يبدو إن جرس انطلاق التحالفات السياسية قد بدا فعلا في العراق، ويأتي ذلك قبيل الانتخابات، المزمع إجراؤها في تشرين القادم من هذا العام، حيث أكملت حكومة السيد الكاظمي استعدادها لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة..
هذا ما يبدو من خلال التصريحات المتباينة بين الكتل السياسية، فهناك من يشجع على إجراءها في موعدها المقرر، في حين هناك من فضل السكوت، وإيجاد الذرائع لتأجيلها إلى السنة القادمة، أو حتى لغاية الانتهاء من الدورة الانتخابية الحالية، ولكن بشكل عام ومن خلال القراءة التحليلية للأحداث، فعلى الرغم من جميع الاستعدادت، التي أجرتها الحكومة، إلا أن إمكانية تأجيلها تبدو وكأنها أرجح من إجراؤها في موعدها، خصوصاً وانه ومن خلال متابعة تصريحات الكتل، التي توحي بعدم وجود إرادة حقيقة لإجرائها..
ما سبق قد يعود لأن هناك كتلا سياسية، سيطرت على المشهد السياسي عموماً، ولا يمكنها التنازل بسهولة عن مكاسبها، التي حصلت عليها في الانتخابات الأخيرة، والتي شابها كثير من علامات الاستفهام. من جان أخر فالحكومة قد نفذت، ما عليها من التزامات تجاه الانتخابات، بدأ من قانون للانتخابات وتوزيع العراق بشكل دوائر انتخابية، إلى تشكيل مفوضية جديدة، تأخذ على عاتقها محاولة، إجراء انتخابات شفافة ونزيهة بعيداً عن التسلط السياسي والحزبي، وصولا لإكمال قانون المحكمة الاتحادية، والتي هي من سيقوم بالمصادقة على نتائجها.. وبالتالي فالكرة صارت في ملعب الكتل السياسية، لتبين جديتها بإجراء انتخابات مبكرة، شفافة ونزيهة وبرعاية أممية.
المأزق العراقي مرتبط في جوهره بأزمة النظام السياسي نفسه، وليس الانتخابات أو شكل الحكومة القادمة، لان هذه المنظومة أُثقلت، بمجموعة من المشاكل المتراكمة منذ ٢٠٠٣ والتي يمكننا ان نلخصها بقضيتين، ” الفساد ” و” انعدام الثقة ” بين الكتل السياسية عموماً..
النظام السياسي قائم على معادلات وتوازنات، قومية ومذهبية وعلى محاصصات في المناصب التنفيذية، الأمر الذي خلق وشجع على ازدياد التموضع الطائفي لدى الجميع، وفقدت بذلك الثقة بينهم، مما خلف فشلاً طوال ثمانية عشر عاماً، وتراجعا في الملفات السياسية والاقتصادية والتنموية للبلاد، وعلى الرغم من الأطروحات السياسية والشعارات الوطنية، وعلى مختلف الاتجاهات إلا أن الكتل السياسية عموماً، عندما تدخل الانتخابات تخرج من عباءة التموضع السياسي لتدخل في خندق المذهبية.
بالمقابل نجد الجمهور هو الآخر، ذهب إلى هذا الاتجاه، واخذ يتموضع في داخله، بغض النظر عن كفاءة ونزاهة هذا النائب أو ذاك، وهو أمر كرسه النظام السياسي والانتخابي، فبدلاً من سعي الأحزاب لتنفيذ برامج بناء الثقة بينها وبين المواطن، وتوسيع العمل في المشتركات مع باقي الكتل السياسية، لجأت لتعميق الخلاف، ظنا منها إنها يمكن لها ان تستفيد شيئا من التموضع المذهبي، وهو ما سيكرس الهوية المذهبية على حساب الوطنية، وبالتالي فان السنوات الماضية لم تشهد نجاحا في بناء الثقة، وانتقال الإنسان من ثوب الطائفة، إلى ثوب الوطن ورعاية الدولة، ومن مربع المحاصصة بكل أنواعها ومسمياتها، إلى مربع الكفاءة والنزاهة والخبرة، لان من مصلحة البعض بقاء البلاد هكذا، لأنها تعتاش على الأزمات في سياستها وأيدلوجيتها.
هذا الأمر جعل العملية السياسية تبقى ساكنة كالبحيرة الراكدة، وأبقى الجمهور في هذا التموضع، خائفين من أي تقدم أو اختيار ينقذهم، من حالة الضياع والاستقرار، لشرعنة بقاء بعض الساسة، وكأنهم ستار أمان لمواطنيهم ما اضعف الدولة، وجعلها عرضة للسقوط عند هبوب اي رياح أقوى منها..
أزمة الثقة انتقلت إلى المواطن العراقي، والذي أصابه الإحباط من المنظومة السياسية، وطبقتها الحاكمة المتحكمة بالمشهد السياسي، وتملكها اليأس من إمكانية حصول، إي تغيير يمكن أن يقدم شيئا للنظام والعملية السياسية، وظلت البنى التشريعية مؤسسات هشة، وأدوات بيد النفوذ والمحاصصة المذهبية والقومية..
أزمة العراق ليست أزمة اختيار وتشكيل، لحكومة وطنية تكنوقراط أو انتخابات مبكرة، لأنه وفي كل الأحوال فإن اللاعبين الكبار سيبقون أنفسهم، ووفق شروط اللعبة نفسها ويمسكون بخيوطها، ويعيدون إنتاج أنفسهم مع كل استحقاق حكومي، ومع كل انتخابات جديدة.. لذلك تكمن كلمة السر، في إيجاد نظام سياسي جديد، لايبقى على أسس مذهبية وقومية، بل يحمل شعار الوطنية بغض النظر عن إي انتماء، ومنظومة حكم فاعلة، على أساس مؤسساتي شفاف ونزيه، مع حفظ حقوق المكونات جميعها، وكل ذلك ضمن نظام متكامل، فإذا لم يتم ذلك فان أزمة الثقة والفساد باقيتان وستؤديان إلى مزيد، من الانهيار في البناء الكلي للنظام السياسي في البلاد .