17 نوفمبر، 2024 3:45 م
Search
Close this search box.

كلام في السياسة فقط

كلام في السياسة فقط

سرقة مفهوم التنظير المدني من قبل احزاب الإسلام السياسي لايستند علَى مُعطيات تأريخية ولانصية،فمدرسة الإسلام السياسي طلما ابتعدت عَن هَذَا المفهوم بل جعلته كفر في قبالة النص الديني.وهناك شواهد كثيرة بخصوص هَذَا الأمر، وليس هناك مبرر أكثر من محاولة التشبث بالشارع وطلب عطفه، وإستغلال مشاعره في ايجاد حلول بديلة للبقاء في كرسي الحُكم،مدرسة حسن البنا وسيد قطب أنتجت منظومة مغلقة لأحكام إسلام السياسة،فلا اعلم كيف استطاع ( الاخونچية) في العراق ان يكسروا قواعد النص المقدس! والإدعاء بالمدنية، هَذَه خيانة بالدرجة الأولى لأفكارهم وخروج عنها وحسب قواعدهم الإلهية إنها ( اما بدعة او ردّة!). منظري الصحوة الإسلامية يرون حتمية لامناص منها ان الإسلام ( هو دين ودولة) ولايمكن عبور هذه العقبة عندهم حتّى بشق الأنفس!  كجماعة الجهاد( الوهابية وابن تيمية)، والقرضاوي والتي تسوق النصوص الدينية الجهادية لتطبيق شرع الاسلام بالحكم والجهاد، ولا اعلم كيف يركنون في تأسيسهم الآن علَى الفكر المدني المطالب بفصل الدين عن الدّولة؟( اي دين كان).

يذكر القرضاوي( ان ماتذهب اليه جماعة الجهاد بخصوص ان العلاقة بين الإسلام والدّولة والسياسة امراً تفرضه نصوص دينيّة معيّنة أن سعي المسلّم لإقامة دولة إسلامية ماهو إلا تنفيذ لأمر إلهي).إذن بالضرورة النصية لديهم تعتبر الدّعوة إلى العَلمانية والمدنية هي مروق عن الإسلام، فما بال سليم الجبوري وغيره عندما يكوّنوا أبناء هَذَا الفكر ويدَّعون الى مدنية؟!

يذكر المفكر المصري محمد يحيى ( ان الدّعوة الى العَلمانية بأسرها تقع في حركة التغريب والاوربة والاستعمار الثقافي الذي يعاني منها الإسلام منذ أكثر من قرن من الزمان،والتي تعتمد اسلوب تصوير مفاهيم وأفكار الغرب على إنها مُطلقة،ومن ثم يجري فرض هذه المفاهيم والأفكار دون مناقشة لها وإحلالها محل اي عقائد أخرى في البلاد المستعمَرة)) بغض النظر  عن مناقشة تأريخ هذه الفكرة او سطحيتها لكنها إبستمولوجية سائدة على نطاق واسع وثابتة بشكل بديهي عند فكّر جَمِيع الإسلام السياسي دون أستثناء، بل هي أفضل أسلحتهم في إقناع جمهورهم واستمالة عواطفِهم،يتفق في رأي محمد يَحْيَى العلاَّمة الشيعي في لبنان محمد مهدي شمس الدين عندما يرى ( ان العَلمانية هي فكرة اوربية نشأت لحل مُشكلة اوربية فرضتها معطيات ارتبطت بالتجمعات الأوربية في ظل شروط تأريخية معيّنة).شمس الدين يقراء المعطيات من وجهة نظر تأريخية ليسحبها على الحاضر والمستقبل وهذا شأن جميع المفكّرين المهُتمين بشأن الإسلام السياسي،لم يقدموا لحد الان او لم يستطيعوا مطلقاً تقديم نظرية منفصلة عن ثنائيّة ( النص، والتأريخ) لان خطوة وَاحِدَة نَحْو عمق اكثر يؤدي إلى تجرد المحقق والمفكر في تثبيت حكم الاسلام السياسي بشؤؤن الدّولة بالتخلي حتماً عن إحدى هاتين  الثنائيتين وهذا غير مسموح له اولاً، وثانياً سيصطدم بالانشطار العقلي المانع لتثبيت نظريته وبالتالي ضعفها في تطبيق السلطة والحكم.قراءة شمس الدين تعكز تاريخي فقط لتثبيت نتائج حصلت مسبقاً وليس لتطبيق مفاهيم قابلة للتحقيق ضمن حدود الآن في كل واي مكان،

انها خُروج من مأزق فرضته الحركة المدنية والدّعوة الى العَلمانية لذلك منظّري الإسلام السياسي بالنتيجة التي خرجوا بها والتي يلخصها الكاتب عادل ظاهر في كتابه الأسس الفلسفية للعلمانية (( ان الدّعوة الى العلمانية في جوهرها هي رفض للدولة الثيوقراطية في الغرب المسيحي،وبما ان الإسلام السياسي هو دين ودولة و لايحمل في طياته مفهوم الدولة الثيوقراطية ولا اي مكون من مكوناتها بل العكس تماماً هو الصحيح، واذا سلمنا بهذين الأمرين، اذن لا مفر من ان نجعل الإسلام السياسي في مأمن تام من العَلمانية)). وهذا في ظاهره خطوة محترمة في التفكير العقلي والتطور الفلسفي في التصدي للفكر العلماني، لكنه ضعيف بكل تأكيد في الياته ومستلزماته العقلية لكونه كما ذكرت سابقاً مستند بالضرورة على المقارنة التأريخية وحكم النص فحسب، ومن نفس هذه الثنائيتين يمكن إخراج ما يتناقض مَع ملخص ما خَرَج به منظروا الحركات الإسلاموية في الحكم السياسي والدولة،فليس دائماً النص يكون لهم شفيع في تثبيت نظريتهم وتأيدها،اكثر الاحيان تجد التناقض في المفاهيم النصية والإشكاليات التي تعود عليهم بسجال مفتوح لا مخرج منه ولا مناص ايضاً من تصديقه او الأستسلام له،عندها تجدد التأويلات كثيرة ومتضاربة في قرءاة النص مما تعاني اجتهاد مختلف المشارب،ومحاولة لربط التأريخ الديني  مع الدّولة كعلاقة حتمية بالضرورة! وليس هناك علاقة حتمية بالضرورة بل هي عِلاقة جائزة فحسب.

هناك أيدولوجية  تُحاول المزج ظاهراً بين الليبراليّة والتقدمية في النص الإسلامي لكنها تبتعد شكلاً ومضموناً وجوهراً وعمقاً في فلسفتها التي تكاد تكون مخفية وغير معلنة لكنها موجودة في الادبيات والأسس العامّة لكوادرهم المتقدّمة وهذه الأيدلوجية  لاتختلف  تطرفاً عَن تنظيرات (المودودي) وغيره، وهي رفض الديمقراطيّة بكل اشكالها ورفض الشورى بكل اشكالها ولاتوجد فيها اي فائدة وهذا الزحف من قبل الامة وتجربة هذه المفاهيم ماهو الى زحف بائس وقد اوضحت التجارب انه  فاشل. النجاح الوحيد في تطوّر نضوج الأمة يكمن فقط بالانصياع خلف الأدلة النصية والروائية في أتباع خلفاء الله بالأرض ووكلائهم حصراً وغير ذَلِك ماهو إلا تخلف وجهل لاطائل منه وانحراف في فكر الأمة.

لا اود مناقشة هذا الرأي لكونه مسترسل بشكل إنشائي لايحمل اي عمق فلسفي او عقلي بل هو جزء من أقسام الإلتفاف لكسب جهمور موالي فحسب وبكثرة عديدة،وإستغلال لعواطف الناس ومشاعرهم لا اكثر وهو على أية حال مُلزم ومفروض علَى مقتنعيه بشكل حتمي لا مفر ولانقاش فيه. وبغض النَّظر عَن نتائجه التي ممكن ان تحصِّل، وعواقبه الوخيمة في التطبيق لكن ننظر له من زاوية الإتحاد مع المفاهيم المدنية، ويمكن لك عزيزي القارئ ان تشخص كم هي المسافة بين هذه الأيدلوجية وبين الفكر المدني ولا أعلم كيف يحصل الالتقاء وفي اي نقطة؟ بناءًا على ما كتبت بشكل مختصر فليس من حق لا ( الاخونجية ولا غيرهم ) في استغلال نبض الشارع وتوجهاته المدنية بالفطرة، ومحاولة توظيف المصطلحات المدنية للتلاعب بمقدرات البلاد مرّة اخرى واعادة تدوير أنفسهم بنفس الوجوه بآليات تحمل طابع المناورة،هذه سرقة فضلاً عن انها خِيانة للفكر الذي يحملوه وانشقاق عنه وسرقة الأفكار حرام ايضاً؟!!.

أحدث المقالات