الطيبة فضيلة،من القيم والمبادئ الساميه التي تربينا عليها في العلاقات الاجتماعيه وموروث من التربيه البيتيه في بيئه نقيه نعم، لكن حين تفقد حدودها تصبح لعنة، وتصبح ضعف للشخصيه ويستغلك الاخر منها
من لا يعرف «لا» يعيش في دوامة صامتة، هو يظن أن الموافقة المستمرة هي الطريق للحب والقبول، وأن الرفض سيجعل الآخرين ينفرون منه، لهذا يبتسم حتى وهو مثقل بالتعب، ويوافق حتى حين يختنق بالضغط، ويعتذر حتى عن أخطاء لم يرتكبها، إنه يعيش داخل قيد من صنع يديه، قيد اسمه «الخوف من خذلان الآخرين».
الأشخاص الذين يضحون دائماً يفتحون الباب للعلاقات السامة، حيث يتحول العطاء إلى استغلال، والطيبة إلى نقطة ضعف، وهنا يبدأ النزيف النفسي، شعور بالاستنزاف، بفقدان الهوية، وبأن قيمة الإنسان لا تُقاس بما هو عليه، بل بما يقدمه للآخرين.
علم النفس يُسمي هذه الحالة ب«إرضاء الآخرين القهري»، وهي آلية دفاعية تنشأ غالباً منذ الطفولة، حين يتعلم الطفل أن قيمته ترتبط برضا من حوله، الوالدان، المعلمون، أو حتى الأصدقاء، فيكبر وهو يعتقد أن الحب مشروط بالتنازلات، وأن كلمة «لا» تعني الخيانة أو العقوق، ومع مرور الوقت، تتحول هذه الفكرة إلى جزء عميق من شخصيته، حتى وهو يدفع ثمنها من صحته النفسية والجسدية.
لكن ماذا يحدث عندما يعيش الإنسان حياة بلا «لا»؟ يصبح أشبه بمرآة تعكس توقعات الآخرين، لا بكيان مستقل، يفقد قدرته على تحديد رغباته الحقيقية، ويذوب في دوامة من الالتزامات التي لا تنتهي، ومع كل تنازل، يتآكل جزء من ذاته، حتى يجد نفسه في لحظة صادمة أمام فراغ داخلي: من أنا حقاً؟ ماذا أريد؟ وهل أملك الحق في أن أعيش كما أشاء؟
هنا يظهر الخطر الأكبر، التحول من الطيبة إلى الاستنزاف، الطيبة فضيلة، نعم، لكن حين تفقد حدودها تصبح لعنة، التضحية جميلة، لكن حين تُمارَس بلا وعي، تتحول إلى انتحار بطيء، العلاقات الصحية تقوم على التوازن، على الأخذ والعطاء المتبادل، أما حين يُختزل دور الإنسان في العطاء وحده، فإنه يفقد ذاته قبل أن يفقد الآخرين.
من نص جميل استفدت منه من جريدة الخليج