يقول اوسكار وايلد:”في امريكا، يحكم الرئيس لاربع سنوات ، بينما تحكم الصحافة الى الابد” …ولايعني هذا ان امريكا لاتكبت الحريات ولاتتجاوز احيانا على حقوق الانسان ، لكنها تستمع حتما الى كلمة الصحافة باعتبارها سلطة رابعة وتمنحها حق الخلود والتاثير فيما تمنح الرئيس ولائها لاربع سنوات وربما ثمان سنوات ليفسح الطريق بعدها لرئيس غيره ..اما في بلدي فيمكن للرئيس ان يحكم عقودا من الزمن ويستخدم الصحافة اداة مساعدة لبقائه والتصاقه بكرسي الحكم كما حدث في العهد الدكتاتوري او يحكم لاربع سنوات او ثمان بينما تعيش الصحافة كذبة التعبير عن الرأي التي تصورت بانها امتلكتها في العهد الديمقراطي ، ومع تواترالاعوام ، يصبح العراق البلد الاخطر في العالم في مايخص سلامة الصحفيين ويتزايد مع كل عام عدد مايفقده من ابناء صاحبة الجلالة مابين شهيد ومغدور ومختطف ومغيب ومعتقل ، بينما يتضاعف حجم الخوف وتتحول الكلمات المحتدمة في النفوس تدريجيا الى خواطرتبثها مواقع التواصل الاجتماعي ، اما المطبوعات والقنوات الاعلامية فتحاول ان تحابي البعض او تخفف من لهجتها قليلا لتضمن دوام باب رزق العاملين فيها …
في السابق ، كان اصحاب الكلمة يعلمون جيدا ان من يتجاوز الخطوط الحمر التي وضعتها الحكومة الديكتاتورية عليه ان يودع اهله ومحبيه لأنه سيصبح مجرد اسم بين الاسماء التي حاولت التغيير في زمن يرفض التغيير ، اما الآن فقد اطلق اصحاب الكلمة افكارهم الحبيسة ايمانا بما توفر لديهم من شعارات عن الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي دون ان يدركوا انهم يعيشون عصرا لاملامح واضحة له ، فالدولة تتقاسمها اهواء واتجاهات عدة مايعني تعدد الخطوط الحمر وتنوعها وبالتالي اصبح الصحفي الذي يعبر عما يجيش في نفسه متهما من جهة وتؤيده جهة اخرى ، وحين يغيب او يتم قمعه ، يحار الباقون في ماهية الجهة التي تقف وراء
اختفائه او قمعه وبالتدريج – يضيع دمه بين القبائل – ويصبح مجرد اسم في قائمة شهداء الصحافة او المفقودين وينساه الرأي العام ويتغاضى زملاؤه عن استذكاره خشية ان يصبح مصيرهم نفس مصيره ..وتنتهي الحكاية لتبدأ حكاية اخرى ..
زميلتنا الاعلامية افراح شوقي هي واحدة من الحكايات التي بدأ الاهتمام بها يتضاءل مع تواصل الجهل بمن كان وراء اختطافها وتغييب صوتها ، فهناك من اتهم داعش باختطافها لمحاولة بث الخوف واهانة الحكومة غير القادرة على حماية الصحفيين واكد رئيس الوزراء حيدر العبادي ذلك باشارته الى تاثير قرار العفو العام عل تزايد حالات الخطف ، لكن ذلك يعني ان العراق لن يتخلص من قبضة داعش حتى لو حرر المدن المحتلة من قبلها فهاهي تتغلغل في العاصمة ايضا ، وهناك من اتهم جهات حكومية او حزبية بتكميم صوت افراح لأنها كتبت مايثير استفزازها حين تحدثت عن غياب القانون في البلد وان هناك اياد اطول منه تتحكم في مقدرات ابنائه …وخلال اقل من اسبوع صدرت الاف التصريحات الحكومية والاعلامية والفيسبوكية لتحلل وتناقش قضية افراح شوقي التي تقبع حاليا في ركن لايعلمه الا الله ومن عمل على حرمانها من حياتها وعملها واولادها ورفاقها ..بعد كل هذا ، هل سنجرؤ يوما على ان نعتبر انفسنا –نحن الصحفيون –سلطة رابعة ، أم سنظل اما اداة مساعدة للديكتاتورية واما ضحية دائمة لكذبة الديمقراطية ..لن نجرؤ بالتاكيد فلو كنا سلطة فعلا لحررنا افراح باصواتنا لكننا سنواصل الصراخ في واد لانسمع فيه الاصدى اصواتنا !