لم تكن ظاهرة السيد الشهيد الصدر الثاني من افرازات المجتمع العراقي المريض لان هذا المجتمع كان في عقد الثمانينات والتسعينات معدوم الارادة ويؤسفني أن اقول انه مازال كذلك حتى الان ولكن هذه الظاهرة كانت افرازاً وعصارةً لكل التضحيات الطويلة التي سبقتها والتي قُدمت من اجل المبادئ العليا والمثل السامية ولمحاولة الوقوف بوجه الظلم كل الظلم الحالك وفي سبيل إعلاء صوت العدالة ينادي بها وينشدها في زمنٍ خبت به الاصوات .
لقد كانت مرجعية السيد الشهيد الصدر الثاني ” قد ” هي صدى وانعكاس للاطروحة التصحيحية التي حمل مشعلها السيد المرجع الشهيد الفيلسوف والعلامة محمد باقر الصدر ” قد ” ؛ إن حركة السيد الشهيد الصدر الثاني لم تكن لتحصل الا بوحي من إشراقات الصدر الاول الذي حمل قلبا يسع الجميع في العراق بل في العالم اجمع ، فهو لم يكن فقط أصولي وفقيه ومتضلع بعلوم الشريعة ومتبحر في العلوم التي يرتكز عليها الاجتهاد والولاية والافتاء فحسب وإنما كان صاحب اطروحة ونظرية شاملة للفرد والجماعة على مستوى العلم والاخلاق واسلوب الحياة والعلاقات العامة وفقا لمنظور متكامل يأخذ من معين التشريعات الربانية ، وعلى هذا السبيل سار السيد الشهيد الصدر الثاني ” قد ” .
إن مجرد التفكير للوقوف بوجه صدام حسين كان امراً يكلف الكثير في ذلك الزمان البائد وهذا مما يحسب للسيد الشهيد الصدر الثاني ، كما إن المعالجة الروحية والاخلاقية ومخاطبة الجماهير مباشرة هي من مرتكزات الظاهرة التصحيحية التي نهض باعبائها وهذا مما يحسب للسيد الشهيد الصدر الثاني ” قد ” .
إن الروح الابوية والتعلق بعامة الجماهير والاحساس بصميم معاناتهم من اهم مناقب صاحب الذكرى العطرة وهذه الروح التي بقيت في نهايات حركة السيد الشهيد كما كانت في بداياتها من أهم العوامل التي ادت الى انتصار هذه الحركة التصحيحية وربما يقول قائل : متى انتصر السيد الشهيد ؟ وللجواب نقول إن الإنتصارلايقاس دائما بالمقادير الكمية والظاهرية وإنما على اساس تحقيق الهدف المرسوم وقد كان هدف السيد الشهيد منذ البداية وحتى النهاية هو أن يعطي نموذجاً يصلح كنقطة انطلاق وبداية صالحة للبناء عليها والاعتماد على مبدئياتها أياً كانت النتيجة ولو كانت الانتقال الى الرفيق الاعلى وهو ما حصل وكان متوقعا جدا ويدل عليه الكفن الذي ارتداه صاحب الذكرى ، بهذه الروحية العالية سار السيد الشهيد والتي نستطيع القول انها احد التفسيرات المناسبة لالتفاف والتحاق الكثيرين من فئة الشباب وغيرهم من طبقات المجتمع بمرجعية السيد الشهيد ” قد ” وهو القائل : انا حررتكم فلا يستعبدنكم احد بعدي فلا تنقادوا لاصنام الهوى والاموال والرجال .
لقد كان السيد الشهيد في ذلك الوقت العصيب وما زلت اتذكر على قربي منه كيف يرسل الحقوق الى مستحقيها في ابعد النواحي والقصبات والمدن والقرى لانه كان يعيش مرارة المعاناة التي يمرون بها رغم بعد المسافات وعلى الرغم من قلة الحقوق الشرعية التي تصله بسبب العداء المستحكم والهجمة التي شنتها عليه حوزة النجف الاشرف برموزها وعناوينها التي ما زالت الى اليوم تتحكم بكل المقدرات في حوزة النجف الاشرف ، وليته نفض التراب ليطعم جائعيه وليرى الميزانيات الضخمة التي تُصرف ويُسرف بها وتذهب هباءا منثورا ، فما زال جياعك جياعا ايها الشهيد الصدر .
حتى الاوامر السرية التي اصدرها لخواصه بجواز استهداف البعثيين الذين كانوا يقتلون الناس نهارا جهارا ويستبيحون بيوتهم وكل حرماتهم تماما كما تفعل بنا ميليشيات الاحزاب الاسلامية وغير الاسلامية في عراق البؤس والمعاناة ، هذه الاوامر كانت محكمة ولا تلحق الذى الا بالبعثيين الذين اصبحوا يعيشون مع شبح الخوف من هذا المجهول اللامجهول عندهم وقد الحقت بهم ضربات موجعة وهو ما لم تفعله الاحزاب الاسلامية التي تتبجح علينا اليوم بصراخها الذي صمَ الاذان عن مسيرتها الجهادية غير الواقعية !
لا يمكن لاي أحد أياً كان ان يختزل السيد الشهيد ليكون رصيدا له ولا يحق له ذلك حتى التيار الصدري ” ولا تصح هذه التسمية ” بعد ان جعل اسم السيد الشهيد عنوانا ورمزا لحركته واهدافه التي نادى بها وابتعد عنها فليس هو اليوم الا جهة سياسية تتقايض مع الجهات الاخرى لاجل مصالح مرسومة سلفا ولا يحسب له كباقي التيارات اي انجاز او ما يصلح ان يسمى انجازا ولم يبق لهم من السيد الشهيد الا الاسم وهو يبتعد يوما بعد يوم عن الاسس الصدرية وابسط برهان على ما نقول ان التيار الى اليوم يقلد شخصا وينقاد لاوامر شخص آخر وهذا لا يمت الى مرجعية السيد الشهيد الصدر باي صلة ، وهذا مما يؤثر في الصورة الناصعة التي رسمها السيد الشهيد للمجتهد الذي يعيش مع عامة الناس ويتحسس ادق معاناتهم وهو قد برهن ان الامة بمجتهدها وقائدها الذي ينطلق منها واليها مهما كانت الظروف والنتائج وها قد بدأت الناس لا تصدق النداءات التي تصدر ولو كانت صادقة للاخفاقات المتكررة من الجميع .
انتابني شعور بالحزن الجارف يضاف الى حزني على صاحب الذكرى عندما رأيت البرود الذي اراه من عامة الناس في إحياء هذه المناسبة التي يجب الا تمر علينا مرور الكرام وفي تفسيري الخاص إن هذا البرود لان المجتمع انطبع في قرارة نفسه وفي ذهنيته المحدودة ولانه يفكر بآذانه لا يتعداها أن السيد الشهيد يساوي هؤلاء الذين يرفعون صورته ولا يعرفون مضمونه ، لقد اطلق الشهيد الصدر الثاني كلمات دوت في سماءنا لا يجرؤ عليها وعلى مثلها الا الكبار ولا يسطيعها الصغار مهما اكثروا من الصياح والجلبة .