كانت ساحة العرضات ابان الثمانينيات هي مكان التدريب والعقوبات معا، وكنا نتشاءم كثيرا من اسمها، والعرضات يعني استعراض الفصائل والسرايا من قبل آمر الوحدة، فكان يجري في هذه الساحة مالا يجري على احد في الدنيا، دورة المشاة 45 يوما ودورة الصنف 45 يوما، ثلاثة اشهر خالية من الرحمة والانسانية، حيث يطبق قول صدام بحذافيره: التدريب، ثم التدريب، ثم التدريب،ثم نعود بعدها لجلب كشف المخصصات ونحن باحوال شتى، ومثلما قالت احدى العجائز حين سألوها عن ابنائها: شي بالطيب، شي بالشيب، شي عد الخمينية، وتقصد في الثالثة الاسرى، المهم جاء الضابط يتبختر امامنا بعصاه وبسطاله الاحمر المصبوغ، ونجماته القماشية على اكتافه وقد اضاف اليهن نجمة ثالثة كان قد اشتراها قبل موعد الترفيع، كان مختلفا بعض الشيء فهو يضحك ويمزح معنا، ثم قال : اليوم ترفيعي واريدكم ان تبحثوا عن اي نقص في قيافتي وتنبهوني عليه، والذي ينبهني ساعطية اجازة يوما عن كل تنبيه، فقام اليه احدنا وقال: سيدي هناك خلل في البسطال، فرد الضابط وماهو ؟ فخرج الجندي ووضع يده على البسطال، واصلح عقدة القيطان، وادخلها الى الداخل بعد ان كانت خارجا، وطمع صاحبنا في الاجازة وقام ثانية وقال: سيدي هناك نقص آخر في البدلة، ولكن الضابط كان قد رتب بدلته بشكل مضبوط، فقال له: ولك انته اشجنت تشتغل كبل العسكرية، فرد الجندي انا قندرجي، فضحك الضابط وقال له : لاتصعد فوك البسطال، خليك بالبسطال وبس.
هذه الحادثة العتيقة جاءت في بالي، بعد ان رأيت الهرج والمرج يدب في اروقة الدولة، السبت عطلة ، لامو عطلة دوام، لا عطلة، سلّم الرواتب يمشي لا مايمشي الموازنة بعد لم تقر، مجلس النواب اجتمع لا ما اجتمع انسحبت الكتلة الفلانية، الرمادي اتحررت من داعش، لا ما اتحررت ظهرت جيوب جديدة، وفد حكومة الاقليم والحكومة المركزية يتفقان على صيغة جديدة لتصدير نفط الاقليم، لا لم يتفق الطرفان وغادر وفد الاقليم بغداد، وهكذا تجري الامور بفوضى عارمة لايعلم نهايتها الا الله والراسخون في العلم، وهذا بسبب ان البعض قد صعد فوق ( البسطال)، وغادر تخصصه البسيط ليحظى بفرصة كبيرة على مقاسه، اي انه ارتدى ثيابا اكبر من حجمه، وراح يأمر وينهى وينظّر، ودائما الثمن مدفوع من قبل الشعب، حتى ان بعض المراجع من الذين لم نسمع لهم صوتا في زمن صدام ولم نر وجوههم، صاروا الان سياسيين ويتدخلون في الصغيرة والكبيرة،( انتخبوا فلان)، (لا لاتنتخبون فلان)، بل انتخبوا الآخر، وبعضهم ممن وصل الى مرحلة كبيرة من العلم والتدين، بدأ ينسل رويدا رويدا بعد ان اغرته اضواء الفضائيات، اما السياسيون فهم في حيص بيص، والتصريحات المتناقضة على قدم وساق، كل ساعة تسمع شيئا جديدا، والنواب والمحللون السياسيون يتقاتلون على شاشات الفضائيات، وانور الحمداني يدفع بالاموال للحصول على الوثائق المزورة والصحيحة، الناس تسمع وترى وهي فرصة وكما قالت احدى العجائز، حين رأت الفتيات الصغيرات يرقصن في عرس حاتم صديقنا ايام زمان، لان الرقص حاليا ممنوع، (اي بناتي كلمن عدها اعطيب اتهزهْ)، والعطيب خصلة من الشعر وسخة ربما فتكون ملفوفة بشكل مقرف الى الاعلى او الاسفل ، وفعلا ثارت غبرة ترابية كبيرة من ساحة الدار، لان كلمن عدها اعطيب هزته، والخوف كل الخوف من تاليها، لاننا مقبلون على انتخابات، يرفض نتيجتها من الآن الكثيرون، وهي لم تبدأ بعد، ولذا على اميركا ان تجد حلا سريعا لازمة العراق، والا فروسيا بديل جيد وقوي وبدأ يسحب البساط في اوكرانيا من تحت اقدام اوربا واميركا، ولم تستطع اميركا ان تملك اعصابها على لسان مندوبتها في مجلس الامن، فصرخت باعلى صوتها ضد روسيا: (مازلتم تذلون اميركا باسلحتكم النووية، واميركا لم تخسر الحرب)، وروسيا حاضرة في كل حين وهي دولة قوية تريد ان تعيد نشاطها ومجدها في سوريا واوكرانيا والعراق، والجماعة بعدهم حتى الان يصعدون فوك البسطال، ويتنادون على كتلهم ومؤيديهم: كلمن عدها اعطيب اتهزّه.