21 نوفمبر، 2024 8:12 م
Search
Close this search box.

كلا,,, لتنفيذ أحكام الأعدام في العراق 

كلا,,, لتنفيذ أحكام الأعدام في العراق 

اذا كنت من مناهضي عقوبة الاعدام فمرحى لك! اما اذا كنت عزيزي القارئ العراقي من مؤيديها فانت انسان بلا ضمير اذا لم تقرأ كل الكلام حتى اخر حرف منه وبعدها تقرر ان كنت ستواصل موقفك السطحي اللاعقلاني وتتحمل برقبتك دم حوالي 300 انسان بريء على الاقل, هم مثلي مثلك, انت تطالب بقتلهم بجرة قلم لمجرد اشباع احقادك وغرائزك الثارية الحيوانية وتصورك المغلوط عن العدالة وكيفية تحقيقها, وان دافعك ثأري أنتقامي بدون تمييز وانك لاتبحث عن العدالة ولا عن ردع المجرمين ولا حماية المجتمع. وانك تنتقص حتى من قيمة نفسك امام المراة وامام العالم حين تطالب بتنفيذ الاعدامات.
اي مجتمع من مصاصي الدماء نعيش به؟ فمباشرة بعد تفجير الكرادة الفاجع الاليم, وككل باقي التفجيرات, انطلقت نداءات مسعورة بكل المنتديات العراقية ووسائل التواصل الاجتماعي تطالب بتنفيذ اعدام المحكومين في السجون العراقية فورا وبلا تمييز او تأخير. لم يطلقها اهالي الضحايا المكلومين (وحتى لو كان الاهالي هم من اطلقوها فنقدر مشاعرهم وغضبهم وهيجانهم الفوري) وانما اطلقها ثوار الكيبورد ممن لاعلاقة لهم من قريب او بعيد بالضحايا. ومباشرة تلقفتها الاوساط الخبيثة الدراكولية التي تعيش بيننا والتي لايشفي غليلها احراق طوائف كاملة من العراقيين حتى بوقت السلم والمصالحة فما بالك وصور الضحايا الابرياء وبالمئات تملأ كل وسائل الاعلام والتواصل. فتصاعد النفس الانتقامي الهمجي بكل مكان وصولا الى رئيس الجمهورية فايقظته من شخيره ليوقع على تنازل لصلاحياته الى وزارة العدل التي يحكمها حزب الفضيلة والشيخ اليعقوبي (المثيرين للقلق بمجرد سماع اسمائهم) فضلا عن ترك ارواح المحكومين المدانين تحت رحمتهم, ان كانوا يعرفون فضيلة الرحمة اصلا. وهناك من الساقطين المعروفين باجرامهم من يهدد دوائر السجون بالاغارة عليها وتنفيذ الاحكام بانفسهم وكاننا نعيش في غابة او بالقرون الوسطى الرعاعية.
بالارقام هناك 3 الاف مدان بالاعدام في سجوننا حاليا. ولنفترض جدلا ان 90% منهم مجرمين مع سبق الاصرار ومعترفين بجرائمهم وغير نادمين ويستحقون اقصى العقوبة, فيظل هناك 10% اي 300 انسانا على الاقل بين بريء وبين مدعي على نفسه وبين مريض نفسيا (وبالتالي غير مسؤول عن افعاله مع ان كل الارهابيين والمجرمين الخطرين هم بتصوري مرضى نفسيين) وبين من اتهم وحكم زورا وبهتانا وتلفيقا او بشهادة مغرض او مستفيد او مخبر سري فاسد. فحتى في ارقى انظمة العالم تشريعا تم توثيق حالات اعدام استنفذت كل شروطها القانونية ولكن تبين لاحقا انها كانت خاطئة بل وتقدم المرتكبون الاصليون للجريمة باعترافاتهم بعد اعدام الابرياء. فكيف يكون الحال في بلد مثل العراق وكل مؤسساته هوسة وفلتان وفساد ومحسوبية ومحاصصة وطائفية؟ وهناك ثقة مهزوزة واضحة بالسلك القضائي وهناك رشوة علنية بكل مؤسسات وزارة الداخلية, والسجون تضرب الفوضى اطنابها. سير التحقيقات ونزع الاعترافات والاجراءات المصاحبة تخالف روح ومتن القانون العراقي النافذ نفسه, مع تضارب وتناقض المواد القانونية نفسها المعمول بها في محاكمنا الان. وهناك فوق كل ذلك المادة 4 ارهاب المثيرة للجدل والتي تم ادانة معظم المحكومين من خلالها. بل وهناك اكثر من حادثة في القضاء العراقي مؤخرا تم فيها الحكم بالاعدام على مجموعتين (وليس افرادا) الى 5 مجاميع مختلفة على نفس الجريمة وكلها باعترافات قسرية (مأخوذة بالتعذيب), كحادثة كنيسة النجاة واغتيال الصحفية اطوار بهجت وغيرها, ولا نعرف بعد ان كان الفاعل الحقيقي مدانا ام حرا طليقا يهتف مثلنا بأعدام المدانين لاغلاق الملفات. وكليبرالي حتى لو افترضت وجود انسان بريء واحد فقط بين هؤلاء المحكومين علينا ان نضحي لانقاذه حتى لو تطلب العفو عن 2999 مجرما.
ومن اسباب انتشار ظاهرة ادانة الابرياء بشكل واضح هو ان المجرمين الحقيقيين ممن يرتبطون بتنظيمات ارهابية ومسلحة مجرمة يتم بيعهم بمراحل مبكرة بمبالغ تصل احيانا الى ملايين الدولارات قبل وصولهم للاعدام وحتى بعده, واستبدالهم باخرين من قضايا اخرى او مشابهة. ومن يتبقى من المحكومين بالسجون هم ممن لاقيمة لهم عند الارهابيين انفسهم, والا تم شراؤهم واستبدالهم او تهريبهم كما حصل بعشرات او مئات الحوادث وخاصة في البصرة وبغداد والناصرية وقبلهم الموصل.
ولاننسى ان حوالي 90% من المدانين بجرائم الارهاب في العراق هم من سنة العراق والبقية من الصدريين واخرين. وكل صيحات الاعدام المسعورة تاتي من شيعة العراق فقط مع بعض الاكراد هنا وهناك. اي انها قضية طائفية بامتياز ولا ذرة شك واحدة حولها. ومع ان مؤيدي تنفيذ الاعدام ينكرون ان حقدهم الطائفي هو الذي يدفعهم لتبني هذا الموقف ويدعون انهم يريدون تطبيق العدالة, ولكن الارقام واضحة والميول يسهل تمييزها. وقد اقر امين عام الامم المتحدة بان كي مون مؤخرا بان أحكام الإعدام تصدر وتنفذ بشكل طائفي في العراق. ودعت هيومن واتش الرئيس العراقي لعدم المصادقة على نقل صلاحياته الى وزارة العدل لان احكام الاعدام تصدر باعترافات قسرية لايمكن ان يقبل بها الضمير الدولي. ولا استبعد بل اتمنى ان ترفع على رئيس الجمهورية فؤاد معصوم قضية ابادة بشرية لاستهدافه طائفة بحد ذاتها حين اسرع بنقل صلاحياته الى وزارة العدل بدون اية مشاورات حول دستورية واخلاقية ما قام به وبدون اي مراعاة لمبادئ العدالة والانسانية والضمير.
ان المسؤول عن هذه الجرائم الارهابية المفجعة وعن قتل الاف الارواح البريئة هو ليس الانتحاري نفسه ولا المخطط والمنفذ والداعم لوحدهم وانما الفساد المستشري بكل مؤسسات الدولة والرشاوى التي يدفعها المجرمون فتعطيهم الفرصة للخروج ثانية وارتكاب جرائم ابشع منها وتشجع اخرين على حذو نفس المسلك, وتنفيذ احكام الاعدام حاليا على المدانين لن يقطع هذه السلسلة الخبيثة بل يعززها ويرفع قيمة مبالغ الفساد في المؤسسة. وكذلك اصدار العفو العام والتلويح به بين فترة واخرى فهذه كلها تلغي وظيفة الردع المطلوبة. وكم من قاض بنفسه يقول للمتهم وفي باله العفو: انا مضطر ان اطبق عليك الفقرة كذا واشدد حكمك بالاعدام ولكن سياتيك عفو وتخرج. وكما في حالات الهروب الجماعي الكثيرة التي حصلت والتي تنافي مبدأ المساواة والعدل فان اصدار عفو عام هو ضد العدل ولاتقوم به الا دول الظلم. اوقفوا الفساد المستشري بمؤسسات الدولة اولا قبل التلاعب بارواح الناس في ظله.
ماهو الحل اذا؟ هل نلغي الاعدامات ولانشفي غليل الضحايا؟ الم تر بشاعة ما يرتكبه هؤلاء الارهابيون؟ خاصة وانك لم تفقد عزيزا عليك مثلهم ولم تصاب بعاهة مستديمة كما حدث مع المئات والالاف من الابرياء. وهل تريدنا ان نعطي رسالة خاطئة للارهابيين نشجعهم من خلالها على ارتكاب المزيد؟ وماذا نفعل بمن يعترف صراحة بجريمته وعلى التلفزيون او من يمسك متلبسا او من خلال الكاميرات الامنية المنتشرة؟ وهل تريد الارهابيين ينعمون وياكلون ويشربون بسجون الخمس نجوم التي عندنا؟… الى اخر هذه الاسئلة التي يتحجج بها دعاة تنفيذ الاعدام الفوري مع ان بعضها لايخلو من مصداقية ولكنها بالتاكيد تخفي جهلا متعمدا بالمنظومة الكلية الفاسدة التي لايمكن ان يصدر عنها اجراء خالي من الشك ويطمئن له الضمير, ولا يثير القلق عند الجهات الدولية والمحلية. وقبل ان تستدرك قائلا: ولكن القصاص بالقتل مذكور بالقران وهو عقوبة الهية مفروضة علينا, اقول لك: اعطني قبلها الملائكة الذين سينفذون هذا القصاص. ولماذا لاتسمح اذا بدفع الدية للضحايا وليخرج المجرمون ثانية احرارا فهذا من قرانك ايضا؟. ياما بالسجن مظاليم وخاصة عندنا في العراق, وجريمة اليوم قد لاتكون جريمة في الغد. وكل رؤسائك منذ 2003 الى اليوم كانوا بيوم ما محكومين بالاعدام وهذا لم يمنعهم ولم يردعهم من المضي قدما وخلافة النظام الفاشي الاعدامي السابق الذي لم ينفعه اعدامات البنادق ولا احبال المشانق. فهل تريدنا ان نكرر نفس غلطة المقبور؟
الحل هو الايقاف الفوري لتنفيذ كل عمليات الاعدام. يكفينا اننا اعدمنا هذه السنة حتى الان 55 مدانا (لانعرف كم بريئ بينهم) لنكون ثالث دولة بالعالم من حيث الوحشية بعد الصين المليارية وايران, وتلينا شريكتنا بالدين والجوار والهمجية المملكة العربية السعودية. وعلينا بعد القضاء النهائي على داعش العودة لطاولة المصالحة الوطنية الحقيقية واعادة فتح ملفات المدانين في ظل قضاء نزيه ومؤسسة عدلية كفوءة ومحترمة لاتحوم حولها الشبهات. والتشدد في تطبيق القوانين واحكام امن السجون. فالدعوة لايقاف تنفيذ الاعدامات لاتعني بالمطلق التسامح والتساهل مع المجرمين وانما هي دعوة لرفع كفاءة ومصداقية المنظومة كلها. ومع اني ضد اي حكم بالاعدام ومهما كان السبب, فحق الحياة والمعاملة الانسانية مقدس ومصان حتى لمن يعتدي على حياة وسلامة الاخرين, وهذا مبدأ توافقت عليه كل شعوب العالم الان تقريبا فعاشت بسلام لم نعرفه نحن بعد. بينما نحن بالعراق نحكم على حوالي 50 جريمة مختلفة بالاعدام, والارهاب واحدة منها. لذى يمكننا عراقيا التدرج بالغاء هذه العقوبة من قوانينا مع عدم تنفيذ اي حكم يصدر على الاطلاق. فالسجن الابدي المضمون بدون امل بعفو او تخفيف للحكم هو عقوبة رادعة بما فيه الكفاية وتحقق العدالة للمجتمع وللضحايا. وعندها فقط سنعيش بأمان اكبر وحقيقي وسنكون محط تقدير واحترام العالم. وليس هناك طريقة اسرع لرفع قيمة انساننا المعنوية ومساواتها بالانسان الغربي (الذي كلنا نقر ونعترف بان له قيمة اكبر منا عند حكومته وعند حكومات وشعوب العالم الاخرى) سوى وقف احكام الاعدام ناهيك عن تنفيذها واعتبار حياة الانسان مقدسة ومصانة ولاتهدر لاي سبب.

أحدث المقالات