طيلة الاعوام العشرة الماضية كان هذا الرجل يعمل على فضح فساد دولة الطائفة،بصمت وهدوء لامثيل لهما..صوته كان واضحا في كل مايكتبه من مقالات في عموده اليومي بصحيفة المدى،دون أن يتعكز على الالغاز والالفاظ المقعرة،وهذه البساطة في التعبير احدى سمات المثقف الجوهرية. فكان منهجه تسمية الاشياء بمسياتها،مُستعينا بتجارب الشعوب والقادة العظام الذين اخذوا بلدانهم الى شواطىء السلام وسط عواصف الحروب والنزاعات الاهلية مِن بعد أنْ تخلوا عن مصائد وافخاخ التاريخ والماضي بما يحملانه من الغام.
بقي راصداً وناقداً بشكل يومي لممارسات السلطة وهو يطرق بقلمه على رؤوس الفاسدين في دولة كان المالكي يبنيها طيلة فترة حكمه التي استمرت لأكثر من ثمانية اعوام بشذاذ الافاق والمعتوهين.
كنّا نقرأ ما يتلقاه من تعليقات مسئية بحقه،وتشكك بوطنيته من اناس بعضهم يقف الآن في ساحة التحرير باعتبارهم مِن رُسل التغيير !!..هذا السلوك الانتهازي لمثل هؤلاء ليس بغريب ولاعجيب في العراق،بل هو جزء من الموروث السياسي والاجتماعي اعتدنا ان نتعامل معه،وتتناقله الاحزاب والاوساط الاجتماعية وكأنه أمر طبيعي ولاحراجة في ممارسته،معه انه يشكل علامة انحطاط اخلاقي قبل أن يكون سقوطا فكريا،ولم يقتصر شيوعه على فئة معينة بل امتد ليشمل مساحات واسعة،فمنهم من كان شيوعيا ليصبح في لحظة شيعياً،ومنهم من كان بعثيا قوميا وإذا به دعوجيا،ومنهم من كان صداميا فامسى مالكياً!،فلاغرابة إّذن عندما يصبح اليوم كل هؤلاء (عباديون)،مع أنني حتى هذه الساعة لاأستطيع ان اشكك بمصداقية العبادي خاصة وانني اجده كما لو أنه يقف وحيدا وسط حلبة مليئة بالوحوش ويحاول الخروج منها .
في ايامنا هذه الحبلى بما سيأتي من احداث،بعضها كبير جدا وغير متوقع وستنعكس نتائجها على المشهد السياسي العراقي بشكل عميق،والتي تستمد سخونتها من ارتفاع درجات حرارة العواطف الثورية المتصاعدة مع ارتفاع درجات حرارة مناخ العراق، ليس غريبا أن نجد شخصا مثل علي حسين ــ وآخرين كانوا على نفس منواله في كتاباتهم ــ يقف في الظل بعيدا عن عدسات التصوير،واللقاءات التلفزيونية التي اتحفتنا هذه الايام بوجوه تتحدث عن دورها الثوري في قيام التظاهرات بينما لم نعرف لها اي حضور ــ ثوري ــ طيلة الاعوام الماضية(منهم فنانون وكتاب وصحفيون )رغم انني اتحفظ كثيرا على استعمال كلمة ثوري ولا أستسيغ تداولها عندما يتعلق الأمر بالتغيير.
وخلال الاعوام الماضية التي كنّا نتابع فيها باهتمام مايكتبه علي حسين،لم نجد مايشير إلى انه يدَّعي أو يتظاهر أو يتفاخر بما يكتبه،بل مارس دوره المهني كصحفي بما تقتضيه اخلاقيات المهنة من تحمّل المسؤولية في التصدي للموضوعات التي ترتبط بحياة الناس،من غير أن يكون تفكيره منشغلا في زيادة مساحة شهرته وماسيضفي ذلك عليه من بريق،مثل ما كان عليه آخرون كانوا يعكسون في نشاطهم سلوكا هو اقرب لسلوك الباحث عن الشهرة والنجومية منه إلى مهنة الصحفي الباحث عن الحقيقة وسط المتاعب حتى لو كان ذلك على حساب المهنية والموضوعية والامانة، فمارس هؤلاء دور المخادع المُظلِل عندما ارتضوا لأنفسهم أنْ يكونوا جزءا من جوقة الطائفيين في اللحظات الحرجة من عمر الوطن،وارتضوا أن يكونوا أبواقا لدولة الطائفة أولدولة الشخص،فكانوا يبررون بكتاباتهم الشيطانية والتي عادة ماتُصاغ بعبارات زَلقةٍ ليس من السهولة على عامة الناس القبض على ماتخفيه من معان لئيمة وخبيثة،من خلالها مايحدث من انتهاكات طائفية متذرعين بشراسة المعركة على قوى الارهاب والتطرف التكفيري،فلجأوافي غالب الاحيان عبر الصحف ووكالات الانباء والمواقع الاخبارية التي يتولون ادارتها إلى التزام السكوت أو التواري عن انظار القراء أو التغاضي عن ذكر
الجرائم الجماعية التي ترتكب هنا وهناك بحق المدنيين من قبل ميلشيات مدعومة من جهات حكومية،كما حدث في ديالي وكركوك و صلاح الدين والانبار. فعدم الاشارة الى تلك الجرائم وتجاهلها والتعامل معها وكأنها لم تحدث اصلا ــ كما هو منهج قناة العراقية الحكومية هذه الايام في تجاهلها للتظاهرات ــ هو بمثابة دليل إدانة على طائفيتهم الداعمة لسلطة الفساد التي يتظاهرون ضدها هذه الايام .
رغم انني اردت في هذا المقال ان اكتب عن علي حسين بأعتباره يمثل نموذجاً جديدا مع آخرين من كتاب الرأي في الصحافة العراقية إلا أنني وجدت نفسي انساق في الحديث الى الشأن العام من خلاله وهذا يعكس حقيقة كونه النموذج البديل المحترم،في مقابل ما هو شائع في الوسط الاعلامي من نماذج تتسم بالتسول والارتزاق والمشاركة في اشاعة الفساد وإن ادعت خلاف ذلك .