في كتابه عبقرية الإمام علي “ع” يصف الكاتب الكبير عباس محمود العقاد حادثة دومة الجندل التي احتكم فيها الحكمان بعد قصة طويلة في معركة صفين بين جيش الإمام علي ع” وجيش معاوية ورفع المصاحف على الأسنة والاتفاق على ان يكون الحكم من أهل الشام عمر بن العاص وعن أهل العراق أبو موسى الأشعري الذي رفضه الإمام وأعترض على ان يمثله ابو موسى لكن أهل العراق أصروا على ان يمثلهم ابوموسى الأشعري كما هم الآن أيضا !! وقف الحكمان على دومة الجندل وهو المكان الذي اتفق الطرفان على ان يكون مكانا للتحكيم وبعد ان استطاع ابن العاص من خداع الأشعري انتفض الأشعري غاضبا وقال يهجوا ابن العاص : مثلك كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث, فأجابه ابن العاص ومثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا ,,يعلق العقاد على هذه الواقعة بلوعة ويقول (كلب وحمار قررا مصير الأمة ) ويردف قائلا انتهت تلك المأساة بتلك المهزلة او تلك المهزلة بتلك المأساة,,منذ ذلك اليوم والعراقيون لديهم أزمة في الاختيار وليس بمقدورهم اختيار الأصلح والأكفأ حيث قال لهم الإمام علي ع” هذا ولدي الحسن وهذا الاشتر وهذا ابن عباس وكلهم أكفاء لابن العاص ولا يمكن ان يخدعهم لكنهم أبوا إلا أن يكون الأشعري ,,وهم الآن أيضا يختارون الأشعري كلما سنحت لهم الفرصة في الاختيار والتعبير عن الرأي وتلك من خصائصهم التي امتازوا بها على مر الأجيال,,حيث الاعتراض وعدم الوضوح والتخبط في الرأي ديدنهم فهم بعد قضية التحكيم انشق منهم الكثير ونشأت فرقة الخوارج بدعوى ان لا حكم الا لله وهم في بادئ الأمر من استجابوا للتحكيم واشترطه على الإمام,,عندما تكون الأمة على مفترق طرق وهي دائما منذ ولادتها والى اليوم في أزمات مستمرة وكأنها خُلقت لتقف على مفترق الطريق وفي كل جيل ينبري لها قوم ليقرروا لها مصيرها فبعد ان قرر الكلب والحمار بتعبير العقاد مصيرها,, ينبري لها اليوم أصناف من الأفاعي والحيتان ليقرروا لها موقفها ومصيرها أيضا فمنهم من يقتل الحقائق من اجل المصالح ومنهم من يأكل الأخضر واليابس وينادي هل من مزيد؟ تلك هي أمتي التي رضيت بتحكيم الاشعري الرجل الجبان وضعيف الرأي ولم يقبلوا بالاشتر الرجل القوي الشكيمة الذي كان امة وحدة ,,كيف لهذه الأمة ان تنهض وهي تطمر الكفاءات وترفع شعار سيادة الروابط على حساب الضوابط وتكتفي بالقشريات والشعارات وكأن المتنبي ينظر لها الان عندما قال(( أغايَةُ الدِّينِ أن تُحْفُوا شَوَارِبَكُمْ * يا أُمَّةً ضَحِكَتْ مِن جَهْلِهَا الأُمَمُ)) فإذا كانت الأمم تضحك على امتنا في زمن المتنبي فماذا ستفعل الآن وهي ترى ما لم يكن يخطر في ذهن المتنبي من الانحطاط الحاصل ألان في مختلف جوانبها وعلى مختلف المستويات سوى كانت اقتصادية او اجتماعية او سياسية ..ان الأمم الأخرى ألان تهزأ وتضحك الى حد الهستريا عندما يقوم خطيب يقدم لهم الإسلام نظريا ويقوم شخص آخر وعلى الهواء بأكل قلب شخص اخر مسلم ايضا وهذا يقدم الإسلام عمليا .. مما جعل الأمم الأخرى الآن في صدمة اذ متى يمكن ان تصحوا هذه الأمة التي كانت خير امة أخرجت للناس,, في السابق كلب وحمار قررا مصيرها وألان بغل وحصان وأفاعي وحيتان يقررون شؤونها ويرعون مصالحها فهي اليوم بأمس الحاجة لمن يصعقها فيعيد لها وعيها ويوقظها من سباتها العميق الذي لم يفارقها والذي جعل أبنائها في حيرة من أمرهم يتخبطون وينعقون مع كل ناعق حيارى في أمرهم لا يُنتظر منهم الخير ولا يُصنع بهم النصر.