوطن !! أكثر من ثمان سنوات والعراق يتعرض لكل أنواع التجاوزات من الخارج والداخل ، تجاوزات على الأرض والعرض والكرامة والخيرات ، والجيش العراقي لم يستطع أن يحد من هذه التجاوزات! وقفة الحسين تحتاج الى من يقتدي بها ولا تحتاج الى من يلطم عليها ، لو كان لدينا جيش يقتدي بهكذا وقفات مشرفة لما صرف وقته باللطم وأنما قام بتجميع وحداته والتوجه للمنطقة الخضراء وطرد كل العملاء والخونة واللصوص الذين تنازلوا عن كل المبادىء والقيم وأنحنوا لكل طامع ومتجاوز وأمتهنوا كرامة العراق والعراقيين ، أو على الأقل أجبار هؤلاء على أصلاح شأنهم وشأن العراق ، هكذا سيشرفنا الجيش جميعا” وسنصدق أنه يمشي على خطى السيد الحسين.. الأقتداء بشخص أو فكر يعني أنتهاج ذلك الفكر وممارسته على أرض الواقع فعليا” وليس تذكره والتغني به وأذاعته وحسب .
السيد الركابي وأنت تتحدث عن موضوع الحب والمحبة (محبة السيد الحسين) هل تظن أنه من الصواب ذكر عبارات مثل (وستبقى الشعائر هويتنا التي لم ولن نفرط بها رغماً على أنوف الرافضين) ؟ هذه العبارة تتنافر مع روح المحبة .. وليس من الحكمة ككاتب تمثل الطبقة المثقفة للشيعة أن تتحدث بهذا الأسلوب الذي ينطوي على أغاظة الأخر والأستهانة برأيه .. ثم أن العراقيين من غير الشيعة ليسوا رافضين لقيام الشيعة بممارسة شعائرهم وأنما هم مستائين لأن هذه الشعائر باتت تفرض ظلالها ونتائجها عليهم جميعا” رغم أنه لا علاقة لهم بها ، أي أنهم ليسوا أعداء الحسين وليسوا أصحاب نفسيات مريضة ولكن ببساطة أنهم ليسوا شيعة ولا تعنيهم هذه الشعائر ولا يرغبون في أن تكون جزء من حياتهم ، مثلما لا يرغب أي شيعي بالتأكيد أن تفرض عليه ممارسات لطقوس دينية تخص طائفة أخرى . أن ما يحصل وما يطرحه البعض من الأخوة الشيعة يذكرنا بطريقة ما بعبارة ( كل العراقيين بعثيين وأن لم ينتموا) ، فكلنا بتنا نتعطل أيام عاشوراء وبتنا ننظر شوارعنا يكسيها السواد ، والخيم تنتشر في الشوارع وبتنا نستمع الى أصوات اللطميات والقرايات ، وحتى نحن في بيوتنا فأن فضائياتنا تحاصرنا وتقوم باللازم وتنقل لنا الأحداث وعلى الهواء !! أي بتنا نحيا طقوس عاشوراء شئنا أم أبينا مثلما كنا نحيا أحتفالات البعث وأعياده رغما” عنا ، أي أننا أصبحنا شيعة وأن لم ننتمي..
[email protected]