23 ديسمبر، 2024 12:19 م

كلمن يرده حليبه

كلمن يرده حليبه

على خطوط التماس وفي مواقع المواجهة مع عدو أخرق في تصرفاته.. منحرف في سلوكياته.. شاذ في عقيدته.. أهوج في أفكاره.. متدنٍ في أخلاقه.. سيئ المنبت.. مأبون الأصول.. متشرذم الأفرع، تسيل دماء عراقية عزيزة نفيسة غالية، يجود بها أبناؤنا وأخواننا من الذين انتخوا لنداء الأرض والعرض والمال والبنون، انتخوا لصيحات حرائر آمنات في مدن استُؤمنت بأيدي رجال خذلوا الرجولة بمواقف مخجلة، وألبسوا النخوة والشهامة لباس العار والخزي، وطأطأوا الرؤوس التي أوهمت الرأي العام بأنها لاتبيت على ضيم ولاتحتمل المهانة والذل، من خلال مسرحيات مفبركة وخطابات منمقة من على منصات بتراء، هي في حقيقة الأمر قواعد صواريخ ومنصات إطلاق معادية، تقذف كل مامن شأنه تأخير سير العملية السياسية، وقلب نظام الحكم من جمهوري ديمقراطي فدرالي، الى عشائري حزبي فئوي ينحصر “كما كان طيلة ثلاثة عقود” بشخص فلان وآل فلان وجماعة فلان، وما فلان إلا نهج طائفي أناني يعاني من تراكمات جاهلية ليس لها محل من الأعراب بين جمل الحاضر المتحضر في القرن الواحد والعشرين. فقد تبين جليا أن الادعاءات بالوطنية ومقاومة المحتل التي كان يدعي بها أهالي أربع محافظات عراقية عريقة يطلق عليها “المحافظات ذات الأغلبية السنية”، لم تكن بالصورة التي كان معلنا عنها، فمنذ أكثر من ثلاث سنوات رحل عن أرض العراق آخر رجس من عمل الأمريكان، ولم يبق عذر او مبرر لمن يعرقل مسيرة العراق والعراقيين، فالأرض خلت للبناء والإعمار، والساحة العراقية باتت لبنيها وأهلها وحدهم، تناديهم حي على الفلاح.. حي على خير العمل..! فهل من مجيب؟

أعود الى خطوط التماس التي يستقتل فيها أبناء العراق الحقيقيين، الذين يدركون معنى الانتماء والولاء والوطنية الحقة، فهناك يسيل دم عبيط غالٍ على العراقيين الشرفاء، ولا أظن قطرة منه تعادل في أعينهم كل كيان الغاصب الغازي المتمثل بعصابات داعش. هناك على تلك الخطوط ازدحم شبان المحافظات الوسطى والجنوبية في صف واحد، بوجه أقذر المخلوقات على وجه الأرض، من دون أن يحسبوا حسابا منطلقه طائفي او مناطقي او عرقي، فهم يفقهون شيئا واحدا؛ أن الأرض المسلوبة عراقية.. والحرائر هناك عراقيات.. ولم يتحرّوا عن أصلهن، كما لم يتبادر الى أذهانهم سؤال؛ (من أي عمام هن؟)

أما لو عرجنا على سبب ضياع الأرض وكشف العرض، أمام عصابات مشبوهة الأصل والفصل، فإننا حتما سنصدم بواقع الحال، فأبطال تلك المنصات هم أنفسهم من سلموا الأرض والعرض، بعد ان استبدلوا الثبات والشموخ المزعوم بالانقياد والاستسلام والخنوع، فأضحوا بموقفهم المشين هذا نعم العون للمعتدي ونعم النصير للغاصب، فكان ماكان من ضياع أراضٍ وهتك أعراض وانتهاك حرمات واغتصاب حقوق.

نعم..! حدثت كل هذه التداعيات بسبب الذين كانوا يتمشدقون بالحق والحقوق، ويرفعون سقف مطالبهم كل يوم مااستطاعوا عن اليوم الذي سبقه، فتارة يطالبون بإلغاء قانون اجتثاث البعث.. وتارة تعديل قانون المساءلة والعدالة.. وأخرى يداعون بإطلاق عفو عام عن جميع السجناء والموقوفين، ولم يفتهم قطعا التمسكن والتذرع بالحرائر العراقيات السجينات، ويلفقون الحكايات والقصص والأحداث، متباكين في تصوير الظلم الذي يعانينه في معاملتهن، ويتخذون من استدرار العطف والشفقة ورقة لعلها تكون ضاغطة على الحكومة. ويعلو سقف مطالبهم متسلقا بالأباطيل والحيل، فيأخذ المطلب وجها سياسيا، إذ يطالبون بإقالة رئيس الوزراء بل وحكومته برمتها.. ويستمر العلو ويتمادى الغلو في المطالب فيطال الدستور.. فإسقاطه هو الآخر انضم الى قائمة مطالبهم…

وأعود الى خطوط التماس.. حيث يختلط دم مقاتلي الوسط والجنوب بتراب غرب العراق وشماله الغربي، لا لشيء إلا من أجل الحفاظ على أرض العراق واسم العراق في كل محافظاته، إليس حريا بمن ينعمون بالرفاه ويقضون نهاراتهم تحت قبب مجالس وسقوف منازل مبردة صيفا مدفأة شتاءً، أن يشعروا بما يعانيه الرابضون هناك على خطوط الشرف حيث الموت أهون مايفاجئهم فيها؟ ألاينبغي على الرابضين خلف رواتبهم وامتيازاتهم الفلكية أن يكونوا خطا خلفيا ساندا لمسك ظهور القطعات المستقتلة من أجل العراق وأهل العراق، بدل الصراعات والخلافات التي يصطنعونها في اجتماعاتهم، لكن..! كما يقول المثل؛ “كلمن يردّه حليبه”.

[email protected]