قيل ان الشيخ الزاهد مالك بن دينار وهو من سادات التابعين الزهاد، وأمهر نسّاخ المصاحف، وأكثر الوعاظ تأثيرا، جلس يقرا ُالقرأن والحديث ويذكّر الناس، وكان بجانبه مصحف، وتأثر الناس بوعظه فوجلت القلوب وذرفت العيون ، لدرجة انهم كانوا خاشعون و يبكون في مجلسه وخرج لقضاء حاجه ولما عاد تفقد مصحفه الذي كان يضعه في محراب المسجد فلم يجده فبدأ يتحدث عن فساد الزمان وأخلاق أهله وكيف ان السرقة من المحرمات وكلما عاد وزاد اشتد البكاء وعلت أصواتهم بالنحيب، فتأمل فى وجوه المتباكين وأنصت لضجيج أصواتهم وكلما سالهم ازدادوا خشوعاً و بكاء..فقال كلمته الشهيرة (ويحكم كلكم يبكى فمن سرق المصحف؟).
كلما تابعت معارك التصريحات والوثائق السرية والملفات المخفية في مختلف وسائل الاعلام والتراشق بالالفاظ وتبادل الاتهامات والتمشدق بالجهود التي تبذلها كل جهة في محاربة الفساد المالي والاداري وسبل المحافظة على المال العام وحماية مصالح المواطنين كلما رأيت واستمعت إلى ذلك تذكرت مقولة مالك بن دينار(من سرق المصحف ؟).
في غمرة الفيضانات والانفجارات وانعدام الامان والخدمات نصرخ بكلمات ابن دينارفي وجه كل من تسلم مواقع المسؤولية من قادة ورؤساء جمهورية ونوابهم ورؤساء وزارة ونوابهم رؤوساء مجالس نواب ونوابهم والنواب والوزراء وكل من رفعوا شعارات الوطنية والاخوة الوطنية واوهمونا باننا قادمون على مستقبل واعد وحياة افضل لنا ولاجيالنا القادمة ولكل اصحاب التصريحات والدعايات الانتخابية ولكل من باع واشترى وتاجر بشعارات الشفافية والنزاهة ورفع المظلومية عن الشعب العراقي بكافة مكوناته نصرخ ونكرر الصرخة في وجه من باع ثروات الوطن وحولها الى ارصدة تتخم بها بنوك لبنان والامارات وسويسرا ولندن وكافة دول العالم ونصرخ بهده الكلمات ضد كل من منح تلك الاموال الى ابناء الحرام واشياعهم وزبانيتهم وكل من سهل لهم وكل الخاضعين والمدافعين عنهم والمنظرين لهم (ويحكم من سرق المصحف؟).
بكلمات ابن دينار نصرخ في وجه من وعدونا بالمن والسلوى واوهمونا ان المستقبل مشرق وان العراق سيكون مركز الاستقطاب في العالم ليتحول الى واحة الاستثمار العالمي وقبلة رؤوس الاموال وورشة عمل ترفع عن جبين هذا الوطن ظلم السنوات العجاف لنصحو من الحلم الجميل على حقيقة ان العراق يقع في ذيل قائمة الشفافية الدولية لا يتفوق عليه سوى الصومال وحقيقة ان ماحلمنا به قد تحول الى استثمارات ولكن في الاردن والمغرب والامارات ولبنان ومختلف عواصم العالم ( ويحكم من سرق المصحف ؟) .
في وجه من وعدنا بالامن والامان ورغد العيش وحقوق الانسان وان العراقي سوف يتمكن من الحركة في كافة ارجاء الوطن بحرية ودون ان يسئله سائل الى اين او ماذا تفعل ومن اين اتيت والى اين تذهب لنجد ان بغداد تقطعها الف ومائتين نقطة سيطرة امنية وان كنت عبد الزهرة فلايمكن لك دخول الانبار وان الطريق الدولي غير مسموح بالسير عليه الا لمن كان من طائفة معينة وان كافة الوعود قد تحولت الى مواكب يتنقل فيها ضباط تطرز اكتافهم نجوم لاعد ولاحصر لها لاهم لها سوى السير عكس الطربق ومضايقه عباد الله الفقراء ان العراق اصبح في ذيل قائمة الدول التي تحترم حقوق الانسان نصرخ ( ويحكم من سرق المصحف ؟)
ضد كل من وعدنا بالمنجزات مع المسؤولين الساهرين على مصلحة الوطن والذين اشبعونا كلاماً احلى من العسل ولكن حصاده كان امر من العلقم خدعونا بصلاتهم وخشوعهم و بكاءهم وها نحن في بلد يعتبر من اغنى الدول ونسبة الفقر فيه تصل الى مستويات رهيبة لاتنافسها سوى الارقام في زيمبابوي والصومال بلد الازمه تتلو الازمه (من سرق المصحف ؟)
في وجه كل من وعدنا ان يكون العراقي محترم في كافة دول العالم وان كافة الابواب سوف تفتح في وجه العراقي وان الايام التي كان العراقيون فيها يتسكعون على بوابات السفارات ومكاتب الامم المتحدة بحثا عن فرصة للهجرة سوف تنهي ليصفعنا العالم بان يعلن بان الجواز العراقي يعتبر من اسوء وثائق السفر نصرخ (ويحكم).
كلكم يتحدث عن مكافحة الفساد فمن الذى يمارسه، كلكم يتحدث عن خدمة المواطن ومصالح الوطن وخدمة العراق ، كلكم يتهم الآخر بتعويق الإنجاز وحركته، ورقى المجتمع ونهضته، كلكم يتحدث عن مشاكل العراق وازماته التى لا بد من الخروج منها والتكاتف للتعامل معها، والاصطفاف للخروج من عنق الزجاجة الذى نحن فيه، كلكم يبكي على العراق وعلى الفقراء والمظلومين ، كلكم يلقى بالتهم على نظيره بأنه سبب ما نحن فيه، وزادت التراشقات، واختفت التوافقات، وبدات كل الأطراف عمليات تسقيط استخدمت فيها كل مفردات قاموس الهجاء والاتهامات، بل دخلت مفردات جديدة لم يعرفها القاموس العراقي سابقا فاتسعت الشقة، وزادت كل مظاهر الفرقة بعد هذا اليس من حقنا ان نطلق صرخة تشق الصدورويحكم كلكم يبكي فمن سرق العراق ؟ .