الطيبون مصابيح صغيرة نورهم يملأ الكون بأكمله، ولا نعني بالكون الفضاء الواسع، بل هو المحيط الذي يحيط بهذا الكائن البشري الودود، أو مجتمعه الذي يختلط به، ويتعامل مع الآخرين بحسن النوايا، ونقاء السرائر، وإلا ما يضير هذا الإنسان المتميز في طيبته، عندما يتم إنتقاده أو العبث ببعض زوايا حياته.
يعيش بيننا الصالح، لكن ما يهمنا منه بالمقابل هو براعة إنتاجه، وقوة طرحه، ومقدار تأثيره في الصورة والكلمة، وحتى الصوت فأحياناً كثيرة يكون صراخ المبدعين أقوى من هدوء الفاشلين، لذا لن يَضيع المبدع أو الموهوب وقته، في تتبع هذا النقد أو ذاك، بل يسير قدماً سيراً حثيثاً نحو النجاح، فيقول: ها أنا ذا بصوت الواثق.
هناك حكمة تقول: الأسلوب زهرة لا تنبت في كل الحدائق، وكذلك هي خصلة لا يمتلكها كثير من الناس، والحقيقة أن تعقيدات الحياة، أوجدت حوارات من السجال العقيم، والترهل الزائد في السلوك والإلحاح، وأيضاً الإدعاءات الزائفة لبعض المدعين، من أجل أن يحظوا بما يشتهون، بعيداً عن إصطلاحات التباهي بكبريائهم المزيف، الذي لا يغني من جوع.
قد يبكي الكرسي المكسور، ويحرقه لهيب الاغتراب، لأنه بثلاثة أقدام، ومن الصعب صموده بوجه العاتيات، فمثقفونا وسياسيونا لا يبكون، رغم أن عقول بعضهم، تغوص في رماد الفكر المسموم، بإسم الحرية والحداثة، فيستهويهم الغرق في متاهات المقاهي، وبيوتهم مثقلة بالغياب، فتأخذهم جلسات الأحبة والأصدقاء، ليبنوا أحلامهم وأمجادهم الزائفة، ويتمنوا أن لا تنتهي رغم تفاهتها.
لا يمكن للإنسان تصور نجاحه أو فشله، وهو يعيش بطريقة التغاضي والتراضي، ويتنازل عن بعض مبادئه، مقابل بعض المجاملات المارقة، التي قد تدر عليه ببضع دنانير، وقد تلاحظ متسولاً في يوم من الأيام مستلقياً، على سرير يغلفه الحرير، وتحيطه الجواري، ويتناول شحم المحار، وبيض الكافيار، رغم فقره، لأن كرامته عنوان بارز حافظ عليها، وقد تشاهد سياسياً مفترشاً الأرض، يأكل من فتاتها، وبقايا المزابل، لأنه لا يملك ذرة من الكرامة المفقودة حين يدعيها، ثم تهرول نحو الورقة لتكتب، أن هناك خطأ ما قد حدث.
ما يشجع توقعاتي تلك، هو إنني الآن فوق القمر، وسأردد حتماً أنشودة الحرية، بصوت المنتصر، وسينتهي الأمر فما بعد التحرير سيأتي التغيير، ويتمتع المشاهدون برؤية أشباه الرجال، وهم خاضعون لحكم قاسٍ لا وجود للحرية فيه، حيث سيحكم الرجل بأزيز الرصاصة.
ختاماً: عند هذا الإنسان تقف مصابيح الطيبة مؤقتاً، لتدرس المشهد جيداً، وتدرك عواقبه مجدداً، سيما وأنه لن يتخلى عن ثروته مطلقاً، فالشعب أقوى من الطغاة، وهناك في المنفى يقول سأعود لوطني، لأن المحراب بانتظاري، وهنا تتميز براعة الإنتاج، وقوة الطرح، لهذا عزيزي الحالم، لا تصدم عندما تتحقق كل كوابيسك، وتتلاشى أحلامك.