23 ديسمبر، 2024 1:30 م

كلمات لها وقعها المدّوي …

كلمات لها وقعها المدّوي …

-1-
اذا كانت الكثرة الكاثرة من الناس ، تنأى عن المواجهة الساخنة مع السلطويين خشيةً منهم ، فأنّ ذلك لايعني على الإطلاق فقدان الأصوات العالية ، التي لاتخشى ولا تنافق وانما تنطق بصريح الكلمات لتسمعهم مرّ الحقائق ….
ان الذين يعيشون في إطار الحفاظ على مصالحهم الشخصية ، ويتجنبون الأعمال والأقوال ، التي تغضب السلاطين والحكّام ليسوا إلاّ مجاميع بشرية، لم تستطيع أنْ تحطّم أسوار التاريخ، ولا اقتحام القلوب، وارتضوا لأنفسهم ان تقرن أسماؤهم بعلامات الاستفهام، عن دوافع تلك النزعة المحابية للسلطويين على حساب المظلومين والمحرومين ..!!
ان الناس تمجّد الأحرار ، ولا ترتضي من الخانعين مفارقات المسار..!!
وهذا صوت الحسين يدوي :
” هيهات منّا الذلة “
” اني لا أرى الموت الاّ سعادة والحياة مع الظالمين الاّ برما “
” وعلى الاسلام السلام اذ بليت الأمةُ براعٍ مثل يزيد “
وهكذا تجد ان صوته صرخة مدوية بوجه الانحراف ظلت مدويةًعابرةً للأقطار والأعصار …
بينما تدحرجت الى السفح أسماء كان بمقدورها ان تلمع في آفاق البطولة والمروءة والدفاع عن الانسانية المعذبة لو كانت قد حملت
همومها وانتصرت لقضاياها العادلة …
-2-
قرأنا في التاريخ
ان المنصور حينما حجّ ، حجَّ معه ابن أبي ذئب ، الذي قال عنه احمد بن حنبل :
” كان ابن أبي ذئب يشبه سعيد بن المسيب ”
فقيل لأحمد :
أخلّف مثله ؟
قال :
لا                                  (تذكرة الحفاظ للذهبي /1/143)
يقول أبو نعيم :
دعا المنصور ابن ابي ذئب الذي حج معه ، فأقعده معه على دار الندوة ، فقال له : ما تقول في الحسن بن زيد ؟
قال :
انه ليتحرى العدل
فقال له :
ما تقول فيّ ؟
وأعاد عليه فقال :
” ورب هذه البنيّة ، أنّك لجائر “
حلف ابن ابي ذئب بربّ الكعبة ان المنصور جائر، وواجهه بهذه الحقيقة دون وجل أو خوف، فتصدى الربيع له محاولاً ايذاءه ، فقال له المنصور :
(كُفَّ يا ابن اللخناء) …
ان المنصور انما اصطحب ابن ابي ذئب لانه كان يريد التظاهر بحب العلماء وتقديرهم، وما أَمَرَ الربيع بالكف عن ابن ابي ذئب الاّ لنفس السبب .
اي انه كان يريد ان يقال عنه :
ان حبه للعلماء دفعه للاستماع الى آرائهم دون ان يرد عليهم ،
وهذا شأن المتطلع الى تقويم نفسه .
وكل ذلك لا أساس له من الصحة ، لان المنصور كان طاغوت بني العباس ، وكان من أشدّ الحكام بطشاً وفتكاً بالأبرار والأحرار
-3-
ويدخل المهدي العباسي الى مسجد الرسول (ص) بالمدينة المنورة –على ما قيل – ، وابن ابي ذئب ، فقيه المدينة ، فلم يبق أحدٌ ممن في المسجد الاّ قام للمهدي العباسي بوصفة الخليفة .
الا ان ابن ابي ذئب لم يقم للمنصور فقيل له :

قمْ ، فهذا أمير المؤمنين
قال :
انما يقوم الناس لرب العالمين .
فقال المهدي :
” دَعُوه … فقد قامت كل شعرة في رأسي “
وقد نسج على منوال (المنصور) في تعامله مع ابن ابي ذئب ..!!
-5-
والمطلوب اليوم :
من علماء الأمة ومثقفيها وذوي الشأن والرأي فيها ان يجهروا بإسماع الحكّام، كلمة الحقّ دون وجل ولا خوف،
 قولوا للمقصر في حق الشعب :
انك مقصر .
وقولوا للمنغمسين الى الأذقان في تأمين حاجاتهم :
اهتموا باشباع حاجات المواطنين
اهتموا بالفقراء والبائسين
اهتموا بالأرامل واليتامى والمعاقين
اهتموا بالحفاظ على المال العام
اهتموا بانجاز المشاريع الخدميّة
فالانجاز هو المهم، وليس المهم إحالة المشروع وقبض العمولة..!!
وأهم من ذلك كله :
الاهتمام بتأمين سلامة المواطنين والحفاظ على أرواحهم بعد ان اصبح كل انسان عراقي (مشروع شهادة) يمشي على قدمين ..
 
[email protected]