17 أبريل، 2024 5:39 م
Search
Close this search box.

كلام مسموع : رمانة كزار

Facebook
Twitter
LinkedIn

* قبل سنتين عندما إنتقلنا لهذا المنزل في أستراليا ، غرست بالحديقة شجيرات فواكه متنوعة ، اطلقتُ على الشجيرات أسماء محبين رحلوا .. كانت هناك شجرة اللالنكي لأمي والمانجو لأبي والخوخ لعمتي والتفاح لأختي والزيتون لوالد زوجتي وكرمة العنب لجان دمو ، وشجيرات اخرى لأصدقاء أعزاء  رحلوا ، كانت شجيرة الرمان تحمل إسم الحبيب كزار حنتوش ، هذا الموسم أُصيبت جميع الشجيرات بمرض فتّاك جعل منها عقيمة الثمر ، الاّ شجيرة الرمان لكزار امتلأت أغصانها بالزهر الناري ثم اصبحت تحمل ثمار الرمّان ، وحدها شجرته التي لم يجرؤ المرض على الإقتراب منها .
* لم يكن إعتباطا اني جعلت شجيرة الرمان تحمل إسمه ، اذ كان يحب الرمان كثيرا ، طالما إحتفظ بواحدة في جيبه لكسر مذاق الخمرة عندما يضطر لإحتسائها صباحا حتى تعيد التوازن لجسده وتطرد الإضطراب منه ، ذات صباح خرجنا من فندق الصياد المطل على ساحة الميدان ، كان الإضطراب قد نال من حبيبي كزار بقسوة ، بدأ يبحث عن مكان بعيد عن أنظار المارة حتى يكرع جرعات من الخمرة الرخيصة تعيد التوازن الى نفسيته المضطربة ، حتى قررنا الدخول الى دورة مياه عامة بحجة ” ترقيّة المائية ” مصطلح سمعته من قروي في حانة ذات يوم ويعني إفراغ المثانة من الإدرار ، من دون إفطار شربنا خمرتنا على عجل بدون مازة وأعطينا الرجل المشرف على دورة المياه ربع دينار مقابل ذلك بعد خروجنا ، لم تمر لحظات حتى بدأت أبصقُ دماً ، لاحظ كزار ذلك لكنه لم يرتبك بينما اجتاحني الرعب ، نتيجة ألم وحشي بدأ يطعن معدتي بخناجر حادة لا حصر لها وأغرورقت عيناي بالدمع ، طلب مني كزار ان اتوقف واستنشق نفسا عميقا ، وفعلت ، ثم وضع يده على معدتي وضغطها بقوة ، شعرت ثمة إطمئنان بدأ يزحف على روحي .. وأخذني الى مطعم ناشدا من نادله كأس ماء بارد ، طلب مني ان اشربه دفعة واحدة ، ما ان شربته حتى هرب الألم مني وتوقف نزف الدم .. خطونا نحو شارع الجمهورية ، طلبت منه سيجارة ، أجابني بعناد واضح :
– ليس الآن .. سأعطيك السيجارة عندما يعود الدم الى وجهك ..
– انا بخير
– اعرف .. لقد اصبحت خمّارا محترفاً ولن اخاف عليك بعد اليوم .
* فيزا الى  كزار حنتوش

عليك ان تكون ابيض القلب على الدوام
عليك ان تكون كريما حتى في عوزك
عليك ان لا تشبع مادام هناك جائع على الأرض
عليك ان تسمع اغنية بريئة كل فجر
عليك ان تصلّي بعيدا عن انظار الغواية
عليك ان تلهج بدعاء الخير الى الناس قبل نفسك
عليك ان لا تكون انيقاً في مأتم مغدور
عليك ان تكون طاهرا في حضرة الفساد
عليك ان تبوس تراب أقدام والديك قبل ان تنام
عليك ان تترك نصف طعامك لجار فقير
عليك ان تبوح بالحقيقة حتى لو كنت على صليب
عليك ان تطلق الورد بوجه البنادق
عليك ان تشعل شمعة على جبين البلاد
عليك ان تنزف عرق جبين
عليك ان تذرف دمعا ساعة بهجتك
عليك ان تبتكر بلاداً تشبه وطنك في وحشة المهاجر
عليك ان تغفر لمن طعنك في المنام
عليك ان تصغي لحديث الصمت
عليك ان تدع النار تشتعل في مهجتك حتى يستدل بها التائهون
عليك ان تتوضأ بدمعك ساعة الصلاة لوطن بعيد
عليك ان تموت وتترك دمك يزهر حديقة ورد
حتى ترى كزار وتدخل الجنة بهدوء .
* بعد عودتي الى العراق عام 2004 ، التقيت الحبيب كزار في حديقة نادي الأدباء بعد اتصال جرى بيننا ، كنا نجلس برفقة الصديق الحنون علي حسين عبيد ، فجأة غادر كزار المائدة ، وجلس لوحده على مائدة ليست بعيدة عنا ، لم استوعب تصرف كزار في حينها ، فأهملته لكن قلبي كان يحترق حتى يعود الى المائدة ..
الليلة فقط عرفت لماذا تصرّف كزار هكذا ؟
لقد كان يريد اختبار محبتي له بعد غربتي ؟
بينما كنت اريد اختبار محبته لي بعد غيابي ؟
الليلة اكتشفت ذلك فقط ،عندما اعدت ذكرى تلك الجلسة .
سأعتذر منه عندما أراه قريبا جدا .
* في جلسة صعاليك جمعتنا في بار ماهر ، انبرى احدهم يتحدث عن معاناته بكتابة القصيدة ، ضمن حديثه الفج قال انه امضى خمس سنوات حتى يكتب هذه القصائد .. فما كان من كزار الا قال له :
– عمي دز لي بطل عرك واكتب اربع دواوين هسه ؟
* في لقاء تلفازي سألوا كزار حنتوش عن سر الصداقة المتينة بيننا اجاب : حسن النواب شر لابد منه .
* تسع سنوات مرّت على عروجك الى السماء ، لكني لم اخبرك يوما ، ماجرى لي بعد غيابك ، الليلة سأخبرك وجسدي يرتعش الآن .. لقد اصبحت يتيماً بعد موتك ياكزار .
* حسن النوّاب
[email protected]
* شجرة رمّان كزار .. اللقطة قبل ساعة .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب