استهداف الصحفيين في العراق بات اشبه بالمسلسل الذي اتسمت سيناريوهاته بروحية التدرج في تعقب من يحمل اعباء السلطة الرابعة ويلوذ بمهنة المتاعب لكي ترتقي سلم النجاح اسوة بدول العالم المتحضرة .
ولكن مما يؤسف له ان حملة الاقلام ومطلعي العالم على مايجري في العراق من احداث وتطورات يتعرضون الى اسوء العقاب من قبل عصابات داعش او من قبل مافيات الجريمة المنظمة ، وهذا ان دل فانما يدل على ان هناك مشروعا يرمي الى تكميم الافواه ويغطي الحقائق .
قد يكون التحليل لهذا الامر لاول وهلة غريبا ولكن مرورا بسنوات ما بعد التغيير وبعد قراءة سريعة لعدد المستهدفين من الصحفيين ما بعد 2003 نرى بوضوح ان ثمة مخاطر محدقة بمن يعمل في المجال الاعلامي ولكن من دون شك ان جسامة احداث البلد غطت على بعض تفاصيل هذا المسلسل الذي يستهدف الصحفيين ، واضحى هذا الامر – قياسا بحجم الهجمة الشرسة التي تستهدف جميع العراقيين- امرا عابرا تمر عليه بيانات الاستنكار لبضعة ايام وبعدها تنظفئ شعلة من رفع حملة الدفاع عن حقوق الصحفيين .
جميع القراءات التي تشير الى ان مهنة الصحافة في العراق باتت الاكثرة خطورة لتماسها مع الحدث المحلي برهنت بان الصحفيين باتوا عرضة للخطر سواء كانوا من الصحفيين المحاربين الذي ينقلون صورة عن المعارك الشرسة في ساحات القتال ضد داعش او من الصحفيين الذي لم تعينهم ظروفهم للهرب من بطش الارهاب وبقوا في مدن باتت الاعراف الداعشية تتحكم بهم ، وحتى هؤلاء الصحفيين الذين لم يدخلوا في هذا المعترك ونقلوا عن بعد المشهد الامني بكل تفاصيله فانهم باتوا محط استهداف من قبل من لايؤمن بان حرية الصحافة التي كفلها الدستور وعلى الجميع ان يقر بها بالفعل وليس بالقول .
اليوم وبعد برهة من زمن سقوط الصحفيين فريسة لداعش او العصابات يفاجئ الجميع بحادثة مركز النهرين في بغداد وما تعرض له ثلة من مراسلي القنوات على يد حمايات بعض المسؤولين في الدولة اتسعت افاق القلق ازاء ماتتعرض له تلك الشريحة من اخطار ، وتزايدت المطالبات بتحقيق وضع امن وحصانة حقيقية للصحفيين ، وطالب البعض بملاحقة الحمايات المتورطين بالاعتداء لمقاضاتهم وفق القانون عاجلا ام اجلا وتشخيص المعتدين وتقديمهم للعدالة.
وعدت تلك الحادثة انتهاكا صارخا للقانون والدستور وحرية التعبير ، وتم التأكيد بضرورة عدم السماح لأحد بممارسة التنكيل والإذلال بحق الصحفيين العراقيين مهما كانت المبررات والتوضيح على ان حمايات المسؤولين والقوات الأمنية بحاجة إلى وعي أكثر والى دراية بأهمية السلطة الرابعة، وإلا ستبقى الاعتداءات مستمرة في كل وقت، وما حصل لعدد من الصحفيين في مركز النهرين يشكل نقطة سلبية في ملف حقوق الإنسان في العراق.
ان الوقوف على ذلك يدعو الى الاتجاه نحو مطالبة حقيقية لتحسين الوضع الآمن لرجال الصحافة والوقوف بوجه اي انتهاكات جديدة بحقهم سيما وان جميع الانتهاكات التي حصلت في العالم التي جعلت مرتكبيها يتمادون فيما لو صمت المنتهكة حقوقهم ولم يكن هناك من يدافع عنهم سيما وان البلد يراد له ان يتعافى من كل الامراض التي لصقت به جراء دوامة الارهاب .
وان تعرض السلطة ارابعة الى اهتزازات من هذا النوع لايقل خطورة من عودة العملية السياسية الى المربع الاول او انهيار الملف الامني ، ولايقل شأنا من مسألة تعرض البرلمان الى التفكك او سحب الثقة عن الحكومة او انهيار سلطة القضاء كون مرتكزات السلطة الرابعة تعتمد الحريات المنصفة لحقوق الصحفيين.