منذ بواكير طفولتنا، نبتدئ قراءة الجريدة او مجلة بتصفح زاوية التسلية او الاستراحة.. نشطب كلمة السر، ونعوض الحروف في الكلمات المتقاطعة، وتبقى فقرة واحدة “ما المختلف بين الصورتين؟” غالبا ما تكون صور مشاهير الفن أو الشخصيات الكاروتونية.إستحضرت أقاصي طفولتي، اليوم، بحاولة تصميم صفحة “إستراحة” مستغرقة في التفكير.. ايهما الاولى بالاهتمام؟ الكلمات المتقاطعة؟ ام الإختلافات السرية بين صورتين تبدوان متطابقتين؟
تنوع أفضى بي الى تساؤلات تساعدني على حسن الإختيار وصولا الى المفاضلة،… التي لم أعن بالوصول إليها؛ لأنني إنعطفت من التسلية، الى رسم نسيج سياسي…
صعود نازل
المختلف بين الصورتين من زاوية سياسية، هم حلفاء واعداء في ذات الوقت.. سماسرة في فن الرياء، يصعدون نازلين وينزلون صاعدين، في دروشة تخدع البصر والبصيرة، كيفما تشاء المصالح.. زيارات اقليمية ودولية، تطلق عمليات التحرير عند ساعة واشنطن، اما
ساعتا ايران والسعودية، فتراوح عقاربهما مشيرة الى أي زعيم شيعي واخر سني يضمن تحالفا عابرا للاشكالات الحاصلة، واي دبلوماسي يلعب لعبة القط والفار، واي رئيس حكومة مطيع.. ولاءه لا يقبل الرهان..لم اجد اختلافا في الصور، سوى انها تظهر معالم الحوار خلف جدران السياسة خارج اسوار العراق، ولعلنا نرى الاختلاف بصورة اعتدنا ان تكون حاضرة في رسم سياسة ومستقبل العراق، لكن لم يخطر على بالنا انها ضمن سياق الاستراحة السياسية.لم تقف السياسة عند الصور، بل تجاوزت الحدود، لتكون كلمات متقاطعة، تعلن الحداد تارة والانفراج تارة أخرى، بين زعامة سنية واخرى شيعية بينهما، ضاع الخيط والعصفور.. احجية اللقاءات المتكررة كانت مفاتيح تلك الكلمات؛ فهناك شخصيات لن ترضى بالقليل بعد
توشحها السلاح وامتلاكها زمام المبادرة، والتنازلات من قبل البعض قد تكون قائمة امام نفوذ البعض بعد امتلاك السلاح والمال.
الدعوة والمجلس الاعلى وبدر والصدريون، حلقة تدور بين قضبان الخلافات الشيعية – الشيعية، والمنتصر في احجية الكلمات المتقاطعة من استغل ويستغل الفرصة؛ لا يوقفه سوى مدارات السياسة الامريكية التي امست متعانقة بشكل غير معلن مع مدارات السياسة
الايرانية، اما عناصر الحزب الاسلامي وبعض الشخصيات السنية، فيبحثون عن الزعيم برغم محدودية فرص ايجاد الزعيم، التي أعقبت تساقط اوراق زعامات سنية كثر، واشتغال البعض منهم؛ لضرب من صار مصدر قلق لهم كونه امسك العصا من الوسط.لم يبقَ بين المسميات سوى الكرد الذين اصابهم مرض الانقسام بعد استبداد الزعامة وحصر القضية الكوردية بالزعيم الاوحد!
عرابو إرادات
الواقع العراقي، قائم على إفتراض معادلة صعبة، واعتقد ان المرحلة الانتقالية لن تتوقف عند حدود السنوات التي مضت؛ فعرابو السياسة صمموا على التعلم ضمن نطاق دولة ارادت، سعت الى التغيير فانقلب السحر على الساحر!
تفككت الكتل السياسية المهولة.. تمور بجسامة جثمانها المترهل بطنة كسول.. تلاشت من قناعات الشعب، وحلت بدلا عنها كيانات جزئية، إنشقت عنها، مثل بحار يتمسك بلوح خشبي ينجيه من سفينة غارقة.. لكن الناشئ الجديد إمتداد للأم المقصية.. يحمل صفاتها
وأشد إيغالا في أخطائها، تشابها مع سابقتها في الدوران ضمن أحد الأفلاك الثلاثة.. ايران او تركيا او السعودية، وكلهم مشدودون الى راسي الهرم.. اسرائيل واميركا، مع تماس عرضي مع ذيول اوربية وسوفيتية، تسع لتحقيق وجود لن تطاله؛ لأنها مهما فعلت لن ترتقي
لمستوى راسي الهرم اللذين صمما قواعد التغيير وفق تحالفات ازلية..
إسرائل وامريكا عمودا الخيمة، وايران والسعودية وتركيا أطنابها، والعراق في العراق خارج خيمته.. في قر الشتاء وتحت صهد الشمس.
كلماتي المتقاطعة كثيرة، لكن ما اريد الوصول اليه، هو ان التغيير لن يكون عبر انتخابات محلية وبرلمانية قريبة، تتقافز خدعا عبر اربع سنوات عجاف؛ فالخارطة وزعت تحت زعامات ناشئة وزعامات ثكلى.. كلاهما اتفقا على ان يكون التصنيف السني والشيعي،
برنامجهما الانتخابي؛ للهيمنة عاطفيا على الناخبين، وحصد أصواتهم ثمارا لفساد يعدج بنزاهة تومض من بعيد.. فلا تصل ولا تتقد ولا… هم يحزنون.
و… يستمر استنزاف ما تبقى، وتسلم الارض ارضا… لأن السماء لن تكون غير السماء!