19 ديسمبر، 2024 12:14 ص

كلمات دمرتنا كلمات دمرتنا

كلمات دمرتنا كلمات دمرتنا

من المعروف ان الشعوب والأمم والدول تتطور او تتخلف نتيجة لتصرفات أبنائها والذين تحكمهم مجموعة من الأفكار وطرق التفكير الخاصة التي تميز شعباً عن اخر وبلداً عن اخر وامة عن أخرى، وبغض النظر عن تعكز الكثير من الأمم المتخلفة والمنغلقة على نفسها والبعيدة عن روح العصر على نظرية المؤامرة وأنها مستهدفة وان عملها يذهب سدى لأن (الاخرين) يضيعون جهود هذه الشعوب بمؤامراتهم وتخطيطهم لتسقيط البلد الفلاني وتدمير الدولة الفلانية فأنني سأتحدث عن بلدي العراق كنموذج للدول المتهرئة بسبب سلوكيات أبنائها وافكارهم الهدامة الخاطئة على الاعم الاغلب وكما يقول علماء الاجتماع فأن الشعب تحكمه أفكار تظهر على شكل كلمات تشيع على السن الناس ومن خلالها يمكن استقراء كيف يفكر هذا الشعب وكيف ينظر الى الأمور. استناداً الى الحقائق أعلاه (والتي لن يوافق عليها الأغلبية لأنها تمسهم في الصميم!) سأسرد لكم بعضاً مما يدمرنا من كلمات بسيطة تحمل في طياتها أحد أسباب الدمار والخراب على كافة المستويات:

* هيه خربانة! هذه الكلمة اكاد اجزم انها أكثر كلمة شائعة على السن العراقيين وفي كل زمان ومكان فحين تطالب أحدهم بالالتزام بالقانون يجيبك (هيه خربانة! يا قانون يا بطيخ!) وحين تطالب الطالب بأن يدرس ويتعلم يجيبك (هيه خربانة! يا علم يا بطيخ!) ونفس الحال حين تخاطب الجندي والشرطي والبقال وعامل الخدمات بل وحتى المدير والقاضي والمهندس والطبيب والفلاح وكل طبقات المجتمع! ان من يمعن النظر الى ردود فعل الناس تجاه ما يحصل حولهم وكيف انهم يتفهون ويسطحون ويسفهون كل شيء يظن انهم شعب ملعون بلعنة (هيه خربانة!) فالكل من حيث يعلم او لا يعلم يساهم في الخراب بمجرد قول هذه الكلمة لأنها ثقافة سلبية فكرة هدامة وايحاء لاشعوري ينتقل من شخص لأخر كالفيروس وفي النتيجة يتم مخاطبة لاوعي الناس بأن الوضع الى أسوأ فيقوم العقل الباطن بالإيعاز الى العقل الظاهر بالتصرف على أساس الخراب واتخاذ ردود فعل عدائية تجاه الناس والوضع والانتقال من سيء الى أسوأ في طريقة التعامل مع الناس والاشياء فيعم الخراب بالنتيجة!

* شدعوة عليك! هذه الكلمة المشؤومة المؤذية هي رد فعل الناس تجاه أي شخص جدي في العمل والعلم والسلوك العام. فأي شخص يقوم بأي عمل ينم عن إحساس بالمسؤولية والوعي والحرص على الصالح العام يأتيه الرد سريعاً (شدعوة عليك!) أي انهم يقولون له (على مهلك! الى اين تذهب؟ لا تندفع وراء المبادئ والقيم وهذه الكلمات الكبيرة! فالوضع كما تعلم في الحضيض وفي كل النواحي فلا داعي للمبالغة في الدعوة الى الالتزام والقانون والنظام فالكل يعلم ان لا امل!) هذا هو مغزى كلمة (شدعوة عليك!) التي هي رد الفعل البديهي للناس اليوم للأسف مما يخلق شعور مشابه لما تخلقه الكلمة الأولى من حيث حث الناس بشكل غير مباشر على عدم اخذ أي امر بشكل جدي وعدم التعامل مع أي موضوع بأهتمام فيتحول الشعب كله تدريجياً الى كتلة من اللامبالاة واللاشعور ويتحول الانسان ذلك المخلوق المكرم الى مجرد الة ليأكل وينام ويتغوط ويفسد في الأرض التي وجد لأعمارها واصلاحها!.

* (هل تعرف انا من؟ وابن من؟ ومن أي جهة؟ ومن أي حزب؟) اما هذه الكلمات او الأسئلة الاستنكارية الغنية عن التعريف فالكل قد سمعها او رأى شخصاً يقولها في يوم من الأيام حتماً فتدل على التعالي والشموخ الذي يقوم به أبناء العشيرة الفلانية (لأنهم خوش زلم يحبون الطلايب وما يجرؤ احد على التقرب منهم!) فتضفي عدائيتهم وشرانيتهم على أبناء العشيرة هالة من الابهة والشموخ والشعور بالعظمة من قبل حتى أطفالهم لأنه يفتخر انه من ال فلان الفلاني! ونفس الامر ينطبق على فلان الذي ما ان يوقفه شرطي المرور بمخالفة حتى يقول له (هل تعرف من انا؟ انا ابن فلان المسؤول الكبير المعروف بعلاقاته) فيقوم الشرطي مباشرة بالاعتذار ويسمح له بالمضي قدماً في الشارع بلا حسيب ولا رقيب ولا عقاب ونحن نعلم ان من امن العقاب اساء الادب وكم اصبح اليوم لدينا من هم فوق القانون ولا يخافون من عقاب ولا حساب من أحزاب وتجمعات وتكتلات وحملة الهويات المخيفة ووووو الى ما لا نهاية ويبقى القانون يطبق على الفقير الذي ليس له سند وظهر متنفذ وانا لله وانا اليه راجعون. أقول فقط لأصحاب هذه الكلمات ان الدنيا تدور وانكم مهما تكبرتم وتجاوزتم وتعاليتم على الناس واذيتموهم فأن ذلك سيزيد من سوء عاقبتكم في الدنيا والاخرة فأحذروا.

* انت من يا عمام؟ أي من أي عشيرة انت؟ هذه الكلمة تقال عادة حين ينشب خلاف بين شخصين ولأتفه الأسباب حيث يسارع احدهما او كلاهما الى التحقق من عشيرة المقابل فأن كان من عشيرة قوية التجأوا الى تسوية الخلاف سلمياً

والا ف(الفصل العشائري) هو الحل حيث تقوم العشائر القوية بأخذ الجزية لسبب او بدون سبب فقط لأنهم يستطيعون وفقط لأنهم لا يخافون من اكل الحرام فينتشر الحرام في البطون فتعمى الابصار والعيون ويقفل العقل عن استيعاب القول ويطبع على القلب فلا يستجيب لأي نداء هداية ولا دعوة الى الخير وما اكثر من وصلوا الى هذه الحال! الكارثة الادهى والمشكلة الأكبر ان هؤلاء يجدون من يبرر لهم افعالهم او يوهمهم بوجود صكوك الغفران وانهم بمجرد فعل العمل الفلاني فأن ذنوبهم ستتساقط كما يتساقط ورق الأشجار في الخريف! ولذا تراهم يفعلون ما يفعلون مرتاجين مطمئنين الى انهم مهما بالغوا في اكل الحرام وظلم الناس وايذاء الجار وهتك الحرمات وارتكاب المحرمات فأن هناك صكوك غفران تنتظرهم في وقت معين ومكان معين فيقومون بالفعل الموصوف ويظنون انهم قد أفرغوا عهدتهم مما بينهم وبين الناس وبينهم وبين الله وينامون ليلاً هانئين مطمئنين وهم لا يعلمون كم من مظلوم وجائع وفقير يرفع يديه بالدعاء الى جبار السماوات والأرض يدعوا على كل من سلب حقه وساهم في ظلمة واذيته فه يعتقد عاقل ان الله تعالى يرضى بالظلم ويغفل عقوبته؟ مالكم كيف تحكمون! واي كوارث تفعلون؟ وما أقبح ظنكم بالله الحق العدل الذي لا يظلم أحد شيئاً ولا يضيع عنده حق أحد! أو تظنون انه تعالى فقط (غفور رحيم) وهل نسيتم انه (شديد العقاب) و (جبار منتقم) و (حكم عدل)؟ اللهم رحماك مما فعل ويفعل الظالمون والجاهلون.

* الله غفور رحيم: نعم هو تعالى ارحم الراحمين وهو تعالى غفار الذنوب وستار العيوب وقد كتب على نفسه الرحمة ولكن هذا لا يعني انه تعالى سيساوي بين مذنب ومحسن وانه تعالى سيدخل الظالم والمظلوم جنته معاً وانه تعالى سيغفر للمعاند والجاحد والمستهزئ بالقيم والأخلاق ومن يفعل الذنب وهو يعلم انه خطأ ويمني النفس بالمغفرة بلا توبة حتى. باختصار أحد أكثر الكلمات التي هي كلمة حق يراد بها دعم الباطل وتقويته هي هذه الكلمة التي تحمل أقدس المعاني ولكنهم يستخدمونها أسوأ استخدام فتجد المذنب الموغل في الذنوب يستخدمها حين تدعوه الى ترك الذنب وحجته ان الله تعالى وحده من يحدد من يدخل للجنة ومن يدخل للنار وانه تعالى سيهديه بعد ظلال وانه سيتوب ولو بعد حين وغيرها من المبررات التي يسوقها الناس لتبرير ذنوبهم وتصرفاتهم الخاطئة القبيحة التي تملأ الخافقين فإلى متى؟ أتمنى من كل مذنب (وكلنا مذنبون) ان نتذكر غضب الله تعالى وانتقامه وسخطه قبل ارتكاب الذنب لا ان نؤمل أنفسنا بالرحمة ونعمل الذنوب وكأننا نقف اما الخالق العظيم ونقول (انا اعلم ان هذا العمل خطأ ولكني افعله لأنك ستغفر لي عاجلاً او اجلاً!) فأي وقاحة هذه واي تمادي في الامن من غضب الله تعالى والذي يعتبر احد الكبائر فأحذروا!.

* هيه تصفة! أي ان الأوضاع والأمور مهما بلغت من تعقيد وخراب فأن مصيرها ان تحل لوحدها ولو بعد حين! واي عاقل يؤمن برسالة الانسان في الأرض يرضى لنفسه بأن يكون متفرجاً على ما يجري حوله بلا تدخل وتخطيط وعمل للتغيير؟ وهل يظن عاقل ان الإصلاح والتغيير سيأتي على يد ملائكة من السماء! الا نقرأ في القران الكريم ان الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؟ إذا كيف (هيه تصفة!) لماذا نغالط أنفسنا ونعمل بغير ما تمليه عقولنا علينا ونخدع أنفسنا باستمرار ونستمر في الخداع حتى نصل الى مرحلة نبدأ بها بالكذب على أنفسنا ثم اقناع أنفسنا ان كذبتنا حقيقة! ثم نتهم كل عامل للخير او محاول للعمل للإصلاح بأنه يبالغ فيما يفعل او انه مجنون لأنه يظن انه يستطيع الإصلاح والتغيير ومع ذلك نؤمن انها (هيه تصفة!) عجيب والله!.

قطعاً لا ادعي انني احطت بكل العبارات والكلمات التي تدمر مجتمعنا وبلدنا وأنفسنا بدون ان نشعر وانما اخذت نبذة عن بعضها واعتقد ان الكاريكاتير قد تكفل بشرح سلبية الكثير منها بأسلوب كوميدي ساخر وللأسف مهما قلنا وصحنا وتكلمنا فسيبقى مستوى استجابة الناس محدوداً لأن من لا يعلم انه مريض فلن يبحث عن الدواء بل ولن يقرأ أي شيء من يعتقد انه يفهم كل شيء ويعرف كل شيء وانه (أبو الحضارة!) و(منبع التاريخ!) و(من علم الناس الكتابة!) و(من صنع العجلة!) وغيرها الكثير من الأفكار الفارغة التي تملأ عقول الكثيرين بدون ان يكون لها أي تأثير يذكر على حاضرنا او مستقبلنا وانا لله وانا اليه راجعون.