18 ديسمبر، 2024 11:04 م

كلام من زمن فات.. له شجون وذكريات..

كلام من زمن فات.. له شجون وذكريات..

بعد مرور السنين الطويلة وابتعادنا عن الكثير من الاصدقاء، تجعلنا الايام نلتقي بأحدهم، وتعود بنا الذاكرة الى الوراء من اجل التذكير بأحلام وايام الطفولة والشباب وما اجمل ان يحظى الانسان بصديق ، من شدة وفائه يعني له كل الاصدقاء.
في الاسبوع الماضي واجهت احد الأصدقاء القدامى وعادت بنا الذاكرة كثيرا لمراتع الطفولة والصبا، وتذكرت معه البساطة التي كانت تحيط بحياتنا، في الحي الذي كنا نسكنه فهو من مذهب وانا من مذهب اخر وتذكرنا كيف كنا أنقياء لا هم لنا ولا مشاكل حولنا، لانعرف معنى الطائفية ولا الاثنية ولا العرقية ولا مجلس نواب يعمل من اجل جيوب نوابه وسعادتهم .! تذكرنا كيف كنا نأخذ من اليوم أوقاتا للعب وللتسلية، وتذكرنا كيف تمر الأيام بنا دون ان نعرف عن التفجيرات والقتل والموت بالحروب الداخلية او الخارجية. من قتل أو تفجر ،ومن مات في حرب او تهجر ، ولا من افسد وسرق.
غالبا ما كنا نستمع للراديو او جهاز التسجيل ابو( الكاسيت )لأغاني داخل حسن وزهور حسين وعبادي العماري وياس خضر ونستمع من الاذاعة لاغاني فيروز في كل صباح و لاغاني ام كلثوم في المساء ونشاهد التلفزيون الاسود والابيض وافلام عراقية ومسلسلات رغم بساطتها لكنها كانت قمة في الروعة والانبهار والمتابعة. لأنها تعالج مشاكل اجتماعية طاغية في المجتمع آنذاك مثل ( النهوة والنهبية والثأر  والمحطة وفلم الحارس وانعيمة وغيرها). ليس مثل افلام ومسلسلات اليوم.
كنا لا نعرف اجهزة الموبايل، بموديلاتها لا ابو الطابوكة ولا الكلاكسي ، الذي يستخدمه احفادي مصطفى وسجاد اليوم، في حين اجهل انا استخدامه.! ولا الفضائيات واقمارها الاوربية والعربية ،ولا شرائط الأخبار التي نقرأها الآن حتى في احلامنا، كنا لا نعرف الحروب والاحتلالات التي تدمر الشعوب والبلدان ،ولا القنابل والكواتم ولا سقوط الناس بالمفخخات ولا نفهم، لم تقام الحروب وتفرض الحصارات وتنتشر المجاعات؟ لانعرف غير الهجوم النووي الذي شنته راعية ( الديمقراطية) الولايات المتحدة الامريكية على هيروشيما وناجازاكي ضد الإمبراطورية اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية. قتلت القنابل ما يصل إلى 140,000 شخص في هيروشيما، و80,000 في ناغازاكي!! تذكرنا الهدوء في الحياة ،وتذكرنا اننا لا نعرف امراض الضغط او السكر ولا السرطانات .! وتذكرنا عند ما يموت شيخ مسن في الحي ننبهر.! ونقول الله يرحمه ،كيف توفى بالأمس كان جالس في باب داره يستمع للراديو ، ونساهم نحن ابناء الحي رجالا ونساء بتشييع جنازته وحضور مجلس العزاء والمساهمة بمصاريف ( الفاتحة) وما ان تنتهي الايام السبعة حتى يتسارع ابناء الحي على دعوة اولاد واخوان المرحوم الى وليمة طعام وحلاقة ذقونهم والتخفيف عن ما اصابهم .! في حين اليوم الجار لايعرف اسم جاره ولم يشاركه بافراحه واتراحه.! تذكرنا الأمانة والصدق والنية الصادقة الـــتي كانت بين الناس، وتذكرنا كـــذلك الوفاء وتذكرنا شوارعنا في ابي نؤاس والسعدون و الرشيد من حيث النظافة وجمالية محلاتها بما تعرض. وليس ماهي عليه اليوم من خراب في خراب وفوضى ما بعدها فوضى. شوارع مقطعة ومحفرة ، وحواجز تفتيش، ازدحاما مروريا، صفارات انذار ، لسيارات الاسعاف وللهمرات ،ولسيارات الشرطة وحمايات المسؤولين ، هذه الفوضى التي تخترق تضحيات المواطنين ، في سبيل الحرية، وتفرغها من شحنات الأمل الضرورية ، يجلس القادة في كراسيهم، لا كي يتدبروا شؤون مواطنيهم، بل من أجل إدارة شؤونهم وعوائلهم واحزابهم بإحكام لا رجعة عنها. وتذكرنا مقاهي  الشابندر وام كلثوم والبرلمان والخلود وابراهيم عرب والعزاوي. ودور السينما التي اصبحت اليوم مخازن لملابس اللكنات والمواد الكاسدة والفاسدة وكل يوم ينشب فيها حريق.! وتذكرنا زياراتنا للائمة الاطهار ، موسى الكاظم وابي حنيفة و الشيخ الكيلاني ،وخاصة في ذكرى المولد النبوي الشريف. مسيرات مليونية اولها قرب الامام ابي حنيفه واخرها في الباب المعظم وهي تنشد ( طلع البدر علينا).! تشم روائح العطور والبخور ، من صواني الشموع والياس والحلوى. ولم يحصل ما يعكر الفرحة والبهجة.!
تبدل كل شيء ، تعولمنا وأصبحنا نعيش عصر السرعة في كل شيء من خلال ما غزت به العولمة بيوتنا واخلاقنا وعاداتنا، من خلال الفضائيات والانترنت، وبات الريمــــوت كنترول هو الصديق، وازراره تنــقلنا من مأساة الى أخرى في هذا العالم المضطرب، وأصبحـــت الكوارث والنكبات والحروب ، التي حلت على العباد في هذه الأيام تزاحم الذاكرة وتحتل المكان الأكبر منها، ولن يبقى لدينا من وقت لمحو كل جميل مما تبقي من ذاكرتنا.! رغم انهم يحاولون إزالة ومحو هذه الآثار من منها.!؟ ورحم الله الشاعر ابو العتاهية على قصيدته:
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيبُ
فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ نعاه الشيب والرّأسُ الخَضِيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ
فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ